وقعت هذه القصة في زمن الخلافة العباسية حينما ذهبت امرأتان للقاضي ابن أبي ليلي ، وهو قاض كبير في زمن المنصور ، يختصمان في أمر ما ، فلما دخلا عليه ، سألهما أن يبدأ ، فقالت إحداهما :أيها القاضي هذه المرأة التي معي ، إنها عمتي ، وأقول لها يا أمي فهي من ربتني بعد أن مات أبي ، وكان لي ابن عم تقدم لخطبتي ، وبعد أن زوجتني له ، ورأت من خلقه وحسن معاملته لي الكثير ، أرادت أن تزوجه ابنتها
فبعد ثلاث سنوات فقط من زواجي به ، عرضت عليه أن تزوجه ابنتها ، ولكن بشرط أن يوكلها في أمري وقد فعل ، فبعد أن تم الزواج جاءت إلي وقالت : لقد تزوج زوجك ابنتي ووكلني في أمرك وأنت طالق ! ، وهكذا أيها القاضي أصبحت مطلقة بين عشية وضحاها ، بعد أن كنت أحيا في سعادة وسلام
فلما عاد زوج عمتي وكان رجلًا كثيرًا الغياب ، ورأى أنني قد كبرت وتزوجت وطلقت ، عرضت عليه الزواج مني ، فوافق ، ولكني اشترطت عليه أن يوكلني في أمر عمتي ، وقد فعل ، فبعد أن تم الزواج ، أخبرت عمتي أني تزوجت زوجها ، ووكلت في أمرها وهي طالق
فوقف القاضي مذهولًا من كيد المرأتان ، فقالت العمة : أجلس يا شيخ ، فالقصة لم تبدأ بعد ، فأكملت الابنة قصتها قائلة : لقد عشت مع طليق عمتي فترة فلما مات أل لي ورثه ، فنازعتني عمتي على ورث زوجي ، وهي لا تقرب له بصلة ، فقد طلقتها منه
ولما اختصمنا جلس زوجي الأول وزوج ابنتها ليحكم بيننا ، فلما وقع بصره على وجهي حن إلى ما كان بيننا ، فعرضت عليه الزواج والعودة إلى ما كان ولكن شريطة أن يوكلني في أمر زوجته ، فلما تم الزواج ذهبت إليها ، وأخبرتها أني عدت إلى زوجي وقد وكلني في أمرها وهي طالق
وهنا لم يملك القاضي نفسه مما فعلته تلك المرأة ردًا على ما حل به من عمتها وابنتها ، وتعجب من عظمة كيدها ، وقال لهم أنا لا أدري أين القضية ؟ فقالت العمة : أليس من الحرام أن تأخذ هي زوجي وزوج ابنتي وميراثنا ، ونحن لا نأخذ شيئًا
فقال القاضي : أنا لا أرى في الأمر حرامًا ، امرأة تزوجت ومات زوجها ، فردت إلى زوجها ووكلها في أمر زواجه ، وهذا ليس من الحرام ، وبعد ذلك ذهب القاضي ابن ابي ليلي إلى الخليفة المنصور وقص عليه قصة المرأتان
فضحك المنصور حتى دبدب بقدميه على الأرض من فرط الضحك على ما فعلته المرأتان ببعضهما ، وقال البادي أظلم ، فمن حفر حفرة لأخيه وقع فيها ، وهذه العمة لم تقع في حفرة بل وقعت في البحر ، وأخذ يضحك على دهاء الزوجة وتدابير القدر