اِستقر الحطاب العجوز مع زوجته المريضة في غابة رائعة الجمال، وهم ببناء كوخ صغير من الخشب وسط أشجار جميلة، وحيث كان المنظر حولهم رائعاً وبالقرب منهم نهر ماءه عذب يسمى بنهر الحياة، أما الغابة فقد كانت قريبة من البلدة التي كان الرجل يبع فيها الحطب.
وفي صباح اليوم التالي استيقظ الحطاب وتناول طعام الإفطار، ثم خرج إلى الغابة يحطب بجد واجتهاد، ثم ذهب إلى المدينة وباع الحطب واشترى الطعام والدواء لزوجته وعاد إلى الغابة..
اِستمر الحطاب العجوز على هذا الحال كل يوم.
وذات يوم وبينما كان الحطاب منهمكاً في عمله، إذ جاءه شاب قوي وقال له: يبدو عليك التعب، دعني أساعدك، فجلس الرجل وأخذ يحطب بدلا عنه، فسأله الحطاب من أين جئت؟
فأجابه الشاب: أنا من أرض الله وجئت لمساعدتك، فتعجب الحطاب من ذلك، ثم قال الشاب: ما رأيك أن آتي إليك كل يوم وأحطب لك وأنت تأخذه وتبيعه في المدينة، على أن تعطيني تفاحة وسوف أرحل قبل غروب الشمس؟
فوافق الحطاب على ذلك، ثم سأله: أين تذهب عند غروب الشمس؟
فأجاب الشاب: لا تسأل فهز الحطاب رأسه بالموافقة.
مضت الأيام وهم على هذا الحال.. الشاب يحطب والرجل العجوز يبيع الحطب في المدينة..
وذات يوم قرر الحطاب أن يعرف مكان الشاب، وجاء الشاب ليحطب كعادته وبعدما أكمل الشاب عمله وباع الرجل العجوز الحطب في المدينة، أعطى الرجل التفاحة للشاب فسلم الشاب على الرجل ورحل..
تظاهر الرجل العجوز بدخوله المنزل، ولكن ما إن مشى الشاب قليلاً حتى تبعه الرجل العجوز ومشى خلفه بهدوء لكي لا يشعر به الشاب، حتى وصل الشاب إلى شجرة عظيمة بها باب ضخم، وما إن دخل الشاب من ذلك الباب حتى اختفى، فقال الرجل العجوز هكذا إذن، ذلك الشاب من شجرة مسحورة!! ثم عاد إلى منزله وهو يفكر.
عندما وصل الرجل العجوز إلى منزله قال في نفسه: لابد أن يأتي يوم ويتخلى عني الشاب وأنا لا أقدر على العمل وحدي، ثم قال: لابد أن أقطع تلك الشجرة وأكون بذلك قد ضمنت بقاء الشاب معي.
وفي صباح اليوم التالي جاء الشاب كعادته ليساعد الرجل العجوز، وقال له الرجل العجوز: سوف أبيع هذا الخشب في المدينة فقال له الشاب: حسنا، وبينما كان الشاب يحطب بجد ذهب الرجل العجوز إلى المدينة وباع ما لديه بسرعة، ثم عاد إلى الغابة وبدأ قطع الشجرة المسحورة حتى سقطت أرضاً -وتمزق جزء من قميصه-، وأحرقها حتى صارت رماداً ثم عاد - ولم يبق لوقت الغروب سوى القليل من الوقت- إلى الشاب وأعطى له التفاحة، فشكره الشاب ثم رحل.
نظر الرجل العجوز في مكر وظل يضحك، وعندما وصل الشاب مكان شجرته وجدها مقطوعة ونظر حوله فوجد قطعة من قميص الرجل العجوز وقال: ذلك الرجل العجوز اكتشف أمري وقطع شجرتي!! نظر إلى السماء وقال: ستغرب الشمس!! وركض بأقصى سرعته حتى وصل إلى النهر!! ووقف أمامه وأخذ الجرس الصغير الذي في داخل المحارة الموجودة بالقرب من نهر الحياة وقرعه ثلاث مرات وهو يقول ساعديني يا جلالة الملكة، فخرجت من النهر وقالت: ماذا تريد أيها الشاب؟
فقال لها: كنت أساعد الحطاب العجوز، لكنه خدعني وقطع شجرتي والآن إن لم أدخل في شجرة مسحورة قبل غروب الشمس سوف أموت.
قالت له: حسناً انتظر لحظة.. فذهبت وهو يقول: أسرعي أرجوك الوقت يداهمنا..
فعادت ملكة نهر الحياة وأعطت له بذرة سحرية، وقالت له: خدها وخد هذا الدلو الممتلئ بماء نهر الحياة وازرعها في مكان بعيد.
شكر الشاب الملكة وأخذ ما أعطته وهو يركض بأقصى سرعته وينظر إلى السماء حتى وصل إلى مكان بعيد وألقى البذرة على الأرض ثم
سقاها بماء نهر الحياة، وجلس ينتظر وهو ينظر إلى السماء ويقول أرجوك أسرعي الوقت يداهمنا!!
فجأة أصبحت البذرة شجرة عظيمة وفتح فيها باب كبير وعندما شاهدها الشاب فرح كثيراً وقال في نفسه شكرا لك يا جلالة الملكة، فدخل من الباب، وما إن دخل حتى اختفى وأغلق الباب..
أما الرجل العجوز فأخد ينتظر الشاب، لكنه لم يأت ليساعده كعادته، فذهب الرجل العجوز إلى نهر الحياة -لكي يسأل عنه جلالة الملكة-ووقف أمام النهر وأخذ الجرس الصغير الموجود داخل المحارة التي تقع بالقرب من النهر، قرعه ثلاث مرات وهو يقول: ساعديني
جلالة الملكة..
خرجت ملكة النهر وقالت: ماذا تريد أيها الحطاب؟
فأجاب قائلاً: أبحث عن شاب كان يساعدني ثم اختفى!
قالت له الملكة: لماذا قطعت شجرته؟ كاد أن يموت لولا أني أنقذت حياته قبل غروب الشمس!
أجابها قائلاً: ظننت أنه سيتركني بعد مدة، لكني لم أقصد قتله..
قالت الملكة: كفاك كذبا، لقد كدت تقتل الشاب الذي مد لك يد العون، لكن ونتيجةً لتهورك وأنانيتك وسوء تفكيرك فقد فقدت الشاب، إذهب فهذا جزاء من يقابل الحسنة بالسيئة.