يحكى في القديم أن رجلاً فقير الحال، يشتغل حطاباً، و في كل يوم يجمع حطبه من الغابة، و يضعه على ظهره ليبيعه في السوق.
كان الحطاب يتعب من أجل لقمة عيشه. ويبيع الحطب، ثم يتجه إلى المخبز القريب، ليشتري رغيفاً وحليبا لابنه الوحيد وزوجته، ويعود لبيته بعد كد عمل يوم مضن.
فيجد زوجته في انتظاره وهي مبتسمة الوجه رغم الخصاصة، سعيدة بعودة زوجها من مشقة عمل اليوم، من أجل توفير لقمة العيش الحلال.
وفي يوم من الأيام قرر ملك تلك البلاد القيام بجولة في الغابة، فلاحظ أن الكثير من الأشجار اقتلعت، فغضب و قرر غلق الغابة، ومنع كل من يقتلع الأشجار، و يجمع الحطب ليبيعه.
سمع الحطاب الخبر المفجع، فاحتار في أمره، وقال في نفسه: كيف سأوفر قوتي وقوت زوجتي وابني؟ أخبر زوجته وقال لها: إنّها مُصيبة! فمن أينَ لي أن أطعمكم، حالتي أصبحت أسوأ، و قد يعاقبني الملك، و يقطع رأسي، إن خالفت أوامره!
ردت عليه قائلة: لا تجزع يا رجل، الله هو خالقنا، فاصبر فقد يهدي الله ملكنا.
قال: استغفر الله، سأصبر على نصيبي..
ذهب الحطاب إلى فراشه ونام، و في منامه رأى أن الملك يجره ليقطع له رأسه، و كان يقول له: أيها الحطاب قطعت الحطب، والآن سأقطع رقبتك!
كان الحلم مزعجا للغاية. اِستيقظ مذعوراً، يرتعد من الخوف، فقالت له زوجته: ما بك يا زوجي؟
لا تقنط من رحمة الله، واصبر على نصيبك، إنه مجرد كابوس، لا تخف، لا تخف.. خذ هذا الكوب من الماء، و اشربه، واحمد الله على ما نحن فيه، فستفرج إن شاء الله، فلا تقلق يا زوجي العزيز، فرحمة الله واسعة، وأبواب رزقه كثيرة.
بعد أشهر قرر الملك القيام بجولة؛ ليتفقد معيشة الناس، و بما أن الحطاب توقف عن عمله بسبب قرار الملك، وبقي في بيته عاطلاً عن العمل، ينتظر الفرج، وفي كل ليلة يضع قدراً على نار، فيها ماء يغلي، وفي الماء حجر ليصبر ابنه، موهما إياه بإحضار الطعام.
وتشعل زوجته حطباً، و تضع القدر فيه ماء يغلي، فيطول انتظار ابنها إلى أن يغلبه النعاس فينام المسكين وهو يبكي جائعاً.
ذات يوم سمعت زوجة الحطاب، قرعاً على باب بيتها، فخرجت لتفتح الباب، فإذا بالملك وحاشيته وجنده!
ابتسمت لهم، وقالت: من أنتم يا سادة؟
نزل الملك من على ظهر حصانه، وقال لها: أنا ملك البلاد جئت أتفقد أحوالكم؟
دخل الملك بيتها المتواضع، فوجد قدراً فيه ماء يغلي، فأخذه ليرى ما فيه، فلم يجد غير الماء في القدر، وحجر وحصى! فقال لها بتعجب: ما هذا يا امرأة!؟ أين الطعام الذي تطبخينه؟ لم أجد في القدر غير حجر و حصى!!
ردت عليه مبتسمة: ليس لدي طعام، كما ترى يا مولاي، إنه قدر فيه ماء يغلي!
الملك: لاحظت ذلك، ولكن أريد أن أعرف ما القصد من هذا الصنيع؟
ردت عليه قائلة: وضعته لكي أوهم ابني وزوجي الذي احترم قراركم يا مولاي، و لم يعد يذهب إلى الغابة ليجمع الحطب ويبيعه في السوق. فلم نعد نوفر لابننا الغذاء، فنوهمه بأننا بصدد إحضار الطعام له. فيبقى على أمل إلى أن يغلبه النعاس فينام. هذا حالنا!
أحس الملك بغلطته، وشعر بالذنب والندم الشديد، ثم أمر حراسه بجلب الطعام وأحلى الثمار لابنها.
ثم وجه لزوجها "الحطاب" دعوة لزيارة قصره في صباح الغد، وغادر المكان.
وفي صباح اليوم الموالي، ذهب الحطاب في زيارة قصر الملك، وعند وصوله عرفه الحراس، فأدخلوه ليقابل الملك الذي رحب به وعرض عليه مالاً، فرفض، فعرض عليه ذهباً، فرفض مرة أخرى.
غضب الملك وصاح في وجهه: ترفض الذهب والمال! فماذا تريد يا رجل؟
رد عليه الحطاب بهدوء: يا مولاي أنا لست انتهازياً ولا طماعاً، ولكني أريد فقط عملاً شريفاً أكسب به قوتي وقوت عائلتي من حلال.
ابتسم الملك للحطاب وقال له: إنك رجل فاضل، ولذلك سوف أمنحك ثقتي، وأعينك في وظيفة تكسب منها رزقاً حلالاً.
قال الحطاب: وماهي؟
رد عليه الملك: بستاني بحديقة القصر، ما رأيك؟
فرح الحطاب بالوظيفة، وشكر الملك كثيراً، ثم عاد إلى بيته فرحاً مسروراً ليزف البشرى إلى زوجته الصابرة الصبورة.
سعدت زوجته بالخبر الجميل، وقالت له مبتسمة: ألم أقل لك إن الله مع من صبر على نصيبه، وإن الله قد يهدي الملك.
رد عليها الحطاب قائلاً: الحمد لله، إنه ملك طيب.