نشاهد دوماً الفنانين وهم يحاولون طرح مختلف أنواع القضايا التي يؤمنون بها بطرقٍ غريبة، ولكنّ فناناً يابانياً يُدعى (ماو سوغي ياما) تخطّى جميع الحدود وخرج بفكرةٍ قد يجدها معظمنا صادمةً، هذا المصوّر والفنان الاستعراضي المعروف فنياً باسم Ham Cybele هو شخصٍ لاجنسي قرر الخضوع إلى عملية طمس الهوية الجندرية Gender Nullification واستأصل قضيبه في عام 2012، وبعد إتمام العملية قرر الاستفادة من عضوه المقطوع لنشر الوعي بشأن اللاجنسية بشكلٍ أكبر.
في البداية كان (سوغي ياما) يخطط لطهي عضوه التناسلي وتناوله ولكنّه غير رأيه لاحقاً وقرر بدلاً عن ذلك أن يعرض هذه الوجبة للبيع، فنشر تغريدةً على صفحته الشخصية في تويتر يقول فيها: ”أرجو أن تقوموا بنشر التغريدة، أنا أعرض تقديم عضوي الذكري (القضيب كاملا والخصيتين وكيس الصفن) كوجبة عشاءٍ مقابل مبلغ 100 ألف ين (ما يساوي تقريباً 1250 دولار)، أنا يابانيٌ وتمت إزالة أعضائي عندما كنت في الثانية والعشرين من عمري، كما أنني قمت بإجراء التحاليل للتأكد من خلوّي من الأمراض التناسلية وأعضائي كانت تعمل بشكلٍ طبيعي قبل إزالتها وكنت أتلقى علاجاً بالهرمونات النسائية. يبلغ طول القضيب 16.1 سنتيمتراً عند الانتصاب الكامل وسأقدّم الوجبة لأوّل شخصٍ مهتمٍ بالأمر، كما قد أقوم بالبيع لمجموعةٍ من الأشخاص. سأقوم بتحضير الوجبة وفقاً لرغبات المشتري وفي المكان الذي يختاره، وإن كانت لديكم أية استفسارات يمكنكم التواصل معي على رسائل حسابي الشخصي أو على البريد الإلكتروني“.
!@!
انتشرت تغريدته الغريبة هذه على الإنترنت كالنار في الهشيم وأكسبته شهرةً كبيرةً مما دفعه إلى تحويل هذا العشاء إلى حدثٍ علنيٍ يمكن للجميع حضوره، واختار Asagaya Loft A مكاناً لإقامة الحدث وأطلق عليه اسم Ham Cybele Century Banquet، ذلك أن كلمة Century في اللغة اليابانية تقابل مصطلح ”عضوٍ تناسليٍ“، وهو أمرٌ منطقي نظراً إلى طبيعة الوجبة التي سيقوم بتقديمها.
التحضير للمأدبة:
بدأ تحضير مكوّنات الوجبة قبل المأدبة بيومٍ، فقام (سوغي ياما) بنشر صورةٍ لعضوه التناسلي وعلّق عليها قائلاً ”لقد بدأت بإذابة الجليد عنه“، وباعتبار أنّ هذه الوجبة لم تكن ستقدّم لكافة الحضور فكان من الضروري تحضير أطباقٍ أخرى، فكان هناك أطباقٌ من لحم التمساح أو البقر بالإضافة إلى وجباتٍ إضافية يمكن للحضور شراؤها تتضمنّ الأرز والمقرمشات بالجبنة وغيرها.
الأفراد المختارون لتناول الطبق:
تمّ اختيار 6 أشخاصٍ لتناول الطبق الخاص، كان أوّلهم رجلاً في عمر الثانية والثلاثين يعمل كرسامٍ للمانغا قال أنّه قرر شراء الطبق بهدف الأبحاث العلمية، واثنين من رجال الأعمالٍ قدما بدافع الفضول، وشابةٌ بعمر الثانية والعشرين جاءت لأنّها كانت تتساءل عن الإحساس الذي قد ينتابها نتيجة الخضوع للتجربة، ومخطط حفلاتٍ يُدعى (شيغينوبو) الذي كان قد غرّد سابقاً: ”إنّها فرصةٌ تتاح لك مرةً في العمر لذا قررت أن أعيشها دون ترددٍ“، أما الشخص السادس فلم يظهر في الحدث لسبب ما على الرغم من أنّه كان قد دفع مثل البقية مبلغ 250 دولارٍ ثمناً لطبقه.
شيغينوبو) الذي كان على ما يبدو أكثر المشاركين حماساً للفكرة قام في اليوم التالي للحدث بنشرِ مقالٍ تفصيليٍ في مدوّنته يصف فيه الحدث متضمّناً 20 صورةً للوجبة والحدث، وتفاخر في صفحته الشخصية على تويتر أنّ مدونته شهدت عدد زياراتٍ يفوق عدد الزيارات التي حصدها سابقاً بعد أن نُشرت مدوّنته على التلفاز الياباني، إلا أنّه في التاسع عشر من شهر مايو قام فجأةً بحذف مقاله ونشر بدلاً منه منشوراً يقول فيه أنّ الحذف كان متعلّقاً بأمور الخصوصية.
تناول الوجبة على مسؤوليتك الخاصة:
كان على المشاركين الخمسة أن يوّقعوا قبل الحصول على الوجبة على ورقةٍ تخلي (سوغي ياما) واللجنة المنظّمة للحدث من أيّ آثارٍ لاحقةٍ قد تنجم عن تناولهم للطبق، حيث أنه بالرغم أن (سوغي ياما) كان قد سبق وأكّد أنّه خضع لفحوصاتٍ تُثبت خلوّه من الأمراض التناسلية في تغريدته؛ اعترف قبل الحدث أنّه كان قد شارك في حفلٍ جنسيٍ قبل ذلك، وذلك حتى يكون متأكداً بشكلٍ قاطعٍ أنّه لن يندم لاحقاً عليها، وقال أنّه لم يكن قد بدأ بأخذ الهرمونات النسائية قبل قيامه بالعملية.
بداية الحدث:
قدم لحضور الحدث بالإضافة إلى المشاركين ما يقارب 70 شخصاً كان معظمهم شباباً في العشرينات من عمرهم، وبدأ الحدث بمقطوعةٍ موسيقيةٍ عُزفت على البيانو تلتها مقابلةٌ مع الفنان الياباني الذي ظهر مرتدياً زيّ الطاهيٍ، باعتبار أنّه كان الشخص الذي سيقوم بالطهي تحت إشراف شخصٍ مختصٍ بالطبع.
وخلال المقابلة أخبر (سوغي ياما) جمهوره المتحمّس أنّه سيقوم بمشاركة الوصفة التي استخدمها لطهي عضوه التناسلي مع موقع وصفات الطعام الياباني Cookpad.
هل كانت الوجبة لذيذة؟
وفقاً للمقال المحذوف الذي نشره (شيغينوبو) في مدوّنته، فإنّ نسيج القضيب كان قاسياً لدرجة أنّه كاد يثني الشوكة التي استخدمها لتناوله، وأنّه بصقه بعد أن مضغه قليلاً في فمه، كما أنّه كان عديم الطعم والنكهة الوحيدة التي أحسّ بها جاءت من النبيذ الأحمر الذي نُقع به قبل الطهي، وبشكلٍ مفاجئٍ كان كيس الخصيتين ذا قوامٍ مطاطيٍ وأكثر قساوةً من القضيب نفسه ولم يكن له أيّ طعمٍ أبداً، أما الخصيتان فقد كانتا قاسيتين من الخارج فقط أما القسم الداخلي فقد كان طرياً ولزجاً وذا طعمٍ غريب، ومن الجدير بالذكر أنّ أحد أصدقاء (شيغينوبو) الذي كان حاضراً في الحدث طلب منه أن يدعه يتذوّق قطعةً من القضيب إلا أنّه سرعان ما ندم على الأمر وقال أنّه فقد حسّه بالمنطق أثناء وجوده في المأدبة.
التداعيات القانونية للمأدبة بعد انتشار الخبر في اليابان:
بعد انتهاء الحدث بفترةٍ قصيرةٍ صرّح متحدّثٍ باسم الشرطة اليابانية في (سوغينامي) أن الشرطة تلقّت العديد من الاستفسارات والشكاوي من المواطنين، ولكنّها لم تتدخل لأنّ الموضوع يمكن اعتباره ”أكل لحومٍ بشريةٍ“، وهو أمرٌ لا يُعتبر غير قانونيٍ في اليابان، ولكنّه بالرغم من ذلك قال أنّهم سيتوجّهون إلى الأشخاص المسؤولين في Asagaya Loft A والاستفسار عمّا كان يجري وعن السبب الذي دفعهم لاستضافة حدثٍ كهذا.
في بداية شهر يونيو اكتشفت وكالات الإعلام اليابانية هذه القصة وقامت صحيفةٌ شعبيةٌ تُدعى Zakzak بنشر مقالٍ تقول فيه أنّه على ضوء التوصيات التي قدّمتها الشرطة فإنّ مفتشي الصحة قاموا بالتحقيق في الأمر، وتفقّدوا المكان الذي حصل فيه الحدث وتبيّن أنّ المكان على الرغم من كونه مخصصاً لإحياء الحفلات الفنية فإنّه يمتلك رخصةً لتقديم الطعام، وأنّ المسؤولين عن المكان قالوا أنّ الصالة حُجزت من أجل حدثٍ خاصٍ ليس متاحاً للعامة وأنّهم لم يستخدموا أياً من معدات المطبخ أو الأواني الخاصة بمطبخهم في هذا الحدث، وبناءً على ذلك أصدر مفتشو الصحة إنذاراً بحقّهم ومنعوهم من القيام بأيّ أنشطةٍ غذائيةٍ خارج المطبخ في المستقبل، كما أنّ الصحيفة تحدّثت إلى النائب العام السابق Masaru Wakasa الذي قال أنّ هذا الحدث ربما خالف قوانين الحياء إن كانت الأعضاء الجنسية قد ظهرت بشكلٍ واضحٍ أمام الحضور.
في اليوم ذاته نشرت وكالة Kyodo News الإعلامية مقالاً قالت فيه أنّ السلطات صرّحت أنّها لا تسمح بتنظيم أحداثٍ كهذه وأنّها تتشاور مع الشرطة للبحث في الأمر. في اليوم التالي قامت الصحيفة رقم 2 في اليابان Asahi Shinbun بنشر مقالٍ يقول أنّ العمدة صرّح بأنّ أحداثاً مثل هذه تبعث على الأسى، وفي ذلك اليوم حققت الشرطة مع (سوغي ياما) وهو ما جعله متوتراً للغاية كما كان واضحاً من حسابه على تويتر.
التوضيح من (سوغي ياما):
في اليوم الخامس من شهر يونيو نشرت صحيفة Zakzak مقالاً بعد أن استلمت رسالةً الكترونيةً من (سوغي ياما) أخبرها فيها أنّها كان يخطط لهذا الحدث لمدة سنتين وأنّه يعتبره عملاً فنياً، كما أخبرها أنّه أدرك عدم حاجته لأعضائه التناسلية لتحقيق طموحاته في الحياة، وأضاف قائلاً أنّه قام بتجربة الوصفة مستخدماً أعضاءً تناسليةً لعدة ثيرانٍ وخنازير، كما درّب نفسه على تناول الأعضاء التناسلية من خلال تناول الكثير من (الموز) مستخدماً شوكةً وسكيناً.
وأخيراً قال (سوغي ياما) أنّه لم يجرِ أيّ مقابلاتٍ مع وسائل الإعلام المحلية باستثناء هذه الرسالة الالكترونية ولكنّه ذكر شيئاً حول تعرضه لعقوبة دفع غرامة بقيمة 100 ألف ين.
المتابعة القضائية:
نتيجةً للغضب الذي انتاب عمدة المدينة بسبب هذه الحادثة قامت الشرطة اليابانية أخيراً بالتحرك وملاحقة (سوغي ياما) واتهمته بالإضافة إلى ثلاثة أشخاصٍ آخرين من المسؤولين عن الحدث بإظهار عضوٍ تناسليٍ في مكانٍ عام، وذلك لأنّه عرض عضوه التناسلي دون أن يشفع له كون هذا العضو مقطوعاً عن جسده ومنقوعاً في النبيذ الأحمر، وقال (سوغي ياما) في تغريدةٍ له: ”هناك محققٌ جديد يحقق في الأمر، وهو لا يعمل لصالح السلطات المسؤولة عن سلامة الغذاء التي قام بعض المواطنين بالتواصل معها بعد أن قرأوا الخبر في بعض الصحف، بل يركّز اهتمامه على التحقيق معي لاشتباهه أنني قمت بعرض موادٍ خادشةٍ للحياء، كما يقوم بالضغط عليّ للاعتراف بخرقي لقوانين الحياء.
إن كان هذا المحقق يعتقد أنّ عمله هو مجرّد توسيعٍ لصلاحيات الشرطة وينظر إلى ملابسات قضيتي كوقائع عارية متجاهلاً السياق الذي حدثت فيه، وإن كان كلّ ما يرغب فيه هو الحصول على اعترافي ليستخدمه المدّعي العام ضدي دون طلب أيّ توضيح، فيبدو أنّ عليّ أن أوكّل محامياً لأحمي نفسي ولأوضّح الحقيقة الكاملة وراء هذا الموقف بما أنّ الشرطة تتصرف بشكلٍ مشابهٍ لوسائل الإعلام الخبيثة“.
بعد فشل الشرطة في جعله يوقّع على الاعتراف قامت في الثامن عشر من شهر سبتمبر برفع نتيجة التحقيق إلى المدّعي العام وواجه المتهمون اتهاماتٍ بكشف الأعضاء التناسلية في الأماكن العامة، وهو ما كان من الممكن أن يتسبب لهم بالسجن لمدةٍ تصل إلى عامين بالإضافة إلى غراماتٍ مالية، ولكن بعد مرور شهرين خفّت حدّة الأمور وانشغل العمدة بأمورٍ أخرى -وهو ما كان من حسن حظّهم حيث أنّ المحاكم اليابانية تشتهر بنسب إدانةٍ مرتفعة- وفي شهر فبراير من عام 2013 أُسقطت التهم وارتاح بال (سوغي ياما) أخيراً.
في النهاية يجب أن أنوّه لأمرٍ جانبيٍ وهو أنّ المقالات المكتوبة باللغة الإنكليزية عن (سوغي ياما) تشير إليه باستخدام الضمير They بدلاً من He وذلك لأنّه اختار هذا الضمير بعد أن قام بعملية طمس الهوية الجندرية وأصبح لا يُصنّف نفسه كذكرٍ أو أنثى.