شهد التاريخ حدوث الكثير من المجاعات ، على مستوى عالم أجمع ، خاصة المجتمع الأوربي الذي كان قد تعرض ، لعدد من المجاعات القاسية ، إبان فترة العصور الوسطى ، والتي كانت المجاعات بها إما لأسباب عسكرية ، أو للحصار وغيرها من الأسباب
ومن بين الدول التي شهدت مجاعات قاسية ، كانت أيرلندا والتي عُرفت تاريخيًا باسم مجاعة أيرلندا الكبرى ، أو مجاعة البطاطس والتي حدثت عام 1845م ، حيث فسد محصول البطاطس الذي يعتمد على استهلاكه ، الشعب الأيرلندي كغذاء أساسي
أسباب حدوث المجاعة : حدثت مجاعة البطاطس الأيرلندية ، إلى استمرار الجانب البريطاني ، الذي كان قد احتل أيرلندا عام 1801م على سياسة ، التمييز والتفرقة العنصرية والدينية ، بين سكان أيرلندا المحليون ، فاستولى البريطانيون على الأراضي الزراعية ، من السكان الأيرلنديين عنوة ، وطالبوهم أيضًا بدفع رسوم باهظة من أجل العمل بها
كما تم الأمر في ظل اضطهاد ديني واضح ، للكاثوليكيين ؛ فقد تم تم منع الكاثوليك من تملّك الأراضي الزراعية ، ولم يكن هذا هو الأمر الوحيد ، بل تم منعهم أيضًا من حقوق الانتخاب ، أو التعليم ودخول البرلمان الأيرلندي حينذاك
فكانت نتيجة تلك الأوضاع الغريبة والمتردية ، بالطبع هو افتقار أغلب السكان الأيرلنديون ، الذين قاموا عنوة ببيع مزروعاتهم من الشعير والقمح والذرة والشوفان ، إلى الجانب البريطاني الذي عمل على استئجارهم للعمل لديه ، عدا محاصيل البطاطس فقط والتي كان الشعب الأيرلندي يعتمد عليها كليًا ، كمصدر أساسي للغذاء ، في ظل تلك الظروف الاقتصادية السيئة
تلك السياسة البريطانية القمعية ، أدت لحدوث المجاعة في عام 1845م حيث كان المزارعون ، الأيرلنديون قد أبلغوا عن آفة درنية قد أصابت ، محصول البطاطس فما كان من البريطانيون ، سوى تجاهل نداءاتهم ، وعدم الاكتراث لهم ، إلى أن تم تدمير المحصول تمامًا ، في هذا العام ومن المؤسف أنه استمر لأعوام تالية ، لأن البذور التي تم أخذها من محصول عام 1845م ، كانت مصابة وبالتالي تم تدمير أغلب المحصول الذي قد تم تخزينه ، وهلك كله
إبان تلك النكبة التي أصابت أيرلندا ، تعمدت بريطانيا على التراجع عن المساعدة ، فنفق حوالي المليون شخص من عامة الشعب الأيرلندي ، الذي رأت بريطانيا أنه عبء عليها ، فجميعهم فقراء لا قيمة لهم ، كذلك ظلت أسعار الإيجار لزراعة الأراضي باهظة ، مما دفع المزارعون للبحث عن مصادر أخرى ، لكسب قوتهم حتى لا يموتوا جوعًا مثل من سبقوهم
وازداد الأمر سوء بالطبع ، مع قدوم الشتاء وعدم وجود أي مصدر للغذاء ، أو بديل آخر للمحصول التالف مما تسبب ، في وفاة الكبار والأطفال ، لم يستثن الموت منهم أحدًا
أعوام المجاعة الست : قضت الأزمة خلال أعوامها الست ، على قرابة المليون شخص ، بينما من استطاع الهجرة أو الفرار من هذا الجحيم ، لم ينظر خلفه وفر هاربًا ، ولكن البعض لم يحالفهم الحظ كثيرًا ، فكثير من قوافل الفارين من جحيم المجاعة ، قد تعرضوا للموت غرقًا ، تلك الأزمة التي أدت إلى تحول ديمواغرافي ملحوظ ، حيث صارت أعداد الأيرلنديين بنيويورك ، تقترب من الـ 26% من السكان ، وهذا العدد للمفاجأة كان يفوق من يقطنون بدبلن عاصمة أيرلندا
ذكر المؤرخون الأيرلنديون فيما بعد ، أن بريطانيا قد تعمدت الإهمال من أجل ، القضاء على الشعب الأيرلندي متخذة من تلك الأزمة ، ذريعة للتخلص منهم جزاء لهم على تمسكهم ، بالكاثوليكية وعدم تراجعهم عنها
الإنقاذ العثماني : ظل الأيرلنديون يلقون باللوم على انجلترا ، حتى يومهم هذا مرددين ، أن الله أرسل الآفة واتخذتها بريطانيا سبيلاً لصناعة مجاعة ، أودت بحياة الملايين
في هذا الوقت ومع تسارع الأنباء ، كانت الدولة العثمانية في نهاية مجدها ، وكانت قد بلغت من الضعف مبلغًا قويًا ، إلا أنه عندما تواردت الأنباء بشأن ما حدث من مجاعة بأيرلندا ، وموت الملايين من الرجال والنساء والأطفال ، جوعًا وهم يهيمون بحثًا عن الطعام ، أمر السلطان العثماني عبد المجيد الأول ، بالتبرع بحوالي عشرة آلاف جنيهًا استرلينيًا للفلاحين الجائعين وهو ضعف المبلغ الذي كانت تمنحه لهم انجلترا
وكان ذلك في فترة ضعف الدولة العثمانية ! مما دفع ملكة بريطانيا آنذاك ذاك ، طلبت من السلطان العثماني أن يجعله ألفًا فقط ، فهي نفسها لم تتبرع سوى بألفي جنيهًا فقط ، إلا أن السلطان عبد المجيد الأول ، رفض ما طلبته منه ملكة انجلترا ، وأرسل معها ثلاثة سفن محملة بالأغذية والطعام للشعب الأيرلندي ، في حين حاول البريطانيون منع تلك السفن من دخول الموانئ ، إلا أنها قد وصلت عن طريق ميناء دروكيدا وتم توزيع الأطعمة ، على الشعب الجائع فور وصولها
كان هذا الموقف القوي من الدولة العثمانية ، هو ما دفع الكثير من شرفاء ووجهاء أيرلندا عقب انتهاء تلك المجاعة الكبرى ، بإرسال رسالة شكر وتقدير للموقف العثماني ، شاكرين فيها السلطان عبد المجيد الأول ، على موقفه النبيل والذي لم تقم به راعيتها انجلترا حال حدوث الأزمة ، التي تسببت بها بريطانيا بالفعل