بعد يوم طويل شاق من العمل قامت امي بتحضير الطعام ووضعته على المائدة امام والدي وبجانبه بعض الخبز المحمص، لكن الخبز كان محروقاً تماماً، نظرت في دهشة انتظر رد فعل ابي، ولكنه مد يده الى قطعة الخبز بكل هدوء وابتسم لوالدتي واخذ يسألني عن يومي في المدرسة .
من شدة حيرتي وتعجبي حينها لا اتذكر بماذا اجبته على سؤاله، ولكنني اتذكر جيداً أنني شاهدته يدهن قطعة الخبز بالمربي والزبدة ويأكلها كلها وكأنها وجبة شهية لذيذة، بعد أن اتم والدي طعامه شكر والدتي ونهض عن المائدة، فسمعت والدتي تعتذر له عن حرقها للخبز وهي تحمصه دون قصدها، وجاء رد والدي على الاعتذار قائلاً :
لا تهتمي يا حبيبتي، أنا احب احياناً أن آكل الخبز محمص زيادة عن اللزوم قليلاً واعشق ايضاً ان اتذوق به طعم الاحتراق .
في هذه الليلة لم اتوقف عن التفكير في هذا الامر، ذهبت الى والدي كي اقبله كعادتي قبل أن اخلد الى النوم ومن خلال نظراتي فهم والدي ما يجول بخاطري فقال لي بابتسامة هادئة : اسأل ما تشاء يا بني، قلت له على الفور :
هل تحب حقاً ان تآكل الخبز محمصاً الى درجة الاحتراق ؟ ضمني والدي الى صدره في رقة وقال : يا ولدي، إن امك اليوم كان لديها عمل شاق في المنزل وفي عملها ايضاً وبالتأكيد اصابها التعب والارهاق الشديد، وإن اكل قطعة محروقة من الخبز لن تضرني حتى الموت .. إن الحياة مليئة بالانشاء الناقصة الغير مكتملة، فالكمال لله وحده علينا أن نتعلم كيف نقبل النقصان في الأمور وأن نتقبل عيوب الآخرين وهذا من أهم الأمور في بناء العلاقات وجعلها قوية مستديمة .. خبزُ محمصُ محروقُ قليلاً لايجب أن يكسر قلباً جميلاً .