بعد مرور اسبوع...
في احدى المستشفيات الحديثة في المدينة...
كان أسامة يجلس على السرير ويحيط به جميع افراد عائلته من والديه واخوانه...
كانت والدته تتحدث مع أدهم ووالده بعصبية واضحة تؤنبهما على اخفاء الامر عنها كل هذا الوقت فهي لم تعرف بأن ابنها تعرض لرصاصة نارية اخترقت صدره الا قبل يومين بعدما اتفق كلا من أدهم ووالده اخفاء الامر عن الجميع وعدم إقلاقهم حتى يسترد أسامة صحته ويصبح افضل...
يكفي يا أسما، لقد اخبرتك بأننا اضطرننا لفعل هذا، لم نود أن نقلقكم...
قالها رياض بنفاذ صبر من زوجته التي تتحدث في نفس الموضوع منذ اكثر من ساعة دون توقف فهي مستمرة في محاسبة الاثنين على ما فعلاه...
ماذا يعني يكفي؟! ابني يكون بين الحياة والموت وأنا لا اعلم...
تحدث أسامة محاولا انهاء الحوار: ارجوكما يكفي، لقد حدث ما حدث، لا داعي لتكبير الأمور...
الا ان أسما كانت مصرة على الاستمرار في وصلة تأنيبها لهما حيث قالت موجهة حديثها لأدهم هذه المرة: وانت يا سيد ادهم، كيف استطعت ان تفعل شيئا كهذا؟! ألم تفكر بي وبوضعي؟!
تطلع اليها ادهم بعينين ناعستين فهو لم ينم منذ وقت طويل قبل ان يقول بنبرة هادئة متململة: انا متعب للغاية، ولن اضيع وقتي في تفسير ما حدث، أكملي شوط المحاسبة هذا مع والدي فهو من طلب مني اخفاء الامر عنك ريثما ُيشفى أسامة...
قالها وخرج من الغرفة ليقول رياض بصوت خافت لا يسمعه احد: اللعنة عليك يا ادهم، كم انت رجل خبيث، تورط والدك معها بينما انت صاحب الفكرة الأساسية...
ماذا تقول يا رياض؟!
سألته أسما حينما لاحظته يحدث نفسه بصوت خافت ليبتسم لها رياض لا اراديا ويقول بسخرية: اقول كم انت امرأة مسالمة ولطيفة...
ردت أسما بعصبية: لا تضحك علي بهذا الكلام...
نهض أيهم من مكانه وقال بملل: انا سأخرج فلدي بضعة اعمال...
ثم اقترب من أسامة الذي قال بتوسل: خذها معك ارجوك...
لكن أيهم ابتسم وهو يرد عليه: ليكن الله في عونك، هذه بداية الاسطوانة فقط...
خرج أيهم من المكان بينما استمرت اسما في تأنيب زوجها تحت نظرات أسامة المشفقة على والده...
في الخارج...
كان ادهم يسير متجها نحو المنزل وهو يشعر برغبة كبير في النوم فهو ظل مع أسامة طوال فترة بقائه في مستشفى القرية ولم يتركه لحظة واحدة...
كان يسير في ممرات المشفى حينما سمع صوت أيهم يناديه وهو يجري وراءه فتوقف في مكانه والتفت نحوه متطلعا اليه بتعجب ثم ما لبث ان سأله ما ان وصل أيهم اليه: نعم يا أيهم، ماذا هناك؟!
تحدث أيهم بنبرة جدية: خذني معك في سيارتك وسوف نتحدث في الطريق...
وبالفعل ركب أيهم بجانب أدهم في سيارته متجهين الى منزلهم...
تحدث أيهم بنبرة جادة: ماذا سيحدث الان؟! كيف ستتصرفون مع عائلة زهران؟! لقد كادوا ان يقتلوا اخينا...
تطلع اليه أدهم للحظات قبل ان يعود ببصره ناحية الامام ويقول: لا اعلم، الموضوع بأكمله لدى والدك، هو سيحدد ماذا سيحدث في الفترة القادمة...
رد أيهم بشيء من العصبية: ما حدث كان جنون بحق، كيف يتجرئون على فعل شيء كهذا؟!
المشكلة انه لا يوجد دليل عليهم، الشرطة جاؤوا وهم يعلمون بأنهم وراء الحادث، ومع هذا لم يستطيعوا فعل شيء...
لم يحققوا معهم حتى؟!
تسائل أيهم بدهشة ليرد أدهم عليه: اقول لك بأنه لا يوجد دليل واحد عليهم وانت تطلب منهم ان يحققوا معهم...
ولكن كان عليكم ان تتهموهم بأنهم وراء ما حدث، وحينها كانوا سيحققون معهم بكل تأكيد...
كان أيهم يتحدث بنرفزة شديدة وهو يفكر بأن من حاول يقتل اخيه حرا لم يحاسب...
الامر ليس بهذه السهولة يا أيهم، كما ان والدي من طلب مني عدم ذكر اسم اي احد في التحقيق...
انا حقا لا افهم والدي وكيف يفكر...
قالها أيهم بعدم ادراك حقيقي لما يحدث ليرد أدهم بجدية: انه لا يريد ان يدخل في مشكة جديدة مع عائلة زهران.، يريد الخروج باقل خسائر ممكنة...
كان ادهم غير راضي عما يقوله ففي نظره السكوت عن الحق ضعف، لكن والده كان مصرا على ما يفعله ولم يستطع أدهم سوى مجاراته...
في القرية...
ميرا هيا استيقظي...
صوت طفولي مزعج ايقظها من حلمها الجميل، فتحت عينيها بإنزعاج شديد، لقد اقتحم هذا المزعج حلمها ومنعها من اكماله، اعتدلت في جلستها وهي ترمق اخيها الصغير بنظرات مشتعلة قبل ان تهتف به بغضب: من أرسلك إليَّ لتوقظني؟!
اجابها الصغير وهو يبتسم بإستمتاع غير مهتم بنظراتها الغاضبة ونبرتها المنفعلة: إنها ماما.، أخبرتني أن أوقضك حتى لا تتأخري على تجمع البنات...
زفرت أنفاسها بقوة وقالت بأسف: لقد أيقظتني من اجمل حلم رأيته في حياتي...
اقترب الصغير منها وجلس بجانبها على السرير ثم سألها بفضول طفولي: بمن كنت تحلمين؟!
تنهدت بصوت مسموع قبل ان تلمع عيناها و هي تقول: وهل يوجد غيره؟! بطل أحلامي وزائرها الدائم...
تطلع اليها الطفل بحيرة قبل ان يهمس متسائلا بعدم فهم: ماذا تقولين يا ميرا؟! انا حقا لا افهم عليك...
اغمضت ميرا عينيها وقالت وهي تبتسم بحالمية: ومن سيفهم عليَّ اصلا؟! لا احد...
ثم اردفت بعدما فتحت عينيها وقد وعت اخيرا كونها تكلم اخيها الصغير ذو السبع سنوات: ما علاقتك انت أيها الصغير؟! لماذا تحشر نفسك في أمور اكبر منك؟!
وقف الطفل على السرير وقال وهو يقفز بجنون: ميرا مجنونة، مجنونة ميرا...
قبضت ميرا على ياقة قميصه وأسقطته على السرير بجانبها وقالت بأنف غاضب: من هي المجنونة أيها البغيض؟!
كان الطفل يحاول كتم ضحكاته بكف يده بينما يشير بيده الاخرى نحوها مؤكدا انها المجنونة الوحيدة في هذا المكان...
انقضت ميرا عليه تتغدغه وهي تهتف به: أيها المشاكس، سوف أقتلك...
توقفت ميرا عما تفعله حينما شعرت بوالدتها تقف فوق رأسيهما...
رفعت وجهها الضاحك نحو والدتها وقالت: صباح الخير ماما...
لم تجبها الام بل تسائلت بضيق: ماذا يحدث هنا ؟!...
بعدها اردفت بشيء من الحدة: أنتما الاثنان ألا تكفان عن تصرفاتكما الطفولية هذه؟!
ثم قالت وهي تشير بإصبعها نحو الصغير: مصطفى، انهض وغير ملابسك، سوف نذهب الى بيت خالتك...
واشارت لميرا: وانتِ سوف تتأخرين على موعدك مع البنات...
نهضت ميرا من مكانها وقالت وهي تغرس اصابعها في شعرها: لا تقلقي، لن اتأخر عليهم، ما زال الوقت مبكرا...
ردت الام بجدية: حبيبتي يجب ان تجهزي نفسك وتاخذي حمام سريع ايضا...
اقتربت ميرا منها وقرصتها من وجنتها قبل ان تقول بعبث: حاضر دودي، أنتِ تأمرين...
ضربتها الام على وجنتها بمزاح وقالت ببغض: كفي عن مناداتي بهذا الاسم السخيف، وإلا سأناديكي بمرمر...
ضربت ميرا الارض بقدميها وقالت: اسمي ميرا، ودلعي ميرو، من أين جلبتهم مرمر هذا ايضا؟!
ومن أين جلبتي أنتِ دودي؟!
احاطت ميرا خصرها بذراعيها وقالت: وما به دودي؟!
قلدتها الام بطفولية: وما به مرمر؟!
اسم بغيض...
قالتها ميرا لترد الام بجدية: اذا لنعقد اتفاق صغير، سوف تلغين اسم دودوي من الوجود، تنسيه تماما، وانا سأنسى اسم مرمر ايضا...
ابتسمت ميرا وقالت وهي تمد يدها نحو والدتها: اتفقنا...
اتفقنا...
كانت هذه هي طبيعة العلاقة بين ميرا ووالدتها دينا، علاقة صداقة اكثر مما هي علاقة ام وإبنتها، فميرا كانت الابنة الوحيدة ولا تمتلك صديقات مقربات غير بنات عمها لذا فكانت والدتها الاقرب إليها الامر الذي جعل الترابط بينهما قوي ومتين وخصوصا دينا بشخصيتها العفوية المرحة...
خرجت دينا من غرفة ابنتها لتقفز ميرا نحو حاسوبها الشخصي، فتحت الحاسوب وتحديدا موقع الفيسبوك واخذت تقلب فيه حينما لمحته حسابه الشخصي نشط الان...
ضغطت على حسابه وبعثت رسالة له تقول فيها:
صباح الخير
جاءها الرد بعد لحظات:
صباح الورد،
ابتسمت لا اراديا قبل ان تاتيها رسالة اخرى منه:
لماذا مستقيظة مبكرا في يوم الاجازة؟!
اجابته:
لانني سأجتمع مع البنات اليوم،
هل ما زلتم متمسكين بهذه العادة؟! اجتماع اسبوعي في أحد الاماكن الجديدة،
نعم، ولما سنغيرها؟!
ارسلتها له ليرسل لها:
كيف حال خالي و زوجة خالي؟!
اجابته على الفور:
انهما بخير، وانت كيف حالك؟!
انا بخير، المهم طمنيني عنك، ما اخبار دراستك؟!).
ابتسمت بسعادة كونه يهتم لأمرها ويتذكر أمر دراستها، اجابته و ابتسامتها تتسع تدريجيا:
جيدة للغاية، الاولى كالعادة،
ارسل لها إيموشن يبتسم قبل ان يرد:
احسنتي صغيرتي.، صحيح هناك هدية ارسلتها لك، ستصل بعد يومين الى منزلي، لا تنسي ان تأخذيها،
وضعت كف يدها على قلبها تتنهد بحب فهاهو لا ينساها ابدا ويذكرها دائما...
انتظرها بكل شوق.، ).
ارسل إيموشن يبتسم لتبتسم بحب وهي تغلق الحاسوب، نهضت من مكانها واتجهت نحو سريرها، تمددت عليه وهي شاردة في حبها الوحيد، نعم الوحيد فهي منذ ان وعت على هذه الدنيا وهي تحبه...
وجدت نفسها تحبه، وكأن حبه مكتوب عليها منذ الازل، ابتسامة رقيقة تكونت على شفتيها وهي تتذكر علاقتهما سويا وكيف كانت قبل سفره، كيف كان يتحدث معها ويدللها ويمنحها الكثير من الالعاب والهدايا دونا عن غيرها؟! كانت مميزة بالنسبة له..
مثلما كان هو اساس كل شيء بالنسبة لها...
افاقت من شرودها على صوت هاتفها يرن، مسكت الهاتف وضغطت على زر الاجابة لتقول بسرعة: نعم رزان...
جاءها صوت رزان يقول: لا تتأخري علينا.، انهضي وغيري ملابسك بسرعة حتى نذهب بسرعة...
ردت عليها ميرا: حسنا سأكون موجودة عندك بعد نصف ساعة...
ثم اغلقت الهاتف معها ونهضت بسرعة من مكانها واتجهت الى خزانة ملابسها، اخرجت الملابس التي اختارتها مسبقا والمكونة من بنطال جينز برمودا وقميص اخضر قطني، وضعتهما فوق السرير ثم حملت منشفتها ودخلت الى الحمام.، خرجت بعد حوالي عشر دقائق وهي تحيط جسدها بالمنشفة، جففت شعرها جيدا بمنشفة اخرى ثم خلعت المنشفة وارتدت ملابسها على عجل، وقفت امام المرأة تسرح شعرها الاحمر الطويل، وضعت عطرها المفضل وخرجت من الغرفة بعدما حملت حقيبتها واتجهت الى منزل عمها حيث ينتظرنها بنات عمها...
هل إنتهيتم أم بعد؟!
كان هذا سؤال ليلى وهي تدلف الى غرفة اختيها ملك و مريم...
وجدت مريم قد انتهت بالفعل من تحضير نفسها اما ملك فقد خرجت من الحمام وهي تعدل من وضعية قلادتها الطويلة...
لم يتبق لي سوى القليل...
قالتها ملك بسرعة وهي تقف امام المرأة تعدل من هندمة ملابسها...
يا الهي يا ملك، دوما ما تتأخرين...
قالتها ليلى بضيق جلي لترمقها ملك بنظرات محذرة من ان تكثر الحديث قبل ان تضع احمر الشفاه اللامع على شفتيها...
ولجت فرح هي الاخرى الى الداخل وقالت بنبرة مستعجلة: هيا سوف نتاخر على البنات...
هل ستاتي سلوى اليوم؟!
سألتها ملك وهي تضع عطرها على رقبتها وملابسها لتهز فرح رأسها نفيا وهي تجيب: للاسف لا تستطيع المجيء، الحمل اصبح يتعبها كثيرا...
انا جاهزة...
قالتها ملك بسعادة لتهنف ليلى بسرعة: هيا بنا اذا...
خرجن الفتيات الاربعة من الغرفة متجهات الى مكان التجمع المعتاد...
على ضفة احد الانهار التي تمر بالقرية تجمعن فتيات عائلة زهران سويا...
كان يوم السبت هو يوم تجمعهن المعتاد، حيث يتجمعن كلهن في احد الاماكن الترفيهية ويأخذن معهن مختلف اصناف الطعام و اشياء اخرى للعب وتناول الطعام...
فرشوا شرشف كبير على الارض القريبة من النهار ورتبوا اغراضهن قبل ان يجلس البعض منهن على الشرشف يتسامرن سويا والبعض الاخر يلعب التنس والبعض يلعب كرة القدم وهكذا كن يقبضين الوقت باستمتاع شديد حتى ياتي المساء فيعودن الى منازلهن...
توقفت فرح عن اللعب بكرة القدم وتوجهت نحو ليلى التي تجلس لوحدها منفردة تتأمل النهر بملامح شاردة يبدو عليها الحزن...
اقتربت فرح منها وجلست بجانبها متسائلة بقلق: هل حدث شيء ما يا ليلى؟! تبدين قلقة...
تنهدت ليلى بصوت مسموع قبل ان ترد: خائفة يا فرح، خائفة من ان يحدث شيء ما قبل الزفاف...
عقدت فرح حاجبيها متسائلة بحيرة: ولماذا سيحدث شيء سيء مثلا؟! من أين تأتيكِ هذه الافكار لا افهم؟!
اجابتها ليلى: ألا ترين الاوضاع في البلدة، انها سيئة للغاية منذ محاولة قتل ابن الهاشمي، يبدو الجميع متأهب لحدوث شيء ما...
ربتت فرح على كف يدها وقالت محاولة ابعاد هذا الشعور السيء عنها: لا تقلقي، انا واثقة من ان زفافك سيتم بخيرر، وسيكون افضل زفاف يحدث في العائلة كما تمنيتي دوما...
ابتسمت ليلى بضعف وقالت: اتمنى هذا...
احتضنتها فرح بحب لتسمع صوت يقول بحزن مفتعل: احضان هكذا امامي.، في العلن، دون مراعاة لمشاعري...
ابتعدت ليلى عن احضان فرح وقالت وهي تفتعل الحرج بينما تغطي وجهها بكف يدها: يا الهي.، لقد فضحنا...
مجانين، حقا مجانين...
قالتها فرح بسخرية لتجلس الفتاة بجانبها وتقول: لا يوجد مجنون غيرك هنا...
ردت فرح عليها: احترمي نفسك يا فتاة، راعي فرق السن بيننا على الاقل...
ضربتها الفتاة على ذراعها وقالت بعبث: حاضر ماما...
التفتت فرح نحوها وقالت بعصبية مصطنعة: نعم، من ماما؟! هل تقصدين بأنني عجوز أيتها المشاغبة؟!
عجوز، !!
ردتتها الفتاة بذهول لتومأ فرح برأسها وهي تقول: نعم، انظري الى سنك، سوف تدخلين الجامعة العام المقبل...
هذا يعني ان أمي التي هي عمتك عجوز...
ابتلعت فرح ريقها وقالت بابتسامة متوترة: رزان عزيزتي، انا امزح معك...
ثم اردفت بنبرة شبه باكيةة: بالله عليكِ لا تخبري عمتي بما قلته، لقد كنت امزح...
والله ساخبرها، واخبر الجميع، اسمعوني...
وضعت فرح كف يدها على فمها وهي تقول: اخرسي أيتها المعتوهة، تريدين فضحى أليس كذلك؟!
قهقهت ليلى عاليا وقالت: فرح اتركيها، سوف تخنقين الفتاة...
الا ان فرح ردت بعناد: انها تريد فضحي، اذا علمت حنون بما قلته سوف تقسمني الى نصفين، ولن تتردد دقيقة واحدة في فعل هذا...
دفعتها رزان بعيدا وقالت: حسنا لن اخبرها، لكن فقط ابعدي يدك عني...
تنهدت فرح براحة قبل ان تهتف بها: لقد افزعتني يا فتاة...
وما إن اكملت فرح كلماتها حتى قفزت رزان من مكانها وقالت وهي تركض بعيدا بينما فرح تركض ورائها: سوف اخبرها بكل شيء...
في منزل ابراهيم زهران...
الجد الاكبر لعائلة زهران كان جميع رجال العائلة مجتمعين يناقشون ما حدث قبل أسبوع ويحاولون ايجاد حل سريع له قبل ان تتفاقم المشكلة...
تحدث ابراهيم الجد قائلا بنبرته الرصينة المعتادة: اسمعوني جيدا، نحن يجب ان نضع حدا لما يحدث، عائلة الهاشمي يريدون ان يأخذوا بثار ابنهم بأي طريقة، وانا لا اريد ان يمسس أيا منكم سوءا...
تطلع الابناء والاحفاد اليه بانتباه شديد قبل ان يهتف كاظم وهو الحفيد الاكبر للعائلة: وماذا سنفعل يا جدي؟! هل يجب علينا ان نتحمل ذنب لم نقم به؟!
نعم يا كاظم، سنتحمل ما حدث لان الجميع يظن اننا وراءه، وحتى لو حلفنا لمئة عام بأننا لسنا وراءه فلن يصدقنا احد...
قالها الجد حاسما الموضوع ليرد كامل بدوره: وما المشكلة ان كنا وراءه؟! أليس هذا حقنا؟! ألم يقتل رياض الهاشمي عمنا؟!
قاطعه والده حسين: كامل لا تتحدث هكذا، انت ستثبت التهمة علينا بطريقة كلامك هذه...
الا ان كامل اصر على حديثه: انا لا احاول ان اثبت التهمة بقدر ما احاول ان أبين بأن هذا حقنا، بيننا وبين هذه العائلة دم كبير، دم لن ينتهي مهما حدث...
قال الجد ابراهيم بصرامة منهيا هذا الحوار: حسنا، هذا ليس بالوقت المناسب لهذه الأحاديث، انا جلبتكم الى هنا لاخبركم بقراري، طوال اسبوع وأنا أفكر بما حدث، تحدثت مع الشيخ عبد الله، وهو قدم لي مقترحا، وانا وافقت عليه..
تطلع الجميع اليه بترقب قبل ان يقول حميد ابن اخيه ووالد ليلى وفرح: تحدث يا عمي، نحن نسمعك...
سعل الجد بشدة قبل ان يقول بجدية: لقد قررنا ان ننهي هذا الثأر بشكل نهائي، والحل الوحيد لإنهاؤه هو الزواج...
حملق الجميع به بصدمة غير مستوعبين لما يسمعونه على لسان جدهم الذي اكمل بنبرة قوية: لا تنظرون اليَّ هكذا، هذا قرار نهائي، كاظم سيتزوج من ابنة رياض الهاشمي، وفرح ستتزوج من ابنه...
ماذا؟!
صرخ بها كامل بعدم استيعاب قبل ان ينتفض من مكانه ويهتف بغضب: مستحيل، فرح لي ولن يأخذها احد مني...
ضرب الجد بعصاه على الارض وقال بصوت صارم: لقد قررت وانتهى يا كامل، لقد تأخرت كثيرا في طلبك هذا...
تحدث كاظم بدوره: ولكن يا جدي هذا قرار صعب، يعني...
قاطعه الجد بجدية: انت اكثر من يؤمن بالعادات، وما نفعله هو جزء من العادات...
فرح ما ذنبها يا عمي؟! كيف سنضحي بها بهذه السهولة؟!
كان هذا كلام حميد الذي تحدث اخيرا بعدما استوعب قرار عمه ليهتف الجد به: هذا نصيبها يا حميد، كما ان عائلة الهاشمي سيضحون بإبنتهم ايضا...
ثم نهض من مكانه ووقف في وسط الصالة مستندا على عكازته وقال منهيا الموضوع: لقد اتخذت قراري وانتهى، وانتم سوف تقبلون بكل ما قررته، ومن سيجادلني يعتبر نفسه خارج هذه العائلة..
ثم تحرك خارج المكان تاركا اياهم مصدومين مما يسمعونه، هذه كانت طبيعة ابراهيم، فهو يقرر دوما ويأمر، والجميع بالطبع ينفذ، لا احد يجرؤ على مقاطعته او عدم تنفيذ كلامه، كلامه بالنسبة لهم قانون واجب تنفيذه...
لحق حسين بإبنه كامل وهو يهتف به: كامل انتظر...
توقف كامل في مكانه بينما اقترب منه والده وقال: اهدأ يا بني قليلا ودعنا نتحدث...
رد كامل بعصبية: بماذا نتحدث يا ابي؟! ألا ترى ما حدث؟! فرح ستتزوج من ابن الهاشمي...
قال حسين بجدية: يا بني هذا قرار جدك.، ونحن لا نستطيع ان نعارضه...
لماذا فرح بالذات دونا عن غيرها؟! لديه الكثير من الحفيدات، لماذا اختار فرح؟!
زفر حسين انفاسه بقوة وقال: لا اعلم، ولكن سأقولها مرة اخرى هذا قراره...
لقد حكم جدي عليً بالإعدام بقراره هذا...
بني، اهدأ من فضلك...
قالها محاولا تهدئته ليبتعد كامل عنه ويتجه خارجا من المكان بأكمله تاركا والده يتابعه بنظرات متحسرة...
في صباح اليوم التالي...
دلفت الى شركة عائلتها واخذت تسير بخطواتها ذات الصوت العالي بسبب كعب حذائها العالي الرفيع...
كانت ترتدي تنورة سوداء قصيرة فوق ركبتها بقليل تنسدل على جسدها كجلد ثاني فتبرز منحنياتها الانثوية الصارخة، فوقها قميص ابيض بأكمام شفافة، شعرها البني مرفوع بشكل تسريحة عالية تبرز ملامحها الانثوية الصارخة...
اخذت انظار الموظفين تتجه نحوها ما بين اعجاب شديد بجمالها وخوف منها بسبب تحكمها وعصبيتها المفرطة...
سارت متجهة نحو مكتبها في الطابق السادس، ركبت المصعد وضغطت على رقم ستة، خرجت من المصعد واتجهت نحو مكتبها، دلفت اليه بعدما القت تحية مقتضبة على السكرتيرة، جلست على مكتبها لتجد السكرتيرة تقترب منها وتضع امامها مجموعة ملفات لتعمل عليها...
اخذت الملفات وبدأت تعمل عليها فورا حينما دلف ادهم الى الداخل وتقدم منها راميا احد الملفات في وجهها...
رفعت نظراتها المشتعلة نحوه لتجده يسألها بنبرة غليظة: لماذا لم توقعي على العقد؟!
اخذت تعبث بالقلم الموضوع على الطاولة قبل ان تجيبه ببرود: لأنني غير مقتنعة به...
الاء، ما معنى هذا الكلام؟! الجماعة ينتظرون تواقيعنا حتى يبدئوا بتنفيذ المشروع...
ضربت المكتب بكفي يديها ونهضت من مكانها قائلة بصوتها الحاد الرفيع: وانا قلت لن اوقع، هذا المشروع لم يقنعني بتاتا، هل ستجبرني عليه وانا لا اريده؟!
اقترب ادهم منها وقال: انت ترفضين المشروع فقط لكونه من طرفي، تحاولين ان تغضبيني بأي شكل...
ابتسمت بسخرية وقالت: اذا كنت تظن هذا بي فهذه مشكلتك وليست مشكلتي...
سوف توقعين يا الاء.، لا يوجد امامك خيار اخر...
ردت بتحدي سافر: لن اوقع.، وافعل ما شئت...
حسنا لنرى اذا...
قالها ادهم بتوعد ثم خرج من مكتبها لتجلس الاء مرة اخرى على كرسيها وتفكر فيما حدث بينها وبين ادهم...
لم تكن هذه المرة الاولى التي يتشاجران بها ويتعاندان، فعلاقتهما اسوء مما يتخيلها اي احد، ولكنها لا تبالي او تهتم بهذا، فالسبب في كل هذا هو ادهم نفسه وهو يعرف هذا جيدا ويدركه...
ابعدت تلك الافكار عن رأسها وعادت بتركيزها نحو اعمالها من جديد حينما دلفت السكرتيرة اليها تخبرها بقدوم أحدهم، رفعت نظراتها الصلبة نحو السكرتيرة وقالت بصوت قوي: ادخليه...
دلف الشاب بعد لحظات وتقدم نحوها وهو يحمل باقة ورد حمراء...
تفضل...
اشارت له ليجلس على الكرسي المقابل له فيسألها: كيف حالك؟!
ماذا تريد.؟!
ابتلع ريقه من سؤالها الجاف فأجابها بتوتر: اشتقت اليك الاء، اشتقت اليك كثيرا...
قبضت على القلم الموضوع بين يدها بقوة حتى كادت ان تكسره لترد بقوة: لا تتحدث معي بهذه الطريقة، اذا كان لديك شيء قله، وإلا فإصمت...
الاء انا ما زلت احبك...
ردت عليه بنبرة قاسية: لا تتحدث عن الحب، انت بالذات لا تتحدث عنه، وكلانا يعرف لماذا...
اذا انت لن تسامحيني، لماذا لا تفهمين؟! انا فعلت كل هذا لأجلك...
ابتسمت بسخرية قبل ان تهتف بتهكم: كف عن اختراع الاكاذيب بالله عليك...
الاء انا...
قاطعته بصرامة: إما ان تقول شيء مهم يخص العمل وإلا فإخرج منها قبل ان اطردك...
تطلع اليها بنظرات مترجية لتهتف به وهي تخفض بصرها نحو الملف الموضوع امامها: المقابلة انتهت...
نهض من مكانه ووضع باقة الورد على الطاولة خاصتها ثم خرج من المكان تاركا اياها تطالعه بنظرات كارهة قبل ان تنهض من مكانها وتحمل باقة الورد وترميها ارضا داعسة عليها بقدمها...
دلف ادهم الى غرفة مكتبه بعدما اغلق الباب خلفه بقوة...
جلس على كرسيه خلف مكتبه وهو يكاد ينفجر من شدة الغضب...
لم يتوقع يوما ان تصل الامور بينه وبين الاء الى هذا الحد...
لكنها دائما ما تثير استفزازه وتتحداه بشكل مقصود.، لقد مل من اساليبها المعتادة لإغضابه وعناده.، هذا المشروع بالذات يريده ان يتم، لقد بذل به مجهودا خرافيا ولا ينوي ان يتركه دون ان يتممه بشكل كامل وكما يريد ولن يسمح لاي احد ان يقف في وجهه...
حمل هاتفه وفتحه، اخذ يبحث في هاتفه عن اسم معين حالما وجده ضغط بزر الاتصال عليه، لحظات قليلة وجاءه الرد بان الهاتف مغلقا، رمى الهاتف على مكتبه وهو يزفر بإحباط، لا ينقصه الا مشكلة جديدة فوق رأسه هو في غنى تام عنها، رمى الهاتف على مكتبه واخذ يفكر في حل لهذه المشكلة حينما لمعت في رأسه فكرة جعلته يحمل هاتفه مرة اخرى ويرن على رقم احد محلات الورود التي يتعامل معها بشكل دائم...
ارسل باقة ورد الى العنوان الذي سأرسله اليك واكتب عليه آسف...
مساءا
جلس كلا من ادهم وأيهم مع والدهم في مكتبه...
تنحنح الاب مصدرا صوتا شد انتباههم ثم قال بنبرة جادة للغاية: هناك موضوع هام يجب ان نتحدث به...
ما ان انهى كلامه هذا حتى فُتح الباب ودلف أنس الى الداخل...
قال أنس بصوت حرج بعدما اتجهت انظار الثلاثة نحوه: جئت لأشارككم جلستكم هذه...
رد الاب بإختصار محاولا عدم الخروج عن الموضوع الاساسي الذي يريد التحدث به: اجلس يا أنس...
قالها مشيرا الى الكنبة الذي يجلس عليها أيهم بينما يترأس الاب مكتبه ويجلس ادهم على الكرسي المجاور لمكتبه مقابلا له...
تحدث يا ابي، جميعنا نسمعك...
قالها أدهم بجدية جعلت الاب يسعل قليلا قبل ان يبدأ في حديثه: انتم تعرفون العداء القديم بيننا وبين عائلة زهران، مثلما تعرفون بأنني متهم بقتل اخيهم، وهذا أثار الكثير من المشاكل والعداء بيننا.، والنتيجة ان أخوكم أسامة كان احد ضحايا هذا العداء، وإن أبوا ان يعترفوا بهذا...
قاطعه ادهم وقد بدأ يفقد هدوءه: ماذا ننتظر يا ابي؟! لنبلغ الشرطة كي يحققوا معهم ويقبضوا على الجاني...
قال الاب بنبرة حازمة: لا تقاطعني يا ادهم، ثانيا هل تظن الموضوع سهلا، أين الدليل على أنهم كانوا وراء ما حدث؟!
اجابه ادهم بسرعة: الجميع يعرف طبيعة الخلافات التي بيننا والثأر القديم الذي يجمعنا...
نهض الاب من مكانه وسار نحو النافذة التي تقع في الحائط خلف مكتبه ووقف يتأمل ما خلفها موليا ظهره لأبناءه قائلا: حتى لو، هذا ليس بدليل كاف...
التفت نحو ابناءه مرة اخرى مكملا: نحن الان في مشكلة حقيقية، هناك دماء أريقت من جديد، واذا لم نحل هذه المشكلة سوف تراق المزيد...
وما الحل برأيك يا ابي؟!
قالها أنس متسائلا بحيرة قبل ان يردف: هل نترك البلد ونسافر الى مكان بعيد من هنا...
زمجر الاب به: ما هذا الكلام يا أنس؟! هل تظن بأن الهروب هو الحل؟!
اذا ما الحل يا ابي؟!
كان هذا السؤال من ادهم هذه المرة، رد الاب بتردد: لقد تحدث معي الشيخ عبد الله، شيخ القرية، هناك حل واحد فقط أمامنا...
صمت لوهلة بينما الجميع ينظر اليه بترقب شديد ليكمل بعد لحظات بشيء من القلق: الزواج، الزواج هو الذي سينهي هذا الثأر...
تطلع الابناء الثلاثة الى بعضهم بذهول قبل ان يقول ادهم بعدم تصديق: ما هذا الكلام يا ابي؟! ماذا يعني الزواج؟!
اجاب الاب موضحا ما يوجد خلف كلماته تلك: يجب ان يتزوج شاب منا من ابنة منهم، والعكس ايضا...
هل تقصد بأن ألاء يجب ان تتزوج بإبن عائلة زهران؟!
قالها أنس بعدم إستيعاب قبل ان يضحك بقوة وهو يقول: يا الهي، يبدو الامر مضحكا بالنسبة لي.، أتخيل منظرها حينما تعلم بهذا...
صرخ الاب به بتحذير: أنس، !!! هذا ليس بالوقت المناسب بمزاح...
صمت الاب قليلا وقال: تزوجها يا ادهم...
هكذا يقولها ببساطة وكأنه يطلب منه ان يجلب له كوبا من الماء، رباه لقد جن والده بكل تأكيد...
أبي ، هل هذه مزحة.؟! بالله عليك هذا ليس الوقت المناسب للمزاح...
الا ان الاب لم يتخلَ عن جديته وهو يقول: انا لا امزح يا ادهم، انت ستتزوج ابنة رحيم زهران، لا يوجد حل اخر سوى هاذ...
ولما أنا بالذات من يجب ان يتحمل شيء كهذا ويتورط بزيجة كهذه؟!
قالها ادهم وهو يشير الى نفسه مستنكرا ما يقوله والده الذي رد ببديهية: لأنك أكثر من يصلح لهذا...
لديك اربع ابناء غيري، جميعهم لا يصلحون لهذه الزيجة، !!!
رددها ادهم بتعجب من اصرار والده عليه اما الاب فقال بدوره: لقد اخترتك انت بالذات يا ادهم لأنني أثق بك...
ليتزوجها أسامة، !!
رد الاب بعدم تصديق: أسامة، !!! هل جننت يا ادهم؟! انه ما زال طالب جامعي...
رد ادهم بإصرار ونفاذ صبر: اذا ليتزوجها أيهم...
جحظت عينا أيهم الذي كان يتابع الموضوع والحديث الدائر بين اخيه وأبيه بلا مبالاة لينتفض من مكانه ويقول وهو يشير بيده نحو ادهم: ماذا تقول يا هذا؟! أيهم من الذي يتزوج؟! لا ترمي بلائك علي...
وهنا تدخل أنس أصغرهم في الحديث مقاطعا الجو المتوتر الذي ملأ المكان: هل إنتهيتم؟! سأتزوجها أنا...
ليصرخ به الثلاثة الاخرون بآن واحد: اخرس انت...
التفت الاب نحو ادهم وقال: هذا الزواج هو الحل لكل هذه المشاكل، فكر في اخوتك، بعدما حدث لن يسكت اي احد منا.، وسيحاول كلا منا ان يأخذ ثأره من الاخر...
أبي، ألا تفكر بي قليلا وبموقفي؟! كيف اتزوج من فتاة لا أعرفها؟! وفوق هذا كله فتاة من القرية، فتاة ريفية لا تعرف شيئا سوى رعاية الغنم وحلب الأبقار...
أكمل بعدها وهو يحدث نفسه بعدم تصديق: انا الذي رفض أن يتزوج من افضل الفتيات في هذه البلاد، أتزوج بواحدة كهذه...
توقف عن حديثه قليلا ثم قال: وحتى اذا وافقت انا، ماذا عن آلاء؟! كيف ستوافق على شيء كهذا؟!
تدخل أيهم في الحديث مؤيدا اخيه: نعم يا ابي، انت تعرف ألاء جيدا، انها لن توافق على شيء كهذا بكل تأكيد...
اتركوا الاء لي، انا سأقنعها...
قالها الاب بثقة استغربها الثلاثة الذين اخذوا يحملقون به بتعجب قطعه أدهم وهو يقول بحسم: أبي انا غير موافق على هذا، جد اي حلا اخر غير هذا...
الا ان الاب كان مصرا على ما قاله: ادهم، فكر بكلامي جيدا، وفكر في حياتك وحياة اخوتك.، ما حدث سوف يؤدي إلى اندلاع المشكلة من جديد، وحياتكم جميعا ستصبح في خطر...
تطلع اليه أدهم بعدم اقتناع ليكمل الاب: كما ان هذه الزيجة سوف تجعلك تربح الكثير...
قطب أدهم جبينه متسائلا بحيرة: ماذا تقصد؟!
اقترب الاب منه وجلس على الكرسي المقابل له وقال بجدية: هل تتذكر ذلك المشروع الذي حدثتني عنه، مشروع القرية السياحية التي اردت إنشائها في قريتنا، اذا تزوجت من ابنتهم سيكون بإمكانك انشائها هناك بكل سهولة، وليس هذا فقط، بل انك ستستفيد من الأراضي المجاورة للارض التي كتت ستنشأ المشروع عليها...
هل تقصد بأن تلك الاراضي تعود لعائلة زهران؟!
اجابه الاب بإبتسامة وقد بدأ يشعر بأن أدهم يستجيب لأفكاره: بالطبع، جميعها لهم، واذا اصبحت صهرهم فسوف تستطيع بكل سهولة شراء هذه الاراضي منهم...
صمت ادهم للحظات واخذ يفكر في حديث والده بجدية ليقول اخيرا بعد تفكيره: أيهم وأنس اتركونا لوحدنا قليلا...
تطلع الاثنان الى بعضيهما قبل ان ينهض أنس من مكانه ويشير الى أيهم بمعنى ان يخرجا...
خرج الاثنان فقال أنس لأيهم بصوت خافت: مالذي يريد أدهم قوله ولا يرغب بأن نسمعه نحن الاثنان؟!
مط أيهم شفتيه قائلا بجهل تام: لا اعلم...
اما في الداخل فقد اعتدل ادهم في جلسته وقال: انا سأوافق على هذه الزيجة.، ولكن بشرط...
شرط ماذا؟!
سأله الاب بسرعة وحيرة شديدة ليرد ادهم بعد لحظات: اريد منك ان تسجل ربع أسهم الشركات خاصتنا بإسمي...
اتسعت عينا الاب بعدم تصديق وهو يستمع لما يقوله ابنه...
ماذا تقول يا حميد؟! أبي قال بان فرح ستتزوج ابن رياض الهاشمي، !!!
كانت نجلاء مصدومة مما سمعته على لسان زوجه الذي اوما برأسه مؤكدا ما سمعته...
يا الهي، كيف يوافق على شيء كهذا؟!
قالتها بنبرة مرتجفة جعلت حميد ينهض من مكانه ويقترب منها ممسكا بها قائلا بنبرة قلقة متوسلة: نجلاء اهدئي، ليس جيدا عليك ان تتعصبي بهذا الشكل...
وانت كيف توافق؟! كيف تسمح له بشيء كهذا؟!
لقد اتخذ والدك قراره، وهو الان يريد رؤية فرح ليتحدث معها، من يعارضه سوف يعتبره خارج هذه العائلة، انتِ اكثر من يعرف والدك وطبعه، حينما يأمر بشيء لا يستطيع اي احد الوقوف بوجهه...
حتى لو، انا لن اضحي بإبنتي بهذه الطريقة...
كانت تتحدث بلهجة باكية، تشعر بالضعف اتجاه ما يحدث، هي لن تضحي بإبنتها بهذا الشكل.، لن تعطيها لهؤلاء، !
نجلاء اهدئي، اهدئي ودعينا نتحدث...
قالها محاولا تهدئتها قليلا لتصرخ بصوت عالي: فرح لن تتزوج من هذا الرجل وليحدث ما يحدث...
ثم صمتت تماما وهي تشعر بشخص ما يقف خلفها.، بينما تصنم الاب في مكانه وهو يرى مريم امامه تتابع ما يحدث بعينين دامعتين...
أبي.، هل ما تقوله والدتي صحيح.؟! فرح ستتزوج من ابن الهاشمي...
تطلع اليها الاب بنظرات محتارة فهو لا يعلم ماذا يقول لها...
ركضت مريم بسرعة واتجهت الى الطابق السفلي لتصطدم بليلى التي تطلعت اليها متعجبة: مريم ما بك؟! لماذا تبكين؟!
تحدثت مريم بلا وعي: سيزوجون فرح يا ليلى، سوف يزوجونها الى ابن الهاشمي...
وهنا اصطدمت مريم بفرح التي ذهلت تماما مما تسمعه...
شحبت ملامح وجه فرح لا اراديا واخذت تنقل بصرها بين الاثنين بعدم تصديق قبل ان ترتقي درجات السلم وتتجه نحو صالة الجلوس حيث يوجد والديها...
اقتربت منهما متسائلة بصوت مرتجف: هل ما سمعته صحيح؟! هل تنوون تزويجي بإبن تلك العائلة؟!
اصطدمت عيناها الحمراوتان بعيني والدها المصدومتين من معرفتها بهذا الأمر...
تقدم الاب نحوها واحتضن وجهها بين كفي يديه وقال: اسمعيني جيدا يا فرح.، هذا ليس بقراري، انه قرار جدك، هو من اراد هذا حلا للنزاع الكبير بين العائلتين...
ابتلعت فرح غصتها داخل حلقها وقالت: بهذه الطريقة، بتزويجي لرجل لا اعرفه...
ثم اردفت بألم شديد وهي تشير لنفسها: لما أنا؟! لما انا بالذات يا ابي؟! ألا يوجد غيري من يتحمل اخطاؤكم.؟! لماذا تضحون بي يا ابي.؟! اخبرني...
قالت كلماتها الاخيرة بصرخة قوية هزت ارجاء المكان لتجلس والدتها على الكنبة بإنهيار بينما يخفض الاب رأسه بإنكسار فهو لم يكن يملك جوابا مناسبا...
فرح اسمعيني...
ماذا سأسمع.؟! هل سترفض؟! هل ستمنع جدي من اتمام هذه الزيجة؟!
تطلع الاب الى زوجته بحيرة قبل ان يهتف بجمود: فكري في الموضوع اولا.، فكري به جيدا.، قبل ان تحددي قرارك...
خرجت فرح مسرعة من المكان وهي تمسح دموعها باناملها، قابلت ملك في طريقها فرحلت دون ام تلتفت اليها، بينما وقفت ملك ذاهلة تحاول استيعاب ما يحدث...
اتجهت فرح نحو حصانها، اخرجته من الحظيرة ثم تحركت به خارح الاسطبل، ركبت عليه وركضت به بلا وجهة محددة، وصلت فرح الى مزرعة جدها
فاوقفت الحصان هناك، هبطت من فوقه وربطته بإحدى الاشجار ثم تحركت الى داخل فيلا جدها...
استقبلتها الخادمة بابتسامة بشوشة تجاهلتها فرح على غير العادة وهي تسألها: اين جدي؟!
تعجبت الخادمة من طريقة فرح معها لكنها اجابتها: في غرفة مكتبه.، يقرأ الجرائد...
اتجهت فرح نحو غرفة مكتبة الجد، دلفت اليه ليرفع الجد بصره نحوها...
تعالي يا فرح، تعالي حبيبتي...
اقتربت فرح منه وجلست على الكرسي المقابل لكرسيه، بينما اغلق ابراهيم جريدته وخلع نظارته واضعا اياها على مكتبه...
لماذا انا يا جدي؟!
سألته فرح بصوت مبحوح لينهض ابراهيم من مكانه ويتجه نحوها يجلس على الكرسي المقابل لها...
لأنك اكثر من أثق به...
بالله عليك قل كلاما غير هذا...
صدقيني هذا اكثر سبب يجعلني اختارك انت...
هل تمزح معي يا جدي.؟! على اساس انني حفيدتك المفضلة، الاقرب لقلبك، كيف تضحي بي؟! كيف تتخلى عني؟!
كانت تتحدث وهي منهارة من البكاء لينهض الجد من مكانه ويتجه نحوها.، احتضنها بقوة وقال: اهدئي يا صغيرتي.، انتِ اقوى من هذا...
لا تفعل بي هذا يا جدي، ارجوك...
كانت تتوسله ان يرحمها.، ألا يحكم عليها بالاعدام...
رفع الجد وجهها نحوه متأملا عينيها الحمراوتين ووجهها المغطى بالدموع ليقول بجدية وحزم: انا اثق بك يا فرح، فلا تضيعي ثقتي بك...
ثم تحرك خارج المكتب مكتفيا بكلماته هذه لتنهار فرح باكية في مكانها...
خرجت فرح من منزل جدها وهي تكاد لا ترى امامها...
اصطدمت بجسد رجولي ضخم جعلها تتراجع الى الخلف قبل ان تصطدم عيناها بعيني كامل...
فرح هل انت بخير؟!
سألها بقلق لتهز رأسها نفيا وهي تمسح دموعها بأناملها فسألها مرة اخرى: ماذا حدث اذا.؟!
ثم اردف: يبدو انك علمت بقرار جدي...
اومأت برأسها دون ان ترد ليهتف بها فجأة: فرح ، انت لن توافقي على هذه الزيجة بكل تأكيد...
تطلعت فرح اليه بنظرات تائهة قبل ان يقبض على ذراعها ويقول: لا تتزوجيه يا فرح...
انا لا اريد يا كامل، ولكن كيف؟!
صمت كامل لوهلة قبل ان يقول: انا اعلم كيف...
سألته فرح بلهفة: كيف؟!
اجابها: لنتزوج يا فرح.، لنتزوج ونضعهم امام الامر الواقع...
نتزوج!
هتفت بها فرح بذهول ليكمل كامل مؤكدا كلامه: نعم نتزوج والان...
يتبع....