توكلت على الله وقررت أنني ننطلق بوحدي هاذ المرة، بعد المرض المفاجئ ديال "السالمي". هاذ الليلة الشتاء خيط من السماء، وخاصني نزيد نرد البال، حيث بسبب الشتاء والحمولة ديال الشاحنة، الخطورة كاتزاد.
الليل كامل وأنا كانسوق، حتى بدات خيوط الشمس الأولى ديال الصباح كاتبان، وقررت أنني غير ندخل لطانطان نوقف نفطر، ونعس شوية قبل مانكمل الطريق. وذاكشي فعلا اللي كان، داتني الغمضة فقت شربت القهوة ديالي وانطلقت.
قبل مانوصل لطرفاية بواحد 10 ديال الكيلومترات، وفي الوقت اللي مابقاش بزاف باش يطيح الليل، بان ليا واحد السيد واقف حدا واحد الصخرة في الجنب ديال الطريق. الوقفة هي الوقفة، والملامح هوما نفس الملامح...إيه هو والله حتى هو، هذا هو السي ادريس مول "البيكوب" اللي كان جارنا في الدوار قبل مايرحل للنواحي ديال أكادير. هاذي 10 سنين مابقيت شفتو مسكين ولا سمعت خبارو، ومشا ليا حتى من بالي فهاذ المدة كاملة. ولكن أش كايدير فهاذ الخلاء بوحدو؟
بانت ليا واحد البلاصة في جنب الطريق خاوية، وقررت أنني نوقف الشاحنة ونمشي لعندو. قربت ليه وتأكدت أنه فعلا هو، فاش سلمت عليه ماردش عليا السلام، حرك غير يديه بواحد البرودة كبيرة. كانهضر معاه وهو كايشوف غير فواحد الجهة، وجهو كاملو زرق وعينيه كيبانو بحالا خارجين من بلاصتهوم، سنانو كاملهوم طايحين، وحوايجو موسخين. سولتو واش أنت هو السي ادريس، حرك راسو بحالا كايقول لا، ولكن واخا هو كاينفي أنا متأكد أنه هو، ومافهمتش علاش كايتصرف هاكا.
حطيت يدي على الكتف ديالو، وحسيت بيها باردة بحالا حاطها فوق الثلج، قلت ليه أنني نقدر نديه معايا باش نوصلو إيلا كان غادي لشي بلاصة في الطريق، بقى ساكت ماجاوبنيش.
تميت راجع للشاحنة باش نمشي فحالي، خطيت 5 ديال الخطوات بالحساب، وقلت مع راسي ماخشاي غادي يحتاج لشي حاجة، درت يدي في جيبي جبدت شي بركة ديال الفلوس، ودرت باغي نرجع نعطيها ليها، وهنا كانت الصدمة.
فاش تلفت مالقيت حتى حد. حسيت برجلي بداو كايرقدو عليا، مستحيل شي حد يغبر بهاذ السرعة وفهاذ المكان بالذات. مابقيتش باغي نبقى فهاذ البلاصة، درت غير بشوية وتميت راجع للشاحنة، غادي كانتمشى وكانحس بحالا الأرض كادور من تحت رجلي، بصعوبة كبيرة طلعت في الدروج ديال الشاحنة، سديت عليا الباب وأنا نديماري فحالي.
الطريق كاملة وأنا كانفكر فهاذشي اللي وقع ليا ثاني، حتى فاش كانوقف في المحطات ديال الإستراحة باش ننعس، ماكيجينيش النعاس. على الأقل كون كان معايا السالمي ماغاديش نخاف كيما دابا. وصلت للمركز الحدودي ديال "الكركرات" وكالعادة كاين الزحام، قررت أنني نتصل بالسالمي نسول فيه كيف بقا، وفي نفس الوقت نقوليه أنني تلاقيت مع السي ادريس في الطريق. وهنا كانت الصدمة الثانية، فاش قاليا السالمي أن ادريس مات هاذي 4 سنين في حادثة سير، وفاش سولتو فين بالضبط وقع هاذشي، جاوبني وقاليا قبل الدخلة ديال طرفاية، أي في نفس المكان اللي شفتو فيه، وتأكدت فذيك اللحظة فعلا أن هاذ الطريق ملعونة.
الطريق ديال المشي كاتختلف كليا على الطريق ديال الرجوع. في المشي كاتكون محصور بالوقت ولازم توصل السلعة لماليها في الوقت المحدد، أما في الرجوع كاتكون غادي على راحتك، واخا مابقات راحة فهاذ الطريق.
وصلت بالعشية لموريتانيا، خويت السلعة اللي كنت هاز، وقررت نمشي لشي "أوتيل" نضربها بشي نعسة فاعلة، حيث النعاس في الشاحنة هلكني هاذ المرة أكثر من القياس.
جميع الغرف اللي في "الأوتيل" كانوا عامرين ذيك الليلة، بقات غير غرفة واحدة بالدوش هي اللي خاوية، قلت مع راسي مزيان نيت نضربها بشي تدويشة قبل مانمشي ننعس، وقررت باش ناخذها.
فاش دخلت للغرفة وبسبب العياء مشيت مباشرة تلاحيت فوق السرير وحاولت ننعس، لكن النعاس طار بسبب كاع ذاكشي اللي وقع ليا في الطريق، وبقيت غير كانفكر ونعاود، ونهضر مع راسي، واش أنا مريض وبديت كانتوهم شي حوايج ماكاينينش؟ واقيلا. خصوصا أن في جميع ذوك المرات فاش كانتعرض لذوك المواقف كانكون غير بوحدي، أما فاش تايكون معايا السالمي ماكيوقع والو. ولكن السلسلة ديال الحديد اللي لقى السالمي في الشاحنة، ونشوف السي ادريس في نفس المكان اللي توفى فيه، فهاذشي مستحيل يكون أوهام أو حتى مجرد صدفة.
من كثرة التفكير وبلا مانشعر داني النعاس. ولكن ذيك الليلة دازت طويلة، جاني فيها بوغطاط في الحلم، وفاش كان كايقجتني كنت كانحس بذاكشي فعلا بحالا بصح. فقت كولي مخسر وعظامي كاملهوم كايضروني بحالا شي حد كان كايعطيني العصا. أما فاش شفت وجهي في المرايا لقيت رقبتي كاملها حمراء. أربي مولاي أش هاذشي ولا كايوقع ليا.
قررت نشد الطريق ذيك الساعة ونرجع فحالي للمغرب، وأنا غير كانفكر كيفاش غادي ندوز هاذ الطريق بوحدي، الصراحة الغلطة ديالي، ماكانش عليا نسافر بوحدي لأي سبب من الأسباب. غادي كانسوق وكانتسنى غير في الأسوأ، وأي شخص أو حاجة كانشوفها أو كانصادفها في الطريق كانبقى نشوف فيها شحال باش نتأكد فعلا واش حقيقية أو لا.
فاش قربت من ذيك الصخرة اللي شفت فيها السي ادريس، قررت أنني مانشوفش في الجيهة ديالها نهائيا، لأنني مابقيتش قادر نستحمل شي مفاجأت أخرى، وذاكشي فعلا اللي درت، فاش وصلت لذيك البلاصة اللي تايقولو ليها "اخنيفيس"، حاولت نحافظ على الهدوء ديالي ودزت، ولكن غير فتها بشي كيلومترات قليلة وبالضبط قبل من واحد المدينة سميتها "الوطية"، وأنا نشوف جوج عينين في وسط الطريق كايضويو بحال شي بولات وسط الطريق، وذيك الساعة عرفت أن الإثارة والخلعة ديال بصح يالاه غادي تبدا.
فاش شفت ذوك العينين أول حاجة خطرت ليا على بالي هي هاذيك البغلة مولات السلسلة، وتلفت ماعرفت ماندير. واش نحبس الفران ولا نكمل، فذيك اللحظة وبلا مانشعر دخلت في "البيست" اللي في جنب الطريق.
الشاحنة تزعزعات واحد التعزيعة حتى حسيت بيها بحالا غادي تقلب، خصوصا مع السرعة اللي كنت غادي بيها، لكن رجعت سيطرت عليها وكملت طريقي وسط "البيست" ولكن هاذ المرة نحو المجهول.
هاذي 10 ديال الدقايق وأنا غادي وسط الخلاء، ماعرفتش هاذ الطريق فين كاتودي، ماكاين لا ضوء، لا بنادم ولا حتى حيوان. المهم كان بالنسبة ليا هي نبعد من ذيك الطريق الملعونة، ولكن الحاجة اللي ماعرفتش ذيك الساعة هي أنني اتخذت القرار الخاطئ، وأن الأسوء مازال باقي مابدا.
فجأة أضواء الشاحنة كاملها طفات حتى مابقاتش كاتبان ليا الطريق، وراها بشي ثواني قليلة سكتت الشاحنة حتى هي. يا ربي مولاي أش هاذشي ثاني؟ فبحال هاذ المواقف بندام كايفقد التركيز ديالو، وأول حاجة كاتخطر ليه على بالو كاينفذها بلا مايفكر واش صحيحة ولا خاطئة.
صمت رهيب وظلام دامس، حتى حاجة ماكاتسمع من غير الدقات ديال قلبي اللي حسيت بيه بحالا باغي يخرج من بلاصتو. جاب ليا الله داير بحال شي واحد حاطينو فشي قفص ديال السباع وماعارف مايقدم ولا يوخر، وجالس كايتسنى في المصير ديالو. وفي وسط هاذ اللحظات العصيبة، سمعت شي حاجة كاتقرب من بعيد، مصدر ذاك الصوت غادي وكايزيد يقرب، عرفتو أش من صوت؟ أه هذا صوت السلسلة مجرورة مع الأرض.
حاولت نخدم الشاحنة ويدي كايترعدو، ولكن حلفت لا تخدم، ذاك الصوت قرب ليا بزاف حتى شعرت أن مابقى بيني وبينو غير شي أمتار قليلة. واش نزل ونهرب، واش نبقى في الشاحنة، ساد صمت رهيب، وبديت كانتسنى الأسوء. وفي لحظة وبدون سابق إنذار سمعت صوت قوي ضرب زجاج النافذة ديال الشاحنة، وطار عليا الزجاج على وجهي، شفت في الجيهة ديال النافذة بانو ليا حوافر بيضين. أناري ميمتي هاذي البغلة.
هزيت "البيل" بالزربة ونقزت من الباب اللي على اليمين، فاش رجلي لمست الأرض حسيت بيها بحالا تفدعات، ماقدرتش نجري بيها مازال، ولكن فذوك اللحظات الألم هو أخر حاجة كايفكر فيها الواحد. ضربت الضوء ديال البيل في الجيهة اللي من ورايا، وشفتها بعيني وتأكدت. أه هاذي البغلة تابعاني من اللور.
فين غادي أسي، أجي غير نسولك.
شنو؟!!! بغلة كاتدوي؟!!! تخيلت راسي بحالا ناعس وهاذشي كاملو اللي كايوقع ليا غير حلم مزعج وصافي، حاولت نفيق راسي ولكن للأسف، هذا ماشي حلم وإنما واقع، وخاصني نواجهو بأي وسيلة.
ـ أنا معاك بالله وبالشرع بعدي مني
ـ واغير أجي نسولك أسيدي سؤال واحد وسير فحالك.
فذوك اللحظات تفكرت كلام الحاج "السي مبارك" فاش هضر ليا على البغلة، وأنها إيلا تمكنت من الواحد، يا إما كاتخطفو وكاتديه المقبرة كاتدفنو حي، ولا كاتقطعو أطراف وكاتاكلو. مابغيتش يكون هذا هو المصير ديالي. بززت على راسي وبقيت كانجري وسط الظلام، حتى طحت وشعرت براسي أنني مابقى عندي جهد نجري مازال، ضويت بالبيل وهي تبان ليا واحد الشجرة. قلت مع راسي أن البغلة ماتقدرش تطلع مع الشجرة، وقررت أنني نطلع معاها.
مادازش بزاف ديال الوقت وهي تبان ليا جايا، والسلسلة مربوطة في رجليها، تماما بحال الوصف اللي كان ليا فبالي، فذيك اللحظة بديت كانقرا في القرآن، ماعقلتش أش من سورة بالضبط كنت كانقرا، وواش فعلا هاذاك كان قرآن ولا لا...
ـ هاهاها، واتا واخا تبقى تقرا حتال الصباح، ذاكشي اللي كايتسناك هو اللي غادي يكون.
ـ بسم الله الرحمن الرحيم، أش بغيتي مني...بسم الله الرحمن الرحيم.
ـ ماقلتيش ليا أسيدي، واش بغيتي تركب عليا، ولا نركب عليك أنا؟
ـ أناري، القضية ولات فيها الركوب. أنا معاك بالله وبالشرع، مانركب عليك ماتركبي عليا بعدي مني.
مابقاتش عاودات معايا الهضرة، بانت ليا البغلة دارت وعطاتني بالظهر ومشات فحالها. ولكن قلت مع راسي هي غير كاتسناني ننزل من فوق الشجرة باش تفرسني. مادازش بزاف ديال الوقت حتى رجعت ثاني كاتجري، وضربت براسها الشجرة واحد الضربة حتى تزعزعات كاملة، وبقليل من الحظ كنت غادي نطيح، ولكن تشبت بالأغصان ديال الشجرة مزيان، لأنني عرفت أنها أخر أمل بقى عندي.
البغلة مابغاتش تعيا، كاتضرب وتعاود تضرب، تقول واش ذاك الراس ديال الحديد، وفكل ضربة كانحس بذيك الشجرة بغات تهرس.
شوية وبدون مقدمات، سمعت صوت آذان الفجر من بعيد. الله صوت شحال زوين وفاش كايسمعو الواحد كايشعر بالراحة، فذيك اللحظة سبحان الله مشى كل ذاك الخوف، وسلمت أمري لله، وقلت اللي بغات توقع دابا غير توقع. زاد الإطمئنان ديالي لأن هاذشي كايعني أن كاين شي تجمع سكاني قريب، واللي زاد اطمني أكثر فاش بانو ليا خيوط الصباح الأولى في السماء، لأن الحاج مبارك وعلى حساب ما كان حكى، أن هاذ البغلة كاتهرب فاش كايبدا يطلع النهار، وفعلا ذاكشي اللي كان، باقي كاع ما كمل المؤذن قولة "الله أكبر" حتى شفت ذيك البغلة قفزت بحالا ضربها شي حد، وهي تبدا تجري حتى غبرت.
أنا واخا هاكاك ماتقتش، وبقيت معلق فذيك الشجرة حتى طلع النهار عاد هبطت. نزلت مهلوك مابقا فيا جهد، مشيت مباشرة للشاحنة ديالي، اللي غير دورت فيها الساروت وهو تخدم، وشديت الطريق وماعقلتش على راسي حتى كنت في الدار.
كانت هاذيك أخر رحلة ليا للصحراء وفي المسيرة المهنية ديالي كاملة، غير الحمق هو اللي غادي يعاود يرجع لتما. دوز السالمي البيرمي ديال "الرموك" وولا هو اللي خدام عليها، أما أنا قررت نبقى نقابل غير معيزاتي ونرتاح، ومرة مرة كنت كانسافر لإيطاليا كانشوف وليداتي اللي باقين خدامين تما.
قررت نحتفظ بهاذ السر ليا بوحدي، لأنني إيلا عاودتو لشي حد غادي يقول هذا مسكين غير شرف وبدا يخرف.
كاع هاذشي اللي داز عليا فهاذ التجربة الصعيبة مامفهومش، وكاملو غموض وأسرار. السر يقدر يستمر للأبد، والنصيحة اللي نقدر نقدمها: فاش تكونو مسافرين في الليل تلفتو وراكوم، يقدر بغلة القبور مولات السلسلة تابعاكوم.
النهاية