خرج أنس من الحفل وهو يحمل مفتاح سيارة والده، كان قد طلب من والده مفتاح سيارته ليأخذ منها غرضا يخصه، وفي أثناء سيره نحو الكراج شاهد أحدهم يتلفت يمينا ويسارا وهو يحمل داخل احضانه فرح التي تبدو فاقدة للوعي، اتسعت عينا أنس بصدمة وهو يرى هذا الشخص يقفز سريعا نحو احدى السيارات ويضع فرح في المقعد الخلفي للسيارة بينما يتجه هو الى مقعد السائق، وفي لمح البصر كان أنس يجلس في مقعد السائق ويدير سيارته لاحقا به بينما يده تبحث عن هاتفه ليتصل بأحدهم ويخبره بما يحدث، كان أنس يقود السيارة وهو يحاول قدر المستطاع ألا يشعر ذلك الشخص بأنه يلحق به، وجد أنس ذلك الشخص يتجه بسيارته نحو احد الشوارع الضيقة فتبعه حتى توقف امام احد البيوت الصغيرة هناك فأختار أنس ان يقف بعيدا عنه في بداية الشارع حتى لا يلمحه الاخير، حمل هاتفه وفتحه وأخذ يبحث في قائمة الاسماء عن إسم أدهم، ضغط على زر الاتصال وهو يدعو ربه أن يسمع الأخير رنين هاتفه ويجيب عليه...
وبالفعل أجاب أدهم بعد لحظات ليقول أنس بسرعة: أدهم تعال بسرعة، لقد خطفوا خطيبتك...
جاءه صوت أدهم الغاضب: هل هذا وقت مزاحك السخيف يا أنس.؟!
وقبل ان يغلق الهاتف في وجهه ترجاه أنس ألا يفعل: أرجوك لا تفعل.، أنا لا أمزح، الفتاة في الداخل معهم، وأنا، أنا في سيارة والدي أقف على بعد مسافة صغيرة منهم...
أنت لا تمزح.، أليس كذلك؟!
سأله أدهم بنبرة منفعلة ليقسم له أنس: أقسم لك أنني لا أمزح...
فعل الGPS فورا ليظهر لدينا الموقع الذي انت فيه وأنا سأتصرف...
ثم اغلق الهاتف في وجهه ليفعل أنس ما قاله له...
أما هناك فقد اغلق أدهم هاتفه ونهض من مكانه بسرعة متجها خارج الحفل، قبل ان يخرج اتجه نحو حميد والد فرح وإستأذنه ان يسمح له بالخروج مع فرح قليلا ليتحدث معها، أخرج أدهم مفاتيح سيارته بسرعة واتجه نحو الكراج الملحق بالقاعة وتحديدا نحو سيارته، ركب سيارته وبدأ في قيادتها متبعا الإشارة التي تصدر من هاتف أنس، كان يقود بسرعة شديدة بينما يحاول الاتصال بالشرطة ويخبرهم بما حدث ليأتوا ويساعدونه، وصل أدهم أخيرا الى المكان بعدما أجرى اتصالا سريعا بالشرطة، اوقف سيارته بجانب سيارة أنس الذي خرج من السيارة بسرعة واتجه نحوه قائلا: من الجيد أنك أتيت، لقد خرج هذاك الرجل الذي خطفها منذ قليل...
هل يوجد أحد في الداخل؟!
سأله أدهم بجدية ليجيبه أنس: لا أعلم، لم أر سوى هذاك الرجل يخرج من المنزل...
ما ان انهى أنس كلماته حتى وصلت الشرطة الى المكان وتمت محاصرته، اقتحم الشرطة المنزل فلم يجدوا به أحد سوى فرح الفاقدة للوعي والممددة على سرير صغير متواجد في أحد الغرف، دلف أدهم الى داخل الغرفة واتجه نحوها مسرعا بعدما سمحت له الشرطة بذلك، حملها بسرعة وأحذ يتطلع إليها متفحصا إياها بلهفة غريبة قبل ان يلمح ورقة صغيرة تقع من كف يدها...
هبط الى الأسفل وهو ما زال يحملها وأخذ الورقة ثم خرج بها من الغرفة واتجه بها الى سيارته...
وضعها داخل السيارة وتقدم نحو الشرطة الذين طلبوا منه أن يقوموا بالتحقيق معه ومع فرح حينما تستيقظ فهم يريدون أن يعرفوا من وراء ما حدث...
اتفق أدهم مع الشرطة على أنه سيأتي بنفسه إليهم ومعه فرح في صباح الغد ثم ما لبث ان ركب في سيارته وركب أنس سيارة والده واتجه الاثنان الى المنزل الذي تقطن به عائلة أدهم بعدما أخبر أدهم أنس بذلك...
وصل كلا من أدهم وأنس الى المنزل بعد فترة ليست بقصيرة، دلف أدهم الى الداخل وهو يحمل فرح بين يديه ثم اتجه بها نحو غرفته ووضعها على سريره، أخذ أدهم يتأملها وهي فاقدة للوعي غير واعية بأي شيء يدور حولها، كانت تبدو ناعمة للغاية ووديعة...
مد أنامله يتحسس بشرة وجهها برقة متناهية قبل ان يتنهد بصوت مسموع ويبتعد عنها ناهرا نفسه عن هذه الحركات الطفولية التي يقوم بها...
تذكر أدهم أمر الورقة فأخرجها من جيبه بسرعة وأخذ يقرأ ما بها...
لا تظن أنك إستطعت ان تنقذها مني هذه المرة، لقد تركتها لك بمزاجي، عليك أن تشكر أخاك الصغير فلولاه ما كنت لتفعل اي شيء، الايام بيننا، والقادم أجمل بكثير...
اعتصر أدهم الورقة في قبضة يده بينما اندلع الغضب داخله، غضب حارق ينبأ بحرق أي شخص يراه امامه الان، اغمض عينيه للحظات محاولة منه للسيطرة على اعصابه التي باتت على المحك، ما ان هدأ قليلا حتى خرج من الغرفة واتجه الى صالة الجلوس ليجد أنس هناك والذي ما إن رأه حتى نهض من مكانه على الفور واقترب منه متسائلا: هل هي بخير؟!
اومأ أدهم برأسه دون أن يرد ليعاود أنس سؤاله: من فعل هذا؟! وكيف يجرؤ على فعله؟!
رد أدهم بنبرة مقتضبة: لا أعلم...
صمت أنس ولم يعلق بينما جلس أدهم على احد الكراسي وأخذ يفكر في هوية الشخص الذي اختطف خطيبته...
أفاق أدهم من شروده على صوت رنين هاتفه ليجد أباه يتصل به، أجاب عليه بسرعة ليأتيه صوت والده المنزعج: أدهم أين أنت؟! السيد حميد يسأل عنك، هات فرح وتعال حالا، كما أن أخيك أخذ سيارتي واختفى ايضا...
قال أدهم بسرعة مجيبا اياه: أنس معي لا تقلق عليه، سوف نأتي حالا...
ثم اغلق الهاتف وأشار لأنس قائلا: ابقى هنا مع فرح حتى أعود...
حاضر...
قالها أنس بإذعان ليتحرك أدهم خارج المنزل متجها الى قاعة الحفل...
دلف أدهم الى قاعة الحفل واتجه مباشرة الى حميد الذي نهض من مكانه وسأله بسرعة: أين فرح يا أدهم؟! الجميع يسأل عنها، ستنتهي الحفلة دون ان تأتي، اختها تريد رؤيتها قبل ان تزف الى منزلها...
لم يعرف أدهم ماذا يقول وكيف يخبره بشيء كهذا، وما زاد الطين بله هو قدوم السيدة نجلاء والدةفرح وهي تتسائل: ألم تأت فرح معك يا أدهم.؟! كيف تترك أختها في يوم كهذا؟!
في الحقيقة إنها متعبة قليلا...
قالها أدهم بتردد لتسأله نجلاء بقلق: متعبة، !! ما بها؟!
تنحنح أدهم ثم قال بجدية: لقد أغمي عليها...
ماذا؟!
صرخت نجلاء بعدم تصديق ليقول أدهم بسرعة: لا تقلقي إنها بخير الان...
نجلاء، لننهي الزفاف بسرعة ونذهب و نطمئن عليها...
اومأت نجلاء برأسها بسرعة وتحركت متجهة نحو عائلة العريس لتخبرهم برغبتهم بإنهاء حفل الزفاف...
اما حميد فقد اقترب من أدهم وسأله: اخبرني الحقيقة، ماذا حدث بالضبط؟!
ابتلع أدهم ريقه وأجابه: لقد خطفوا فرح يا عمي، ولكننا أنقذناها...
اتسعت عينا حميد بصدمة غير مصدق لما سمعه ثم قال بعدم إستيعاب: ماذا تقول يا أدهم؟! خطفوا فرح...
اومأ أدهم برأسه ليقترب كاظم منهما ويتسائل بحيرة: ماذا هناك يا عمي؟! هل حدث شيئا ما؟!
تطلع الاثنان الى بعضيهما قبل أن يسرد أدهم على مسامعهم ما حدث...
اوقف أدهم سيارته امام منزله وهبط منها مسرعا، توقفت سيارة اخرى بها كلا من حميد وكاظم، هبط الاثنان بسرعة وتبعا أدهم الذي دلف الى المنزل وفتح الباب بسرعة ثم طلب من حميد وكاظم الدخول...
دلف الثلاثة الى الداخل ليجدا أنس في صالة الجلوس والذي نهض مرحبا بسرعة مرحبا بهم...
أين فرح.؟!
سأل حميد بسرعة ولهفة ليجيب انس: ما زالت نائمة في الداخل...
تفضلا معي الى الغرفة التي هي فيها...
قالها أدهم وهو يشير الى غرفة النوم التي وضع بها فرح، اتجه الاثناه خلفه ليفتح أدهم باب الغرفة ويلج الى الداخل معهما.، اتجه حميد نحوها بسرعة وتأملها وهي نائمة بعمق ليتنهد براحة فهي امامه سليمة معافاة...
سأحملها واذهب بها الى السيارة...
قالها كاظم وهو يتجه نحو فرح بنية حملها لكن أدهم وقف بوجهه وقال: بل أنا من سيحملها...
رد كاظم بضيق: لا يجوز أن تحملها و...
قاطعهما حميد: أنا من سيحملها، ارتحتما الان...
ثم وضع ذراعيه أسفل ظهرها وحملها واتجه بها خارج الغرفة...
في اثناء خروجه من المنزل دلفت عائلة الهاشمي الى منزلهم ليتفاجئوا مما يرونه...
صاحت اسما بخوف: ماذا يحدث هنا؟!
ليتجه أدهم بسرعة نحوها ويهمس لها مطمئنا: كل شيء بخير لا تقلقي...
بينما همست الاء بسماجة: ما كل هذه الفوضى.؟!
ليرميها أدهم بنظرات نارية قبل ان يتبع حميد وكاظم الى الخارج...
اما أسامة فإقترب من أنس وأخذ يقول ضاحكا: يبدو أن أخيك لم يتحمل أن ينتظر حتى يأتي الزفاف.، دخل بالفتاة مبكرا...
أسامة...
صاح به الاب بتحذير ليكتم أسامة فمه بيديه، بينما قال الاب مكملا: لننتظر حتى يأتي أدهم ونفهم منهم ما حدث...
ثم التفت نحو انس قائلا وقد تذكر لتوه أمر سيارته التي أخذها أنس: صحيح، أين أخذت سيارتي و إختفيت فجأة.؟
توجهت الاء الى غرفتها وهي تقول بلا مبالاة: انا سأنام فلا رغبة لدي بسماع المزيد...
بينما أجاب أنس على سؤال والده: دع ادهم يشرح لك حينما يأتي...
وبالفعل دلف أدهم الى الداخل بعدما انهى أنس جملته ليقول الاب بسرعة: اريد معرفة ما حدث الان...
اتجه أدهم نحو أنس واحتضنه قائلا: اليوم جميعنا يجب أن نشكر أنس على ما قام به من تصرف بطولي...
رفع أدهم حاجبه متسائلا: حقا، !! ومالذي فعله أنس؟!
جلس أدهم على الكنبة ثم طلب من الجميع الجلوس وبدأ يسرد لهم ما حدث بالتفصيل...
يا الهي، كيف حدث هذا؟! من يجرؤ على اختطاف الفتاة من الزفاف بهذه السهولة؟!
قالها الاب بعدم تصديق ليهز أدهم رأسه ويجيب: لا أعلم، إن الامر يبدو مريبا للغاية.، ولكنني سأعلم.، لن أترك الأمر يمر هكذا مرور الكرام...
تحدث أيهم هذه المرة قائلا بعد تفكير: لا أعلم لماذا أشعر أن هناك لعبة ما تحدث في الخفاء...
ماذا تقصد.؟!
سأله أدهم بحيرة ليرد أيهم موضحا: يعني أن هناك من يخطط لإيقاع الخلاف بين العائلتين، وأظن أنه فعل ما فعل لكي يزيد الخلاف بيننا.، او...
صمت لوهلة وأكمل: او هذه خطة من قبل عائلة زهران ليشعلوا الخلاف بيننا من جديد، فكيف تختطف الفتاة بهذه السهولة من بينهم.؟!
أخذ أدهم يفكر بكلام أيهم وأخذ يربطه بأمر الورقة التي رفض الافصاح عنها الان.، شعر أدهم بأن أيهم معه كل الحق فيما قاله فمن يجرؤ على فعل شيء كهذا واختطاف فرح في زفاف اختها الا اذا كان شخص يعرفهم جيدا، تحدث أدهم منهيا الحوار بعدما اتجهت انظار الجميع نحوه منتظرين ابداء رأيه: قد يكون معك حق يا أيهم، لننتظر الى الغد ونرى ماذا يحدث...
في منزل ميد زهران...
دلف حميد الى منزله وهو يحمل فرح يتبعه كاظم...
تقدم الجميع نحوه بسرعة واولهم نجلاء الذي شهقت بقوة ما إن رأت إبنتها وهي محمولة بين أحضان والدها...
وضع الاب فرح على الكنبة ثم جلس بجانبها وهو يربت على وجهها محاولا إيقاظها، بينما ركعت نجلاء بجوارها من الجهة الاخرى وهي تهتف بقلق: ماذا حدث يا حميد؟! لماذا هي فاقدة للوعي؟!
اقترب مازن والفتيات منهم وأخذوا يتسائلون عما يحدث بينما هتف الاب بهم بعصبية: اخرسوا الان، ليجلب لي أحد منكم الماء...
ركضت مريم بسرعة لتجلب الماء ثم عادت وهي تحمل قدحا من الماء أخذه الاب منها وبدأ يحمل القليل منه في يده ويرشه على وجه فرح التي بدأت تستيقظ اخيرا...
رمشت فرح بعينيها عدة مرات قبل ان تبدأ تفتحهما ببطء شديد، فتحتهما أخيرا لتنصدم بالجميع من حولها يحيطون بها...
حاولت التحدث لكنها لم تستطع، شعرت بجفاف غريب يسود حلقها فأشارت الى فمها وكأنها تطلب منهم الماء...
اجلبوا لها الماء...
قالها الاب لتركض ملك هذه المرة وتجلب لها قدحا اخر من الماء...
حاولت فرح الاعتدال في جلستها بعدما استردت وعيها وأخذت والدتها تساعدها بذلك...
أعطتها ملك كوب الماء فأخذته وتناوله على دفعة واحدة بينما والدتها تربت على شعرها بحنو بالغ...
أعطت فرح كوب الماء الى ملك بعدما انتهت منه بينما جلست والدتها بجانبها وسألتها: هل أصبحتِ أفضل الان؟!
أجابتها فرح بصوت خافت متحشرج: نعم أفضل بكثير...
هل من الممكن أن يخبرنا أحد بما حدث.؟!
قالتها ملك بنفاذ صبر من الجو الغريب الذي يسود المكان ليوافقها مازن قائلا: نعم نحن نريد أن نعرف ما حدث بالضبط...
تطلع الاب الى كاظم بنظرة تعني أن يشرح لهم ما حدث فبدأ كاظم يخبرهم عن كل ما حدث...
انصدم الجميع بشدة مما سمعوه، حل الصمت المطبق بينهم فالجميع يحاول استيعاب ما قاله كاظم...
قطع هذا الصمت مريم التي انفجرت باكية أمامهم ثم ذهبت مسرعة نحو فرح وإحتضنتها بقوة...
بادلتها فرح حضنها بنفس القوة بينما تحدث مازن قائلا بعصبية بعدما استوعب اخيرا ما سمعه: كيف؟! من يجرؤ على فعل شيء كهذا.؟!
ثم التفت الى ابيه قائلا: أبي نحن يجب أن نعرف من فعل هذا، وما غايته مما فعله...
اومأ الأب برأسه دون أن يرد بينما تحدثت ملك موجهة سؤالها المتردد الى فرح: هل فعلوا لك شيئا؟! هل آذوكي؟!
ردت فرح بحيرة: لا أعلم أي شيء، لقد كنت فاقدة للوعي منذ اللحظة الأولى التي اختطفت بها...
لا أصدق ما حدث، من له مصلحة بفعل شيء كهذا؟!
قالتها الأم بإنفعال وغضب ليقول كاظم بنبرة هادئة لكن قوية: سنعرفه.، وحينها لن نرحمه أبدا...
تطلع مازن إليه وقال: وكيف سنعرفه.؟! نحن لا نملك أي دليل يشير إليه...
إترك هذا الأمى لي وأنا سأتصرف...
قالها كاظم منهيا الحوار بينما تحدث الاب بجدية: يجب ان تنهضوا وتناموا الان، غدا يوم طويل للغاية...
قالت الأم بضيق: انا لا افهم إصرارهم على إقامة الخطبة غدا، يكفي ما حدث اليوم.، كما إن ليلى لن تستطيع حظور خطبة اختها...
هذا الوقت الذي يناسبهم يا نجلاء.، لقد تركوا أعمالهم وأشغالهم وجاءوا الى هنا لأجل الخطبة...
قالها الأب بصرامة لتشيح نجلاء رأسها بضيق بينما أكمل الاب أمرا: هيا ليذهب كلا منكم الى غرفته.، غدا ورائنا يوم مهم وطويل...
بعد مرور يومين...
دلف أيهم الى قاعة المحاضرات ليجلس جميع الطلبة في أماكنهم المحددة...
اتجه الى مكانه المعتاد في مقدمة القاعة بعدما ألقى التحية عليهم...
اخرج حاسوبه الشخصي من حقيبته وشغله بعدما ربطه بالشاشة الكبيرة الموجوده خلفه...
وفي اثناء ما يفعله جذبت انتباهه من جديد...
كانت تجلس في المدرج الثالث تلتزم الصمت ونظراتها تتابع ما يفعله بتركيز شديد...
أبعد أنظاره عنها فورا ثم بدأ يشرح المحاضرة محاولا قدر المستطاع ألا ينظر إليها أثناء شرحه...
تجمد في مكانه لا اراديا حينما رأها ترفع يدها رغبة منها في قول شيء...
تنحنح قائلا: تفضلي...
خطأ...
ماذا؟!
سألها بعدم فهم لترد ببساطة: المسألة حلتتها بشكل خاطئ...
ثم بدأت تشرح له الحل الصحيح بشكل أحرجه جدا، هو لم يعتد على شيء كهذا.، لم يخطأ في أي مسألة حينما كان طالبا.، فكيف سيخطأ الأن؟!
فهمت...
قالها بإقتضاب وهو يعيد شرح المسألة من جديد مصححا خطأه بينما يقول داخل نفسه أن تلك الفتاة أخذت حقها منه...
اما الفتاة فقد جلست في مكانها غير عائبة بنظرات من حولها وهمساتهم حولها بينما تبتسم في داخلها بسعادة فهاهي قد حققت انتقامها منه كما تمنت وأرادت.، على ذلك المغرور أن يعلم بأنها ليست هينة او ضعيفة كما يظن...
انتهت المحاضرة وخرج أيهم من قاعة المحاضرات وهو يكاد لا يرى أمامه من شدة الغضب...
اتجه الى داخل غرفة مكتبه واغلق الباب خلفه بعنف شديد...
جلس على مكتبه وهو ينفث غضبه عاليا، ظل هكذا طوال اليوم.، غاضب، واجم، لا يطيق الحديث مع أيا كان...
مر الوقت بطيئا عليه حتى خرج من الجامعة بعدما انتهى وقت عمله، كان يسير متجها نحو سيارته في الكراج حينما لمحها من بعيد تقف بينما يحيط بها ثلاثة شبان يبدوا أنهم يحاولون مضايقتها بينما هي تحاول الابتعاد عنهم...
شعر بالغضب الكبير يسيطر عليه فإتجه بسرعة نحوهم ليلمحه احد الشباب فيشير الى الشابين الأخرين ليركضون بعيدا بسرعة هربا منه فهو مهما كان سيظل أستاذ جامعي يخشون مما قد يفعله اذا علم هويتهم...
اقترب أيهم منها وسألها بينما عيناه تتفحصانها عن كثب: هل أنتِ بخير؟!
اومأت برأسها دون أن ترد بينما جذبت عيناها الدامعتان إنتباهه ليتنهد بصوت مسموع ويقول: هل تعرفينهم؟! بإمكاننا أن نشتكي الى السيد العميد ونخبره بما فعلوه...
الا أنها عارضت ما قاله بشدة: كلا ، لا داعي لهذا، أنا بخير...
استغرب أيهم معارضتها الشديدة فقال: كما تريدين.، هل متأكدة أنك بخير؟!
هزت رأسها وأجابته: لا تقلق أنا بخير للغاية...
ثم أردفت بنبرة هادئة لطيفة: انا أشكرك كثيرا.، لولا تدخلك في الوقت المناسب ما كانوا ليتركوني وشأني..
لا داعي للشكر.، لقد فعلت ما يجب فعله في ظروف كهذه...
ابتسمت بإمتنان قبل أن تقول بجدية: في الحقيقة انا لم أتوقع تدخلك، ظننت أنك لن تساعدني بعدما قلته في المحاضرة...
ماذا تقصدين؟!
ادعى أيهم عدم الفهم أمامها بينما أكملت هي بخجل: لقد تقصدت ذلك، أردت أن أنتقم منك وأحرجك أمام الطلاب.، بعدما فعلته معي في ذلك اليوم...
ابتسم أيهم على طريقتها وصراحتها وقال: شعرت بهذا...
ثم أردف بهدوء غريب عليه: أعتذر.، لقد كنت فظا معك للغاية...
وأنا أيضا أعتذر...
قبلت إعتذارك...
قالها أيهم وهو مستغرب من نفسه فكيف لفتاة مثلها أن تجعله يعتذر لها هكذك بكل سهولة.، لكنه وجد لسانه ينطق بكلمات الاعتذار دون إرادة منه...
همت الفتاة بالتحرك مبتعدة عنه لكنها وجدته يقول فجأة: صحيح اسمك؟!
ابتسمت وأجابته: دارين، اسمي دارين...
وانا أيهم.، تعرفين أليس كذلك؟!
اومأت برأسها على استيحاء ثم تحركت مبتعدة عنه بسرعة وكأنها تهرب منه...
في القرية...
كانت فرح تحاول أن تهز الشجرة ليسقط القليل من التفاح منها...
توقفت فرح عما تفعله حينما شعرت بشخص ما يقف خلفها...
التفتت بسرعة لتجد اخر شخص توقعته وراءها...
أنت ماذا تفعل هنا؟!
سألته بملامح غاضبة ليجيبها بغلظة كعادته وابتسامة مريبة تعلو شفتيه: جئت لأرى خطيبتي، وأدعوها ايضا على الغداء...
تطلعت اليه بملامح غير مصدقة، منذ متى وهو يتصرف بتلك الوداعة معها...
وما المناسبة؟!
هز رأسه بتفكير قبل ان يقول بجدية: بمناسبة ان البارحة تمت خطبتنا رسميا...
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت: حقا؟! ومنذ متى وانت تتحلى بهذا اللطف كله؟!
رفع بصره نحو الاعلى بنفاذ صبر ثم عاد واخفضه قائلا بنبرة متضايقة: أتعامل باللطف لا ينفع، أتعامل بالقسوة لا ينفع ايضا، ماذا أفعل لأثبت لك حسن نيتي واخلاقي.؟!
تطلعت فرح اليه بنظرات فارغة قبل ان تقول بنبرة هادئة: حسنا، اذا كانت هذه الدعوة بدافع إثبات حسن نيتك فسوف أقبلها، لكن على شرط.؟!
شرط ماذا؟!
سألها بعدم فهم لتجيب: ان تعتذر من كامل اولا على ما فعلته معه ليلة البارحة.، وتعدني بأنك لن تكرر تصرفاتك السوقية البغيظة تلك مرة اخرى...
سوقية.، !!!! تصرفاتي أنا سوقية!
قالها بعدم تصديق قبل أن ينفعل غاضبا: انتبهي على كلامك يا فرح.، وإلا سوف أقص لسانك الطويل مرة أخرى...
وضعت فرح يديها حول خصرها وقالت بإنبهار مفتعل: اووه حقا، سأخاف منك...
تطلع أدهم إليها بنظرات غاضبة قبل أن يقول: أنا المخطئ حينما قررت أن أعاملك مثل أي فتاة طبيعية وأدعوكِ على الغداء...
ثم أكمل بسخرية: نسيت أن خطيبتي ليست سوى راعية غنم بالتأكيد لن تفهم بأمور طبيعية كهذه...
إرحل فورا...
قالتها بنفاذ صبر قبل ان تحمل أحدى التفاحات الكبيرة وترميها على رأسه بشكل فاجئه: أيتها المجنونة..
قالها وهو يتألم بشدة لتحمل فرح التفاحة الاخرى بينة قذفه بها ليتحرك أدهم من أمامها بسرعة وهو يهتف بصوته العالي: غبية مجنونة...
اخذت فرح تضحك بصوت عالي وهي تقفز في مكانها بجنون...
جلست اخيرا على الارض مستندة على جذع الشجرة وهي تلهث بقوة بينما بالكاد تستطيع مقاومة ضحكاتها العالية...
تنهدت بصوت عالي ثم عادت بذاكرتها الى الخلف وتحديدا الى يوم خطبتها...
تذكرت ما حدث في ذلك اليوم.، فبعدما بدأت الحفلة وارتدى العرسان خواتم الخطبة، طلب أدهم من والدها أن ينفرد بها قليلا، فأمر والدها كلا من أدهم وكاظم أن ينفردا بخطيباتهم...
جلس فرح أمام أدهم وهي تشعر بتوتر شديد وغريب عليها، كانت ترتدي فستان زهري طويل لامع وشعرها الطويل تركته منسدلا كالعادة، ظلت ملتزمة الصمت حتى تنحنح أدهم متسائلا بجدية: كيف حالك.؟!
اجابته وهي تشعر بالخجل: بخير...
تبدين جميلة...
قالها وهو يتأمل ملامحها الرقيقة بإعجاب شديد لترد بنفس الخجل: أشكرك...
صمت أدهم لوهلة قبل أن يقول بجديةة: فرح اليوم تمت خطبتنا.، وقريبا جدا سوف يتم زفافنا...
اومأت فرح برأسها دون ان ترد ليعقد أدهم حاجبيه متسائلا: لما انتِ متوترة هكذا؟!
أجابته وهي ترفع بصرها نحوه: أليس من الطبيعي أن تتوتر العروس في يوم كهذا؟!
شعر أدهم بصعوبة ما سيقوله.، فكيف سيخبرها بأمر كهذا؟! وهي تبدو متوترة للغاية وسعيدة في ذات الوقت...
تحدث.، ماذا تريد أن تقول؟!
سعل أدهم قليلا ثم قال بابتسامة متوترة: لا شيء.، فقط أردت أن أتحدث معك وأتعرف عليكِ عن قرب...
ابتسمت فرح وقالت بخفوت: ماذا تريد أن تعرف.؟!
اجابها وهو يتنهد بصمت: كل شيء...
في هذه الاثناء تقدم كامل منهما مقاطعا جلستهما وقال وهو يشير الى فرح: هيا انهضي، لقد تحدثتما بما فيه الكفاية...
تطلعت فرح إليه بنظرات مذعورة، كانت خائفة من أن يفتعل مشكلة ما، أما أدهم فقد نهض من مكانه وقال بغضب من طريقته: ما علاقتك أنت؟! بأي حق تقطع علينا خلوتنا هكذا.؟!
دفعه كامل بقوة وقال: لا تتدخل انت...
الامر الذي أشعل نيران الغضب داخل أدهم الذي لم يشعر بنفسه إلا وهو يلكمه على وجهه بقوة...
صرخت فرح بإسم كاظم الذي جاء راكضا إليهم وحاول الفكاك بين هذين الاثنين حتى تمكن من هذا بعدما اجتمعت جميع العائلة حوليهما...
افاقت فرح من شرودها وهي تتذكر ما حدث وقد عاد الخوف يتسرب إليها من جديد فكامل لن يمرر ما حدث بسهولة...
دلف كاظم الى مكتبه ليجد كامل في انتظاره...
أخبروني بأنك تريدني...
اجلس اولا...
جلس كامل أمام كاظم على مضض ثم قال بعجلة: أخبرني ماذا تريد.؟!
أخذ كاظم نفسا عميقا ثم قال بجديةة: الى متى سوف تبقى هكذا يا كامل؟
ماذا تقصد.؟!
ما أقصده إلى متى ستفتعل المشاكل هكذا.؟! هل نسيت ما فعلته البارحة مع خطيب ابنة عمك؟!
زفر كامل أنفاسه بقوة ثم قال بغيظ: فقط لا تقل خطيبها، كلما أسمع بهذا أجن كثيرا...
لكنه خطيبها.، وقريبا سيصبح زوجها..
أنت تعرف أنني أنا من أردتها أولا، من أحببتها طويلا...
قاطعه كاظم: أنت لم تحبها يوما يا كامل.، أنت اردتها بالفعل ولكن ليس حبا فيها...
بلى أنا...
قاطعه كاظم مرة اخرى رغم إصراره على حبه لفرح: انا أكثر من يفهم عليك يا كامل.، انت لم تحب فرح يوما ولن تحبها...
صمت كامل ولم يستطع الرد بينما أكمل كاظم بجدية: كلانا يعرف أن سبب إصرارك على فرح هو رغبتك في السيطرة على اموال عمي.، كما أن فرح الحفيدة المفضلة لجدي وبالتالي انت سترتفع مكانتك في العائلة ما ان تتزوج بها...
ازاح كامل بصره بعيدا عنه بينما أكمل كاظم بنبرة قوية محذرة: اترك فرح وشأنها يا كامل، فرح ليست لك.، هل فهمت؟!
تطلع كامل إليه بنظرات غير مقتنعة ليسترسل كاظم في حديثه: لو كان لدي أمل في أنك تحبها حقا لكنت أول من وقف الى جانبك...
اومأ كامل برأسه متفهما ثم قال بجدية: ولكن هذه الزيجة ظلمتها كثيرا، فذلك الأدهم لا يحبها...
كان كاظم يدرك صدق حديثه فأدهم لا يحب فرح مثلما خطيبته لا تريده...
لا يعرف لماذا ذكره كلام كامل بأمر خطيبته المزعومة، تلك القوية ذات النظرات الحادة، ما زال يتذكر طريقة كلامها المتعالية ونبرتها الساخطة على كل شيء.، إنها بحاجة لإعادة تاهيل من اول وجديد.، وهو سيفعل هذا بكل تأكيد...
أين ذهبت؟!
أفاق كاظم من شروده على صوت كامل فقال موضحا: ابدا، كنت أفكر في وضعي أنا وفرح بهذه الزيجة...
المشؤومة.، الزيجة المشؤومة...
قالها كامل مصححا قبل ان يكمل متسائلا: صحيح، ألم تعرفوا من قام بخطف فرح في ذلك اليوم.؟!
هز كاظم رأسه نفيا وأجاب بغموض: لم نعرف بعد.، ولكنني سأعرف بكل تأكيد...
اومأ كامل برأسه متفهما بينما عاد كاظم يفكر بأمر خطيبته من جديد...
يتبع....