عاشت أوليفيا أورتون مع والدين بسيطين في منزلها الذي يقع في بلدة عادية. التحقت بالمدرسة وبات لديها صديق مقرّب اسمه سام. بدت أوليفيا فتاةً عادية هي الأخرى؛ بشعرها البني المنكوش وعينيها العسليّتين المختبئتين وراء نظارتها السميكة.
وهذا ما دفع الفتيات الأخريات في مدرستها إلى مضايقتها بقولهنّ: ” قديمة الطراز! ألا تتمنّين أن يكون لديك مثل شعرنا الأشقر وعيوننا الزرقاء الواسعة؟
مظهرك لا يؤهلك أبداً لأن تكوني صديقتنا!” ولم تقتصر المضايقات على الفتيات…
الفتية أيضاً كانوا وقحين معها. كانوا يختبئون أحياناً خلف أبواب المدرسة، وعندما تقترب أوليفيا كانوا يطرحونها أرضاً. كانوا يشدّون شعرها ويسرقون كتبها، وكان هناك فتى هو الأكثر لؤماً من بينهم.
كان اسمه كالوم، واعتاد أن يختبئ خلف السياج منتظراً أوليفيا في طريق عودتها إلى منزلها، ليلقي عليها الحجارة الصغيرة. أما صديقها المقرّب سام فقد اعتاد استخدام حقيبته ليحمي أوليفيا من الحجارة قدر المستطاع،
لينتهي به الأمر مصاباً بأحدها في بعض الأحيان. “أوليفيا قديمة الطراز!” كان كالوم يصرخ منادياً. “أنتِ قديمة الطراز وتبعثين على الملل!” “لا تلقي لهم بالاً يا أوليفيا” يقول لها سام. “أنتِ ذكية وخفيفة الظلّ وتضيفين جواً من المرح، لا تلقي بالاً لمضايقاتهم”.
كانت أوليفيا تضمّ شفتيها وتبقى صامتة، وتكمل طريقها نحو المنزل. ظلّ هذا يحدث لسنوات، من الصفوف الابتدائية حتى المتوسطة فالثانوية. ولم يكن من السهل تجاهل المضايقات، لكنّ أوليفيا أخفت سراً… وبالمناسبة لم تكن تقليدية كما يقولون! في كلّ ليلة، ما أن تشير الساعة إلى الثانية عشرة في منتصف الليل، حتى يتلألأ جسد أوليفيا. كانت تجلس في سريرها، وخلال لحظات، تتحوّل بالكامل. يختفي شعرها البني المجعّد لتحلّ الضفائر الشقراء محلّه. وتختفي نظاراتها السميكة وعيونها البنية، لتحلّ العيون الخضراء البرّاقة محلّها. وتختفي ملابسها الباهتة، لترتدي أوليفيا زيّ الفتاة الخارقة الزهري الناعم.
لم تظهر أوليفيا كفتاة خارقة وحسب، بل امتلكت قدرات خارقة أيضاً… ليست الطيران وحسب، بل حاسّة سمع وإبصار خارقة، إضافة إلى القوة البدنية التي تعادل قوّة اثني عشر رجلاً. لم يعرف أحد بسرّ أوليفيا، وفي حال أخبرت أحداً بالأمر، فإنّ قواها الخارقة ستختفي. ولسنوات ظلّ هذا يحدث معها، منذ اللحظة الأولى التي تعرّضت فيها للمضايقات. ومنذ ذلك الوقت، سخّرت أوليفيا قواها الخارقة لفعل الخير…
في كلّ ليلة، وبعد تحوّلها، كانت أوليفيا تقف على حافة النافذة في غرفتها، لتقفز بعيداً. وبدلا من السقوط والاصطدام في الأحراش من تحتها، كانت تدفع بجسمها إلى الأعلى، لترتفع إلى السماء.
كانت تشقّ طريقها نحو برج الساعة وسط بلدتها، حيث تمنحها الإطلالة من الأعلى نظرة أوسع على كلّ ما يجري في بلدتها. وفي هذه الليلة،
رأت طيور النورس وهي تحلّق بين الطرقات، وتتشاجر فيما بينها حالما وجد أحدها لقمة لذيذة ليتناولها. ثم رأت رجالاً عائدين إلى منازلهم بعد سهرة قضوها في مطاعم البلدة، كانوا يضحكون ويمازحون بعضهم. استلقت أوليفيا وابتسمت.
“يبدو كما لو أنها ستكون ليلة هادئة هانئة”
قالت لنفسها. ولكنّ ذلك لم يدم طويلاً…
من بعيد، سمعت أوليفيا صراخ امرأة. كان قادماً من مكان بعيد جداً، ولكن بفضل حاسّة السمع الخارقة، ميّزت أوليفيا كلّ كلمة سمعتها. “اتركني وشأني!” قالت السيدة باكيةً. “أعطيني الحقيبة!” علا صوت رجل في المكان. “أعطيني إياها وإلا قتلتك”. “أرجوك” توسّلت إليه. “سأبقى دون طعام أو نقود إن سرقتها منّي”. لم تنتظر أوليفياً مطوّلاً… نظرت إلى الاتجاه الذي يأتي منه الصوت، مطّت يديها، واندفعت باتجاه الغيوم. وفي ثانيتين، وصلت إلى مكان الحدث، واستطاعت سماع السيدة وهي تواصل توسّلها إلى الرجل. نظرت أوليفيا إلى الأسفل، ورأت الرجل وهو يقترب لانتزاع الحقيبة. كانت سيدة كبيرة، لم تستطع التمسّك بها. وفور انتزاع الرجل للحقيبة، استدار وبدأ بالركض.
على أيّ حال، لم يكمل خطواته الثلاث حتى هبط إليه شيء من الأعلى، إنها أوليفيا! دفعت الرجل وطرحته أرضاً، وانتزعت الحقيبة منه. وبينما كانت تثبّت قدمها على صدره لمنعه من الحركة، أعادت أوليفيا الحقيبة إلى صاحبتها المسكينة.
“أوه، شكراً جزيلاً يا عزيزتي!” قال السيدة بامتنان، متشبّثة بيد أوليفيا. “كيف لي أن أردّ الجميل؟” “عديني بأنّك ستكونين لطيفة مع جميع الناس، وحسب” رّدت أوليفيا. “حسناً، سأفعل!” وعدتها السيدة الكبيرة. استدارت أوليفيا باتجاه الرجل على الأرض.