عقد الهرمزان العهد مع المسلمين في عهد النبي صل الله عليه وسلم إلا أنه دخل في حرب مع المسلمين وكانت موقعة القادسية بقيادة سعد بن أي وقاص وانتصر سعد وجيش المسلمين، فدخل في عهد جديد مقابل دفع الجزية، إلا إنه عاد مرة أخرى ونقض العهد ودخل في حرب جديدة مع المسلمين وكانت معركة سوق الاحواز وهزم ثانية على يد الصحابي حُرْقُوص بن زهير السعدي ودخل في عهد جديد مع المسلمين، وكعادته لم يلتزم بمواثيقه مرة أخرى وبدأ في إعداد جيش جديد حتى يقاتل المسلمين ووقع الاختيار على مدينة تُستَر للتجمع بها حيث كانت من أكثر مدن الفرس تحصيناً حتى أنه يقال أنها كانت أقوى في تحصينها من المدائن ومن جلولاء التي قاتل فيها المسلمين واحدة من أشد المعارك وقتها، حيث تم بناء المدينة في منطقة مرتفعة وإحاطتها بسور جبار من طبقتين بنيت عليه بعض الأبراج مما يسهل اصطياد الجيوش المهاجمة منها وبين الطبقتين كان مملوء بالماء، كمان كان يوجد خندق مائي يحيط المدينة التى من جهة واحدة كان يحميها جيش كبير، إلى جانب أن المدينة مؤمنة من ناحية الطعام والشراب فالمدينة زراعية فيتوفر بها الطعام والنهر يوفر المياه مما يصعب عملية حصارها.
وصلت أنباء تجميع جيش الفرس الجديد والاستعدادات التي يتم تجهيزها إلى خليفة المؤمنين عمر بن الخطاب، فجهز عمر رضي الله عنه جيشاً كبيراً وخرج هذا الجيش من الكوفة إلى بلاد فارس وكان قائد الجيش هو الصحابي النعمان بن مُقَرِّن على أن يأتي خلف هذا الجيش جيشين آخرين بقيادة كلاً من سويد بن مقرن، وجرير بن عبدالله البجلي.
تجهز جيشَا آخر يخرج من مدينة البصرة بقيادة سهل بن عدي وقد أوصى عمر بن الخطاب سهيل بأن يكون ضمن جيشه الصحابيين البراء بن مالك، ومَجْزَأَة بن ثور، وكعب بن ثور ويعتبر أحد كبار التابعين، وحذيفة بن محصن أحد قواد جيوش حروب الردة، وعرفجة بن هرثمة أحد قادة جيوش حروب الردة، على أن لا يتم تولية إمارة الجيش للبراء لأنه يمتلك من الشجاعة ما يعجز من خلفه.
توجهت الجيوش الكبيرة التي أعدها المسلمين إلى تُسْتَر وكان أمير الجيوش هو سبرة بن أبي رهم، وكان أول الجيوش التي وصلت إلى وجهتها جيش الكوفة وقد قاتله الهرمزان في معركة سريعة وهزم فيها، فانسحب إلى داخل أسوار مدينة تُسْتَر ليتحصن بها، وعندما بلغ قائد جيش البصرة ما حدث غير اتجاهه فبدلاً من التوجه إلى الأهواز اتجه بشكل مباشر إلى تُسْتَر، وقد أمر عمر بن الخطاب بتجهيز مدد من البصرة فتم تجهيز جيش بقيادة أبو موسى الأشعري واتجه إلى تُسْتَر وبذلك يصبح قائد جيوش البصرة أبو موسى الأشعري.
بدأ مع وصول الجيوش حصار مدينة تُسْتَر، وكانت هناك معارك متفرقة حيث يخرج الفرس لقتال المسلمين في معارك سريعة ثم يرجعون إلى الحصن، وقد بلغ عدد تلك المعارك حوالي ثمانون معركة، وقد استمر الحصار حوالي عام ونصف العام، مع طول مدة الحصار واستعصاء المدينة كان لابد من إيجاد بديل للنصر، وهنا فكر المسلمون في أن بينهم البراء بن مالك أشجع المقاتلين وهو من مستجابي الدعاء فذهبوا إليه وطلبوا منه الدعاء فدعا أن ينالوا النصر وأن ينال الشهادة.
انتهى البراء من دعائه وبعدها نزل سهم بجوار أبوموسى الأشعري ومعه رسالة حيث يعرض أحد الفرس على المسلمين أن يخبرهم كيف يدخلون تُسْتَر على أن يعطوه الأمان على روحه وماله، فوافق أمير الجيوش، فجائهم الفارسي وطلب منهم رجلاً واحداً ليعرفه الطريق.
إستشار أمير الجيوش مجزأة في من يصلح للمهمة فطلب أن يذهب هو فقال الفارسي يجب أن يكون ماهراً في السباحة، فقال أنا ماهر بالسباحة، فأوصاه الامير أن يراعي أن لا يشعر به أحد، وذهب مجزأة وسبح خلف الفارسي في النهر وغطس فغطس خلفه ودخل في نفق وعر إلى أن وصلوا إلى المدينة، وبدأ في تفحصها وتفحص بابها والمداخل المهمة للمدينة، وبعدها عاد القائد إلى أمير الجيوش وأخبره بما كان وقال له اختر لي بعضاً من جند المسلمين ندخل ونفتح أبواب المدينة، وهنا خير أمير الجيوش الجنود من أراد أن يتطوع فليفعل وكان يريد ثلاثمائة، وكان من بين المتطوعين سبرة أمير الجيوش.
قاد الجنود مجزأة، وبدأت رحلة الجنود قبل الفجر بثلاث ساعات وبعد ساعتين لم يصل إلى بوابة المدينة إلا ثمانون رجلاً، ودخل الجنود متسترين بالليل إلى أن وصلوا إلى باب الحصن ودارت معركة مع الحراس ومع جزء من الجنود، أما الجزء الآخر فقام بفتح الباب مع التكبير، فاندفعت جيوش المسلمين داخل الحصن بكل قوتها وبدأت واحدة من أكثر المعارك عنفاً في تاريخ الفتوحات الإسلامية، وكانت جيوش الفرس في حالة من الثبات فكان دخول جيوش المسلمين مفاجأ مما ساعد على الهزيمة.
أستشهد في هذه المعركة البراء بن مالك و هو يحاول الوصول إلى الهرمزان وعندما وصل إليه ضربه الهرمزان فقتله، وعندما رأى مجزأة ذلك توجه إليه و عندما وصل إليه قتله الهرمزان أيضاً، مع شدة المسلمين على الفرس في القتال هرب من هرب وقتل من قتل حتى أختبئ الهرمزان داخل قصره المحصن، وطلب أن يؤمنوه حتى يستسلم فأمنوه فاستسلم الهرمزان لجيوش المسلمين وأرسلوه إلى عمر بن الخطاب ليحكم فيه، فأمر عمر بن الخطاب أن يكون رأس المجموعة الحارسة للهرمزان أنس بن مالك، والأحنف بن قيس، والمغيرة بن شعبة حتى يأمن مكر ودهاء الهرمزان بهم.