ذكر التاريخ العديد من الحيل التي لجأ إليها الأذكياء من الحكام والقضاة في عصور مختلفة ، ولعلّ من أبرز القصص الطريفة التي وردت في “كتاب الأذكياء” لمؤلفه أبي الفرج الجوزي قصة القاضي أبو الحسين بن عتبة وحيلته التي لجأ إليها بعد أن تزوج امرأة أخرى على زوجته الأولى كي يؤكد للأولى أنه لم يتزوج عليها ، وبذلك يعيش حياته في هدوء وكما يرغب .
القاضي وزوجته : تحدث القاضي أبو الحسين بن عتبة عن زواجه الأول من ابنة عمه التي كانت موسرة ، حيث أنه تزوجها ليستعين بمالها حيث قال :”كنت أستعين بمالها وأتزوج سراً ، فإذا فطنت بذلك هجرتني وطرحتني وضيقّت عليّ إلى أن أُطلقّ من تزوجتها ، ثم تعود إلىّ ، فطال ذلك عليّ ، وتزوجتُ صبية حسناء موافقة لطباعي مساعدة على اختياري ، فمكثت معي مدة يسيرة وسعي بها إلى ابنة عمي ، فأخذت في المناكدة والتضييق عليّ ، فلم يسهل عليّ فراق تلك الصبية”.
طلب أبو الحسن من زوجته الثانية أن تستعير من كل جارة قطعة من أفخر ما تملك من ثياب ، وذلك حتي يكتمل معها خلعة تامة الجمال ، ثم طلب بعد ذلك أن تتبخر بالعنبر ثم تذهب إلى ابنة عمه وهي زوجته الأولى ، كي تبكي بين يديها وتتضرع إليها قائلة لها أن ابن عمها قد تزوجها وفي كل وقت يقوم بالزواج من أخرى وينفق ماله عليها ، ثم تطلب منها أن تسأل القاضي عن قضيتها لينصفها .
حيلة القاضي الذكية : وحينما فعلت الزوجة الثانية ما طلبه منها القاضي ، قالت الزوجة الأولى لها بعد أن سمعت شكواها :”فالقاضي شر من زوجك ، وهكذا يفعل بي” ، ثم قامت باصطحاب تلك الزوجة الشاكية إلى مجلس زوجها القاضي قائلة له :”هذه المشؤومة حالها مثل حالي ، فاسمع مقالها واعتمد إنصافها”.
قال القاضي بعد أن أذن لزوجتيه بالدخول متوجها إلى الزوجة الشاكية :”ما شأنك؟” ، فقصّت ما حفظته منه قبل ذلك ، فقال لها :” هل اعترف ابن عمك بأنه قد تزوج عليك؟” ، فأجابته :”لا والله ؛ وكيف يعترف بما يعلم أني لا أقاره عليه ” ، فسأله القاضي :” فشاهدت أنت هذه المرأة وقفت على مكانها وصورتها؟” ، فأجابت الزوجة :”لا والله”.
فقال القاضي بعد سماع جوابها المعلوم بالنسبة له :”يا هذه اتقي الله ولا تقبلي شيئاً سمعته ، فإن الحساد كثير والطلاب لإفساد النساء كثير ، والخيل والتكذيب ، فهذه زوجتي قد ذُكر لها أني تزوجت عليها ، وكل زوجة لي وراء هذا الباب طالق ثلاثاً” ، بعد أن قال ذلك قامت ابنة عمه وزوجته الأولى فقبلّت رأسه قائلة :”قد علمت أنه مكذوب عليك أيها القاضي “.
وهكذا استخدم القاضي أبو الحسين بن عتبة ذكائه في تخليص نفسه من مشكلة كبيرة أمام زوجته الأولى ، ليؤكد لها أنه لم يتزوج عليها ، فقام بذكر لفظ يحقق الطلاق لأي زوجة خارج غرفته ، غير أن زوجتيه كانتا معه دون أن تعلم الأولى بذلك ، فنجا بمكره من الحياة الكئيبة التي يعيشها نتيجة زواجه الثاني ، واستطاع كذلك أن يعيش حياته كما رغبها .