بدأت القصة بمعاناة واجهها ، الشاب البرازيلي الفقير خوسيه بيدرو ، حيث كان فقيرًا معدمًا ولكن الابتسامة ، لا تفارق وجهه البسيط والمرح رفيقه الدائم ، وفي أحد الأيام تبدل الحال وأصبح خوسيه كئيبًا لا يعرف الضحك ، طريقًا إليه وأصبح متجهمًا وكأنه يحمل أثقالاً فوق ظهره ، وبدأ المسكين يتحدث عن أطياف ، تظهر بوميض مضيء لا يستطيع معه أن يحدد ملامحهم ولا يستطيع رؤيتهم هم فقط يظهرون ، ويتحدثون ليصاب هو بنوبات عدة من الصداع والهيسرتيا والرعب . تحدث طبيب عجوز إلى خوسيه وسأله ، بشأن تلك الأطياف وهيأتهم فأجابه خوسيه ، أنه لا يستطيع وصفهم بدقة ، فهم مجرد أطياف تهيم أمامه وتظهر وتختفي فجأة بدون أية مقدمات ، ويتحدثون سويًا ويحادثونه أيضًا ، فسأله العجوز عن لغتهم التي يتحدثون بها ، فأجابه خوسيه مرة أخرى أنه لا يستطيع فهمهم فهو لا يدري تلك اللغة حقًا ، وبسؤاله عما إذا ما كان يراهم في نومه أم يقظته ، أجاب إلى أنهم غالبًا ما يأتونه خلال نومه ، فيشعر بصداع شديد برأسه ، وأحيانًا يراهم وهو متيقظ . فقد المسكين خوسيه رباطة جأشه عندما تذكر كل تلك التفاصيل ، وقبض على يد الطبيب وطلب منه مساعدته ، فهو منذ ثلاثة أعوام متصلة في تلك المعاناة ، لم يعد يستطيع تناول الطعام أو الشراب ، وفقد رغبته بالحياة كليًا لا يريد سوى التخلص فقط ، من هذه الأطياف المزعجة والصداع الدائم برأسه . ربت الطبيب على كتفه وأخبره أنه بخير ، وكل ما يراه نتيجة حالة نفسية سيئة ، وكتب له بعض الأقراص الدوائية وطلب منه أن يتناولها حتى تتحسن حالته ، وبالطبع لم هو الطبيب الوحيد الذي زاره خوسيه ، ولم تكن وصفته هي العلاج الفاشل الوحيد ! نعم فكل من سبقوه فشل علاجهم هذا وعقاقيرهم تلك في علاج خوسيه المسكين على مدار ثلاثة أعوام ، لم يذق فيها خوسيه طعم الراحة . استسلم خوسيه لما أصابه ، وحاول أن يتعايش مع الأمر وكأنه لم يحدث ، أو عليه أن يتقبله كما هو في الواقع ، فليس لديه حلولاً أخرى في الحقيقة ، وفي إحدى ليالي عام 1950م العاصفة ، رقد خوسيه مستسلمًا للنوم قليلاً ليرى حلمًا أذهله ، حيث وجد نفسه فجأة واقفًا في ردهة تشبه ردهات المستشفيات ، وأمامه بابًا أشبه بأبواب غرف العمليات ، سار خوسيه في الممر المؤدي إلى الباب ، وكان طويلاً بعض الشيء . حتى وصل إلى الباب ففتحه ، ليجد خلفه طاولة يرقد عليها رجلاً يبدو أنه يخضع لعملية جراحية ، حيث فُتح صدره وبطنه وظهرت أحشاؤه ، في مشهد أثار الرعب في قلب خوسيه ، ووقف حوله عددًا من الرجال يرتدون معطفًا بيضاء طويلة ويبدو أنهم أطباء ، وإلى جوارهم بعض السيدات ترتدين معطفا بيضاء أيضًا وقبعات صغيرة ، ومن الجلي أنهن ممرضات ، وبين هؤلاء جميعًا يقف رجلاً كبيرًا بالعمر أصلع الرأس ، وطويل القامة ويبدو عليه أنه هو الطبيب المسئول عما يجري في تلك الغرفة . بدا وكأن الجميع لا يرون خوسيه ، عدا هذا الطبيب الأصلع ، الذي ما لبث أن رمق خوسيه بنظرة ثاقبة ثم تحدث إليه ، نعم تحدث الطبيب إلى خوسيه بلغة لم يفهمهما ، تشبه لغة الأطياف التي يراها منذ أعوام ، ولكنه فهم ما قاله الطبيب ! أخبره الطبيب أنه يدعى أدولف فريتز ، وهو طبيب ألماني ولد بمدينة ميونخ الألمانية ، وعاش خلال فترة القرن التاسع عشر ، وكان والده قد أصيب بمرض الربو ، مما دفع العائلة بأكملها إلى الانتقال إلى بولندا كما نصح الطبيب المعالج ، حيث الطقس بها أكثر نقاء . ساءت حالة الأب المريض ثم وافته المنية سريعًا ، وللأسف لحقت به زوجته ليجد فريتز نفسه يتيمًا وحيدًا ، مما دفعه للعمل مبكرًا من أجل إعالة ذاته ، حتى استطاع بجهده أن يستكمل دراسته للطب . ولكن قبل تخرجه بعام واحد فقط ، كان فريتز يعمل بنوبة تدريب ليلية بإحدى المستشفيات ، وفي ساعة متأخرة من الليل حضر أحد ضباط الجيش للمشفى ، وبين ذراعيه طفلته فاقدة للوعي ، وحاول فريتز إنقاذها ولكن توفت الطفلة بين يديه ، فما كان من والدها سوى أن يتهم فريتز ، بقتل ابنته وتم الزج به في السجن ، وتعذيبه بالطبع ولكنه لم يتوان يومًا عن مساعدة المرضى ، من زملائه السجناء حتى استطاع بواسطة بعض الممتنين منهم له ، من الفرار حيث ذهب إلى أستونيا ، وعمل بها طبيبًا ومارس مهنته . حتى قامت الحرب العالمية الأولى فالتحق رغمًا عنه بالجيش ، ليساعد في مداواة الجنود الجرحى ، وفي إحدى الليلالى طلب منه بعض الجنود ، اللحاق بزميل لهم جريح في أحد الممرات ، وفي منتصف الطريق الذي زحف فيه فريتز ، أصابت الممر قذيفة أودت بحياة فريتز في الحال . نعم مات فريتز ولكنه لم يتوقف في لحظة عن مساعدة من يحتاجه ، صارت روحه العالقة هي السبيل لإنقاذ الأحياء ، بمساعدة عدد من الأطباء والممرضات الأشباح أيضًا ، ولكنه يعاني من قدراته المحدودة نظرًا لكونه شبحًا ، فسأله خوسيه متوجسًا وماذا يعني ذلك ؟ فأجابه فريتز بأنه يحتاج إلى جسد ينتقل إليه ، حتى يستطيع علاج المرضى واستكمال طريقه ، وأردف بأنه يحتاج جسد خوسيه . نهض خوسيه مفزوعًا من نومه ، وهو يردد لا لست أنا . لا لست أنا ، وانطلق يجري بالشوارع حتى ظن الجميع بأنه قد فقد عقله تمامًا هذه المرة . مرت عدة أيام قرر خوسيه خلالها أن يصدق الطبيب ، ويسلم له الأمر فالكوابيس المؤرقة والصداع لا يفارقانه ، وفي نفس اليوم الذي اتخذ فيه خوسيه القرار ، قابل أحد زملائه وكان قد أصيبت قدماه في حادث أثناء العمل ، وأصبح يسير بواسطة عكازين ، فما كان من خوسيه سوى أن أمره بإلقاء العكازين والمشي دونهما ، فاستنكر الرجل ذلك ، إلا أن خوسيه سحب العكازين من الرجل ولدهشة الأخير ، أنه لم يقع ثم سار على قدميه ، ليتفاجأ بأنه يستطيع المشي .
وجارة لخوسيه كانت تحتضر إثر سرطان بالرحم أصابها ، وفي أثناء جلوس الجميع لوداعها قبل الوفاة ، قام خوسيه فجأة واستل سكينًا ، ثم غرسه في جسد المريضة ، ليخرج كتلة صغيرة من اللحم والدماء ، وظن الجميع أنها ميتة لا محالة ، ولكن لدهشتهم نهضت المرأة واستفاقت عما قبل ، وطلبت الطعام والشراب ، ليصبح خوسيه شهيرًا بكراماته فيما بعد . كانت تصيب خوسيه حالة من التخشب ، والعرق الغزير ويتحدث بالألمانية ، قبل أن يقوم بعلاج أي مريض ، وظل خوسيه يعالج المرضى على مدار عشرين عامًا متصلة ، دون مخدر أو مطهرات وللدهشة أن الجروح لم تلوث قط ، ولا تنزف سوى القليل من الدماء التي تعين ، المريض على التخلص من بعض الدماء الفاسدة فقط . وكما قلنا ظل خوسيه يعمل على مدار عشرين عامًا ، وبحلول عام 1971م كانت نهاية رحلته ، حيث توفى خوسيه إثر حادث سير حيث اصطدمت به سيارة ، وكان قبيل وفاته قد أخبر من حوله ، بأن الطبيب فريتز قد أخبره أنه سوف يتوفى قريبًا ، بحادث سيارة لتنتهي بذلك قصة خوسيه والطبيب الشبح ، التي تناقلها سكان البرازيل في قريته لسنوات طويلة .