لا يصدق البعض منا الفارق بين الواقع والخيال ، سوى بتجربة عميقة تثبت له ذلك ، خاصة تلك التجارب التي يمر بها البعض منا مع العالم الآخر ، أو كما نطلق عليه عالم الجان والمردة ، وللفتاة رؤى قصة مرعبة معهم . تروي رؤى أنا فتاة عشرينية ، أعيش بمنزل أهلي برفقة والداي وشقيقاتي الأربع ، لا أدرى متى بدأت قصتي مع عالم الجان ، ولكن كل ما أعرفه هو أنهم قد اختاروني للعبث معي ، وتكدير حياتي . لا أذكر متى بدأت الاحتكاك بهم ، ولكن كل ما أذكره هو أنني منذ طفولتي وأنا أرى ظلالاً سوداء ، أجسادًا مموهة لا ملامح لها ، تسير أمامي ولا تختفي عندما أنظر إليها ، بل تظل على ثباتها وظهورها . كنت أسأل شقيقاتي إن كن قد رأين تلك الأجساد أيضًا ، ولكن كانت الإجابة دائمًا هي السخرية ، ولكن بمرور الوقت قلت رؤيتي لهم ، وأخذوا في التلاشي مع مرور الوقت ، وفي أحد كنت أجلس بالمنزل وحدي ، أرتبه وأغسل الصحون في غرفة الطهي . وفجأة سمعت أحدهم يصرخ باسمي ، خرجت لأنظر من يناديني ولكني أثناء تحركي ، تذكرت أنني وحدي بالمنزل! فمن ياترى صرخ باسمي ، بهذا الصوت المرتفع ، وتكررت تلك الأصوات التي تنادي باسمي كثيرًا ، ولكني خشيت أن أروي لأحد حتى لا أتعرض للسخرية مرة أخرى . انتهت تلك المرحلة الغريبة ، لتبدأ أخرى جديدة ملخصها أنني صرت أرى تلك الأجساد ، والمخلوقات الغريبة في نومي ، بدؤوا يزورونني يوميًا لدرجة أرعبتني ، فكنت أراهم أمامي وعندما أحاول أن أقرأ ما تيسر من القرآن ، لا أستطيع وأظل مثبتة مكاني ، وكأني أحمل حملاً ثقيلاً كالصخر فوق ظهري ، ثم أستيقظ من الحلم . في المرة الثانية كنت أحلم أن هناك شيخ ما يرقيني ، وشعرت بأنني أقبع أمامه ساكنه ، ولكن بداخلي شخص ما يتخبط يمينًا ويسارًا ، وكنت أوبخ الشيخ طوال الوقت ، ولكني عندما أردت الاستيقاظ لم أستطيع تحريك جسدي ، وبالقليل من الجهد تمكنت من ذلك بعد عناء . انتقلت بعدها لمرحلة جديدة ، عانيت خلالها من ضغط الجاثوم ، ولمن لا يعرفه هي حالة من التصلب ، تحدث أثناء النوم ، وتجعل جسدك يسكن دون حراك تمامًا ، وتشعر بأن هناك ما يقبع فوق صدرك ، ولا تستطيع الحركة رغم إدراكك للواقع من حولك . بدأت تلك المرحلة وكنت أشعر بأنني قد شللت ، فقد كنت أتنفس بصعوبة ولا أستطيع تحريك جسدي ، وكنت أرتعب بشدة في هذا الوقت ، إلى أن أتمكن من النهوض . تكررت هجمات الجاثوم ، وكان يصاحبها أصوات همهمات وحديث جانبي لا أفهم منه شيئًا ، أخربت أمي ولكنها لم تكترث للأمر وأخبرتني أنها مجرد كوابيس ، ونصحتني بألا أثقل بالعشاء ! وتكررت هجمات الجاثوم وتزايدت الهمهمات ، إلى أن انتهت تلك المرحلة فجأة كما بدأت فجأة ، لتصبح المواجهة بيني وبين أفراد العالم الآخر ، أكثر صراحة ومباشرة . نهضت في إحدى الليالي المظلمة أتحسس طريقي ، نحو فراشي إلى جوار شقيقاتي ، وكنت دائمًا ما أعتمد على السير في الظلام وأنا أتحسس طريقي بالتماس الباب والأثاث وهكذا ، ولكني أثناء سيري في تلك الليلة ، شعرت وكأنني قد وضعت يداي على ثياب شخص ما ، شعرت أنني أمسكت بأحدهم ولكني لم أدرى من هو ، جسد دافيء وأنفاس ثقيلة أشعر بهما تمامًا ، تجاهلت الأمر حتى لا أشعر الشخص بأنني قد علمت بوجوده ، وتركته وأكملت سيري نحو فراشي . نهضت في اليوم التالي ، لأجد جسدي مغطى بالكدمات في أنحاء متفرقة منه ، لا أدري من أين أتت ، ولكني في هذا اليوم جلست أمشط شعري أمام المرآه ، لأجد خلفي امرأة سمراء وذات عينان بيضاوان ، تنظر لي فارتبعت ولكنها كانت أكثر سرعة فحملتني وقذفتني نحو الحائط ، لأسقط فاقدة وعيي ، وأستفيق لأجد أمي وشقيقاتي حولي ، فرويت ما حدث ، هنا بادرت أمي وقالت أنه يجب أن يراني شيخًا .
اتصلت أمي بأحد الشيوخ ، وأخذت موعدًا لنذهب له ، هنا وجدت رجلاً وامرأة يقفان أمامي قبل الموعد بيوم واحد ، ونظرا لي بغضب وأخبراني أنني إذا ذهبت إلى الموعد ، سوف يحرقا المنزل كله ويحرقان من فيه ، ارتعبت بشدة وذهبت أخبر أمي ، فاتصلت بالشيخ فقال أنه هو من سيأتي . مرت ساعات واتصل الشيخ ، وقال لأمي أنه وصل إلى المنزل ولكنه لا يراه ، قالت له أمي أنا أراك بوضوح المنزل خلفك ، استدار الرجل وقال لها أنه لا يوجد أي شيء أمامه ، فالأرض والمكان خاليان تمامًا ! فجأة شاهدت الرجل والمرأة قد أتيا ، وطفقا يضحكان بشدة وفجأة نزل على عينهما كحلاً سائلاً فصرخا بشدة ، وفقدت أنا وعيي ، وعندما استفقت أخبرتني أمي بأن الشيخ قد علم بحيلة الكائنين وقرأ بعض آيات القرآن ، فظهر له المنزل وأتى . بدأت الجلسة بقراءة بعض آيات القرآن الكريم ، وهنا شعرت بالنعاس وغفوت ، لأجد نفسي أحلق في سقف الغرفة وأشاهد الشيخ يتلو القرآن وأنا أسفل أوبخه وأضربه ، وقد تدمرت الغرفة تمامًا وأمي ترتعد بشدة ، هنا رفعت رأسي من الأسفل ، لأجد وجهي قد صار وجه شيطانًا فصرخت بشدة ، حتى استيقظت لأجد الغرفة وقد تحطمت وأمي تبكي خوفًا . قال الشيخ أثناء القراءة أنه سوف يذهب ، ويأتي بثلة من الشيوخ الآخرين ، فمن يسكنني لن يقدر هو عليه وحده ، ولكنه لم يعد ، لأنه ببساطة توفى في حادث سير بسيارته أثناء العودة . طفق الرجل والمرأة يزورانني في كل لحظة ، ويهدداني بالقتل والتدمير وقتل الأحبة ، وأنا أبكي ضعفي وهواني ، كنت أراهم في كل لحظة يخترقون أجساد البشر من حولي ولا أستطيع أن أفعل لنفسي شيئًا ، وتزايدت الكدمات فوق جسدي ولا أدري كيف تأتي أو كيف أتخلص منها . ظلت الأمور هكذا حتى ظهر شيخ يدعى عم جلال ، جلس برفقتي وفور دخوله المنزل ، سمعت صراخ طويل للغاية وتزلزلت الأرض من تحتي ، فأخبرته بما شعرت فقال لي هم يعلمون أنني قد أتيت ، جلس يقرأ القرآن وأنا أسمع صرخات مهولة ، وأشتم الشيخ وأوبخه ، وظهر الرجل أمامي مرة أخرى ، وقال لي أنه سوف يحرق المنزل وأسرتي ، ولكن مع قراءة الشيخ بدأ يصغر الرجل روديًا حتى اختفى تمامًا ، وهنا ظهرت المرأة وصرخت في وجهي أنني قتلت زوجها ، وسوف تنتقم مني ، وظلت تصغر إلى أن احترقت هي الأخرى. عقب الجلسة جلس الشيخ معي ، وسألنني عما قالته المرأة في المرآة بالتحديد ، فأخبرته مندهشة أنني لم أروي له هذا الأمر ، ولا أتذكر أية تفاصيل ، صرخ الرجل موبخًا بشدة وتبدلت ملامحه إلى شيطان ، وبالفعل تحولت قدميه إلى أقدام حيوان ، فصرخت بشدة وقلت له من أنت ، قال أنا عدو لهم واستطعت بفضل قوتي ، أن أوهمك بأنني أقرأ القرآن حتى أتخلص من كليهما ، عن طريقك وباستخدامك وقد نجحت في ذلك . اختفى العم جلال فجأة ، لأجد نفسي داخل منزلي وسط حطام وأنقاض ورائحة احتراق بشعة ، فتساءلت عما حل بالمنزل ، فأخبروني أن المنزل قد احترق وإخوتي وأبي وأمي بداخله ، ساءت حالتي النفسية وانقطعت عن الطعام والشراب ، لأنتقل إلى منزل عمي فلم ألبث بضعة أيام حتى توفى عمي وأصاب زوجته المرض ، ورسب ابنه ، ونالت الأقاويل من شرف ابنته ، لقد تدمر البيت تمامًا وصرت لعنة أينما حللت . تأكدت أفكاري عندما قررت الهجرة ، لأذهب إلى بلدة أخرى فلم ألبث سوى أيام حتى اندلعت بها الحرب ، وصارت خرابًا فقررت أن أتخلص من حياتي ، حتى انتهي من هذا العذاب فلا أؤذي أحدًا أبدًا ، ولا أشعر بمرارة الفقد .