تلاطمت مياه البحر الأحمر المندفعة متجاوزة كوة بالسفينة ، بين حين وآخر ، قفز درفيل عالياً في الهواء ، أو فجرت سمكة طائرة قوساً من نار في منتصف الهواء ، جلس الكابتن بريس في مقصورته باسطاً خريطة على الطاولة الكبيرة المستوية أمامه .
نبذة عن المؤلف : رواية من روائع الأدب الإنجليزي العالمي ، للمؤلفة فيرجينيا وهي علم من أعلام المؤلفين حيث تجاوزت الأشكال التقليدية في كتابة القصة ، واهتمت في كتاباتها بنقل جوهر الشخصية ، وجوهر وجود الشخصية وأسلوبها في استخدام الرموز والتشبيهات والاستعارات ، ولدت في 25 يناير 1885م ، في لندن بانجلترا ، من أشهر مؤلفاتها : السيدة دالوي ، الأشياء الصلبة ، إلى الفنار ، الأمواج ، إلخ.
توفيت في 28 مارس عام 1941م ، عن عمر يناهز 54 عاماً في شرق ساسيكس .
بدا وجهه كأنه منحوت من جذع شجرة جيدة النوع على يد زنجي ، ثم صقل لمدة خمسين عاماً ، وجفف في شمس استوائية ، وبقى من الصقيع ، ثم غسلته الأمطار الاستوائية ، ونصب حينئذ أمام جموع متذللة كمعبود ، اكتسب وجهه ذلك التعبير الغامض ، لوثن سئل كثيراً الأسئلة على مر قرون بلا إجابة .
المقصورة : كانت المقصورة بلا أثاث ، ما عدا الطاولة الضخمة ، والكرسي الدوار ، إلا أنه علقت سبع أو ثمان أدوات ذات أسطح بيضاء ، على الحائط وراء الكابتن ، رسمت عليه أشكال ورموز وتحركت عليها يدان دقيقتان ، أحياناً ببطء لا يكاد يدرك ، وأحياناً أخرى بقفزة حاسمة مفاجئة .
مادة غير مرئية : كانت مادة ما غير مرئية تقسم ، تقاس وتوزن ، وتحسب بسبع أو ثماني طرق مختلفة في وقت واحد ، ولما كانت المادة ذاتها غير مرئية ، كذلك كان القياس ، التقسيم ، الوزن ، والحساب تتم بلا صوت مسموع ، لم يخرق الصمت صوت في مركز الأدوات علقت صورة لرأس امرأة متوجة بثلاث رياش نعام.
المعبود : استدار الكابتن بريس فجأة بكرسيه حتى واجه الأدوات كلها والصورة ، أدار المعبود ظهره فجأة من المتوسلين ، كان ظهر الكابتن مغلفاً ببدلة ضيقة ، تلتصق بجسمه كجلد الثعبان ، كان ظهره مبهماً كوجهه ، بإمكان المتوسلين أو يوجهوا صلواتهم ودعواتهم سواء لوجه أو ظهر المعبود فجأة ! حركة البحر والصمت : وبعد فحص طويل للحائط استدار كابتن بريس ليعود لوضعه الأول ، أخذ بوصيلتين ، وبدأ يرسم على ورقة كبيرة قسمة بعناية إلى مربعات ، تصميماً ضخماً ودقيقاً حتى بدا أن كل خط يخلق شيئا خالداً ، وأنه سيبقى محدداً هكذا إلى الأبد ، لم يخرق الصمت شيء ، وحيث أن حركة البحر ودق الماكينات كان مستمراً وصادراً من نفس المقام ، حتى أنهما كانا يبدوان صمتاً أيضاً معبراً عنه بطريقة أخرى .
لوح خشبي وسترة زرقاء : على نحو مفاجئ ، كل حركة كل صوت ، كان مفاجئاً في جو شديد التوتر ، دوى جرس قرصي الشكل ، ارتج الهواء برجفة حادة كتقلص العضلات ، دوى الصوت ثلاث مرات ، تجعد الجو الذي اهتز هكذا ثلاث مرات في تقلص عضلي حاد ، انقضت ثلاث ثوان تحديداً ، بعد الدقة الثالثة عندما نهض الكابتن ، وبحركة أوتوماتيكية ، وضع نشافاً فوق تصميمه بيد ، ووضع قبعته على رأسه بالأخرى ، مشي نحو الباب ، ثم نزل ثلاث درجات السلم المؤدية لسطح السفينة ، بدت كل مسافة أنها مقسمة إلى مراحل عدة ، وأوصلته آخر خطواته إلى موقع بعينه على لوح خشبي ، أمام خمسمائة سترة زرقاء .
الكابتن والضباط والتحيات : انطلقت خمسمائة يد يمنى مرتفعة إلى رءوسها تماماً ، بعد خمس ثوان انطلقت يد الكابتن اليمنى إلى رأسه ، وبعد انتظار ثانيتين تحديداً انخفضت يده كما تنخفض الإشارة الضوئية ، بعد مرور قطار سريع ، مر الكابتن بخطواته ذاتها المحسوبة ، متفحصاً رتب السترات الزرقاء ، ومن خلفه مشت مجموعة من الضباط على مسافة مناسبة بحسب رتبتهم أيضاً ، إلا أن الكابتن واجههم على باب غرفة طعامه ، مستقبلا تحيتهم ، راداً عليها بالشكر وذهب للعشاء وحده ! الأيادي البيضاء : جلس وحده على طاولة الطعام ، كما جلس وحده على مكتبه ، لم ير من الخدم الذين قدموا له الطعام سوى أيديهم البيضاء ، تقدم الأطباق وترفعها، عندما تكن الأيدي غير بيضاء كان يصرفهم ، لم ترتفع عيناه فوق مستوى الأطباق والأيدي ، كانت الأطباق تقدم أمام المعبود في نظام كالموكب ، اللحم والخبز والمعجنات ثم الفاكهة ، السائل الأحمر في كأس النبيذ انخفض ببطء ، ثم ارتفع ، وانخفض ،ارتفع وانخفض مرة أخرى ، واختفى اللحم بأكمله ، واختفت العجائن والفاكهة بأكملها .
حائط مرآة وعصا نحاسية : أخيرا ، أخذ كسرة خبز في حجم كرة البلياردو مسح بها الصحن ، التهمها ثم قام من جلسته ، الآن أصبحت عيناه على نفس ارتفاع مستوى نظره وهو واقف ، ونظر بهما إلى الأمام ، مرت عيناه خلال كل ما تأتى أمامهما ، حائط مرآة ، عصا نحاسية ، كأن شيئاً لا يحمل أي صلابة لاعتراض طريقهما .
التليسكوب : مشى كأنه يتبع الشعاع الذي ألقته عيناه صاعدا على سلم حديدي ، مرتقيا سطحاً ، أعلى وأعلى متجاوزا هذه الموانع حتى صعد على سطح حديدي ، ركب عليه تيليسكوباً ، عندما وضع عينيه على التليسكوب ، أصبح التليسكوب في الحال امتداداً لعينيه كأنه غلاف ، على شكل بوق تكون ليحضر نظره الثاقب ، وعندما حرك التليسكوب إلى أعلى وإلى الأسفل ، بدا كأن عينه الطويلة التي يغطيها بوق تتحرك .