وشاهدت فينوس من عليائها الطفل أدونيس ، وسحرت بجماله ، واحبت أن تشرف هي بنفسها على تربيته ،
فهبطت بمركبتها الطائرة على أجنحة حمائم بيضاء ، وأخذت أدونيس من عرائس الماء ، ووضعته في صندوق أحكمت أقفاله ،
وسلمته إلى شقيقتها برسيفون ، إلهة الجحيم ، بعدما أخذت منها وعداً بألا تفتحه ، وأن تعيده إليها ساعة تطلبه منها ثم عادت طائرة من حيث أتت .
بعد ذهاب فينوس ، لعبت الوساوس في نفس برسيفون بشأن الصندوق ، ودفعها حب الاستطلاع إلى فتحه . ورأت ذاك الطفل بوجهه المنير ،
فافتتنت به ، وصممت أن تحتفظ به لنفسها . وعندما جائت فينوس لتستعيده منها ، رفضت إعطائها إياه رفضاً قاطعاً .
فذهبت فينوس وشكت الأمر إلى زفس ، سيد الإلهة ، فقضى بأن يتقاسما تربية الطفل . فيكون ستة أشهر لبرسيفون وستة أشهر لفينوس . وهكذا نشأ أدونيس برعاية الإلهتين الشقيقتين حتى بلغ سن الرشد ، فتحرر من وصايتهما وأصبح طليقاً حراً . وراح يتجول في الغابات يطلق السهام على الوحوش ، ويجد متعة كبرى في ملاحقتها وصيدها .
واتفق مرة ، وهو يصطاد في جبال لبنان ، أن مر أمام مغارة أفقا ، فشاهدته الإلهة عشتروت التي كانت تغتسل تحت شلال هذه المغارة ،
فسحرت بجماله وتعلقت به . أما هو فلم يأبه لها ، وتابع طريقه ساعياً وراء صيد مثير .
وتعلقت عشتروت بأذياله فنسيت موطنها ولحقت به أينما حل ، في الغابات والجبال والأودية ، دون تعب أو ملل ، وراحت تحدثه عن إعجابها به وحبها له ، وهو مندفع وراء الصيد لا يهتم لما تقول . وعندما رأت فيه هذا الولع بالصيد ، قررت أن تعاونه في هوايته ، علها بهذه الطريقة تكسب وده ، وصارت تقود كلابه وتسد على الطرائد السبل ، فيصطادها أدونيس دونما خطر . وكانت تخشى عليه من السباع الضاربة ، فتنصحه قائلة :"لا تتردد أمام كل ما يفر أمامك من طرائد ، كالأرانب والغزلان والبط ، لكن حذار الحيوانات المفترسة من أسود ونمور وخنازير برية ، فهي خطر عليك ، وإياك يا حبيبي أن تصارعها" .
أوصت عشتروت أدونيس وصيتها واعتلت مركبتها التي تجرها طيور البجع ،
وانطلقت في الفضاء نحو قبرص لقاء أمر عاجل . وكان أدونيس شجاعاً مغواراً ، فلم يكترث لتحذيرات عشتروت .
وأطلق كلابه نحو الغابة وراح يجري وراءها ، فاكتشفت آثار خنزير بري وتتبعتها حتى وصلت إلى مرقده ، فأيقظته وأهاجته بنباحها المتواصل .
واندفع الخنزير من مخبئه يسعى إلى الخروج من الغابة ، فشاهده أدونيس وعاجله بسهم جرحه جرحاً طفيفاً فجن جنونه، وانقض عليه ، وحاول أدونيس الهرب منه ، لكن الخنزير الهائج أدركه وطعنه بنابيه في جنبه طعنة اوقعته أرضاً والدم يسيل منه .
ولم تكن بعد عشتروت قد بعدت كثيراً ، فسمعت أنين أدونيس ، والتفتت نحوه ورأته مضرجاً بدمائه ، فعادت مسرعة إليه وعانقته بحرارة وحنان . وأسلم الروح بين يديها ، فراحت تلطم وجهها وتندب حظها ، ثم خاطبته قائلة :
"تموت يا حبيباً رغبت فيه ، ورغبتي تبخرت كحلم . معك ذهبت لؤلؤة جمالي ، لكن علي أن أعيش ، أنا الخالدة ، ولا يمكنني أن أتبعك . مرة أخرى قبلني ، قبلني قبلة طويلة حتى أرتشف روحك بين شفتي ، وأرتوي من حبك" .
قالت هذا ، وأخذت من دمه قطرات سكبتها على الوادي ، فتولدت منها زهرات شقائق النعمان ،
ووقع بعضها في النهر ، فتحولت مياهه إلى أرجوانية حمراء . ثم غطت جسده الجميل بورق الخس والخبازي ، ودفنته . بعد ذلك نهضت وهامت على وجهها ، ومشت دون وعي فوق الورود والأشواك ، وسال الدم من قدميها ، وتشربت منه الأزهار البيضاء ، فاصطبغت بلونه وأصبحت حمراء .