قصة من قصص واقعية : أوشين العربية

منذ #قصص واقعية

لن تغيب عن ذاكرتي أبداً أحداث المسلسل الياباني الرائع

أوشين) الذي شاهدته مع الملايين أوائل التسعينات من القرن الماضي ، ورغم أن المسلسل كان بلغة أجنبية مترجمة إلا أن جميع الفئات استوعبته لأنه كان يجسد لنا كفاح الفتاة اليابانية الفقيرة أوشين ،

وكيف استطاعت بعزيمتها القوية وإرادتها الصلبة أن تهزم الفقر والظروف الغير إنسانية المحيطة بها . رأيناها وهي طفلة يتيمة وحيدة مع أمها وكيف عملت خادمة لدى الآخرين وبإرادة حديدية واصلت تعليمها وعملت بكل المهن الشريفة كي تكسب قوت يومها ، وتزوجت وأنجبت ثم مات زوجها في الحروب الإمبراطورية اليابانية وواصلت هي كفاحها ونضالها في تربية أبناءها .

والله إنني أتحسر على ذلك الزمان الذي كنا نشاهد فيه أعمالاً درامية ذات مغزى ومعنى وهدف ! أنظر حولي ونحن في القرن الحادي والعشرين وأرى أعمالاً درامية تركية مشوّهة ، غريبة وشاذة على مجتمعاتنا العربية ، ورغم ذلك يتعلق بها الناس ويتابعونها بشغف !!

سوف أحدثكم اليوم عن أوشين العربية .. أقصد بنت اسمها سكينة أو أوشين العربية كما أحب أن أناديها ! لقد انتصرت سكينة على ظروفها الصعبة وعلى واقعها المُر ، فهي فتاة شابة نشأت في أسرة متحابة تتكون من أب وأم وسبعة من الأبناء ذكوراً وإناثاً كانت سكينة أصغرهم .. عوّدهم أبيهم منذ الصغر على المشاركة في شئون البيت والأسرة ، فتعودوا على تحمل المسئولية ومواجهة ظروف الحياة الصعبة .. اعترضت حياتهم جميعاً ظروف صعبة كثيرة لكنهم تغلبوا عليها بالإيمان والصبر حتى تخرجوا كلهم من الجامعة في تخصصات مختلفة ، وتزوج كل أخواتها ولم يبق سواها مع والديها .

ذات يوم فاتحها شقيق صديقتها برغبته في أن يتقدم لخطبتها فلم تعترض ولم توافق وإنما تركت الأمر للأقدار ، لكنها فوجئت برفض والد صديقتها لها بعنف وكان رفضاً جارحاً ومهيناً تألمت له سكينة كثيراً ، فهي لم تجرح إنساناً في حياتها وتجد السعادة دائماً في خدمة الآخرين ومحبتهم ! ساعتها بكت سكينة بكاء مراً ودعت الله أن ينتقم لها ممن جرح إحساسها ... مرت الأيام ورجعت الفتاة إلى حياتها العادية ولم تمض فترة طويلة إلا وتعرض والد صديقتها لمحنة قاسية أودت بحياته وانهارت سكينة باكية وشعرت بتأنيب الضمير الشديد ، فقد تخيلت إنها السبب فيما حدث للرجل لأنها دعت الله أن يثأر لها منه ، وأقسمت منذ اليوم ألا تدعو على أحد مرة أخرى .. مضت السنوات سريعاً ولم تجد بين من تقدموا إليها من تشعر أنه يناسبها ، حتى فاجأتها إحدى قريباتها برغبتها في خطبتها لابنها ، وابتهجت لذلك كثيراً وشعرت بأن حلم السعادة قد اقترب منها ، لكنها فوجئت بالشاب يرفضها لأنها عل حد قوله تتمتع بشخصية قوية أكثر من اللازم ومحبوبة وذكية وفي نفس مستوى ذكائه ، ساعتها تعجبت سكينة لهذه العيوب

الخطيرة) التي رفضها ذلك الشاب من أجلها !

واعتصمت بالصبر وقررت ألا تدعو الله على أحد بالانتقام ، فكل شيء في النهاية قسمة ونصيب .. وقررت في نفس الوقت تنمية مهاراتها وقدراتها ، فتعلمت الحياكة والرسم على الزجاج وجميع الأشغال اليدوية والحرفية وحصلت على دورات في التعامل مع المعاقين ذهنياً والتعامل مع الصم والبكم ودورات في اللغات ، ثم فكرت جدياً في الهجرة إلى استراليا وبدأت في تجهيز أوراق السفر وهي غير نادمة على هجرة أحبابها الذين جرحوها !!

ذات يوم كانت سكينة تسير على كورنيش النيل فإذا بها ترى فإذا بها ترى طفلاً على وشك الغرق في النيل فم تتمالك نفسها واندفعت إلى الماء ووفقها الله لإنقاذ ذلك الطفل ، وغادرت الماء عائدة إلى منزلها سعيدة بما فعلت غير عابئة بملابسها التي ابتلت كلها ، وبعد قليل من عودتها للبيت فوجئت بجرس الباب يرن وضيف غريب يدخل الصالون قائلاً لها ولوالدها أنه جابر، طبيب ناشئ ، وأنه شاهدها وهي تنقذ الطفل من الغرق ، فتبعها في الطريق حتى عرف عنوانها وأنه يريد أن يتقدم لطلب يدها لأنه قد أُعجب بشهامتها وحسن تصرفها في إنقاذ الطفل .. رحّب والد سكينة بجابر ، أما الفتاة نفسها فقد اعتذرت له على الفور لأنها على وشك الهجرة بعد أسبوع واحد إلى استراليا ، رغم ذلك ترك جابر بياناته وطلب منها التفكير في طلبه وذهب إلى حال سبيله ... فكرت الفتاة كثيراً في طلب جابر ولم تجد في نفسها الرغبة في تغيير خطتها للسفر لاستراليا والاستقرار هناك .

مرت الأيام وتأجل سفرها لمرض أمها ففوجئت بالطبيب جابر يتصل بالبيت عدة مرات محاولاً أن يعرف سبب رفضه ، فاضطر أبيها لمصارحته بما حدث لها في الماضي وكيف جُرحت كرامتها مرتين وتأثر جابر بذلك كثيراً وازداد إلحاحاً على أن يأخذ فرصة عادلة للاختبار قبل الحكم عليه .. وبدأت سكينة تفكر فيه وكيف أنه شاب مهذب ومحب ومشابهاً لها لأقصى حد في الطباع وطريقة التفكير ، فقبلت الزواج منه وتم الزفاف سريعاً وهي في قمة السعادة ، وبعد شهر العسل مباشرة بدأت سكينة تفكر جدياً في افتتاح عيادة لزوجها ، ولم تجد غضاضة في اقتطاع مساحة كبيرة من شقة الزوجية لتحويلها إلى عيادة لجابر ، بل وعرضت عليه مساعدته في عمله لتوفير أجرة الممرضة خاصة أن العيادة في بدايتها وزوجها ليس معروفاً ، فكانت تعمل معه كممرضة وفي المساء تهيئي له كل الظروف المساعدة للحصول على دراساته العليا ، حتى ملابسه كانت تقوم بحياكتها بنفسها توفيراً للنفقات .

مرت الأيام وبعد عامين شعرت أوشين

أقصد سكينة) بدبيب الحياة يتحرك في أحشائها ، ثم وضعت طفلها الأول وبعد عام آخر وضعت طفلها الثاني واكتملت سعادتها مع زوجها الحبيب ، وتوالت الأعوام حقق خلالها الدكتور جابر نجاحاً كبيراً في عمله واشترى شقة جديدة وسط البلد جعلها مكاناً لعيادته ، ثم أصبحت لهم سيارة حديثة وقطعة أرض صغيرة .. والآن تتعجب سكينة لحكمة الأقدار ، فقد أراد لها المولى سبحانه وتعالى كل الخير ، وعلمت أن الشاب الذي رفضتها أسرته بكل قسوة لم يوفق حتى اليوم في عمل ثابت له ولم ترتبط به أي إنسانة !

أما الشاب الثاني من أقاربها الذي رفضها هو الآخر لقوة شخصيتها وذكائها الغير عادي على حد قوله ؛ فقد ارتبط بإنسانة رغم أنف أهله وأصر على اختياره وما زال يدفع ضريبة هذا الإصرار ويحيا حياة غير سعيدة ! إنها تشكر ربها الذي وقف إلي جانبها وأعانها على مغالبة هوى نفسها وأنها وقفت بصلابة من جديد لواجهة الحياة بنفس راضية مطمئنة ، وتلك هى السعادة الحقيقية .. إنها سعادة النفس التي تظل فرصها قائمة في الأفق لكنها مؤجلة إلى الوقت المعلوم في لوح القدر ، فكل شيء يدور في بوتقة النفس الداخلية وليس في العالم الخارجي ، ونحن وحدنا الذين نملك أن نتوافق مع حياتنا ونرضى عنها ونسعد بها ، وهذا ما فعلته في الواقع أوشين أقصد سكينة ، إنها استنهضت عزيمتها وإرادتها وهزمت روح اليأس والقنوط من رحمة الله بداخلها وتفاعلت مع كل الصعاب التي واجهتها في حياتها بحيث تجد حلاً لأي مشكلة تقابلها وكانت شخصيتها القوية هي نفس ها التي هيأت لها أن تكون سنداً وعوناً لزوجها وقوة دافعة لها لا عبئاً عليه !!

ليتنا نرى نماذج كثيرة من أوشين في بلداننا العربية .. ليت وسائل الإعلام والفضائيات العربية تعرض علينا مرة أخرى التحفة الدرامية اليابانية الخالدة أوشين .. ذلك أفضل كثيراً من إدمان مشاهدة المسلسلات الدرامية التركية المشوهة والشاذة والتي تتناقض نهائياً مع ثقافتنا الإسلامية المعتدلة الرافضة لكل أشكال العنف والتطرف. ليت ذلك يحدث قريباً .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك