تراثنا العربي الأصيل ، مليء بالحكم والمواعظ والأمثال ، منها ما قيل في بيت شعري قديم فصار مثلاً ، ومنها ما قيل في صورة نصيحة وحكمة فصار مثلاً ، وكلها نتيجة مواقف متفرقة ، وما صار منها مثلاً ، تناقلته الأجيال حتى عصرنا الحالي ، للتعلم والعظة ، ومثلنا اليوم هو المثل القائل : عيُ الصّمتِ أحسنُ مِن عِيّ المنطِقِ ، وقد قيل هذا المثّل في قديم الزمان ، فهو مثّل من التراث العربي الأصيل ، وتُروى قصة المثّل كالتالي :مفردات المثل العربي الأصيل وأبيات الشعر :
العي بالكسر المصدر والعي بالفتح الفاعل يعني عي مع صمت خير من عي مع نطق ، وهذا كما يقال السكوت ستر ممدود على العي وفدام على الفدامة وينشد :خــــــــــــــــــل جنبيك لرام .. وامـــــــــــــــض عنه بســــــــــــلام ..
مـــــــت بداء الصمـت خـــيرًا .. لك مـــــــــــــن داء الـــــــــــــــكلام ..
عش من الناس ان استطعت .. ســــــــــــــــــــلام بــــــــــــــــــلام ..قصة المثّل العربي الأصيل :
قال ابن عون كنا جلوسًا عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : فجعل يتكلم وعنده رجل من أهل البادية ، فقال : له ربيعة ما نعدوّن البلاغة فيكم ، قال : الإيجاز في الصواب ، قال : فما تعدون العي فيكم ، قال : ما كنت فيه منذ ليوم .رواية أخرى للمثّل العربي الأصيل :
وحدث المنذري عن الأصمعي ، قال : حدثني شيخ من أهل العلم ، قال شهدت الجمعة بالضربة ، وأميرها رجل من الأعراب ، وخرج وخطب ولف ثيابه على رأسه وبيده قوس .فقال : الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين ، أما بعد فان الدنيا دار بلاء والآخرة دار قرار ، فخذوا من ممركم لمقركم ، ولا تهتكوا أستاركم ، عند من لا تخفى عليه أسراركم ، واخرجوا من الدنيا إلى ربكم قبل أن يخرج منها أبدانكم ، ففيها جئتم ولغيرها خلقتم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والمدعو له الخليفة والأمير جعفر قوموا إلى صلاتكم .الوجازة والفصاحة هو المعنى المقصود من المثّل :
قلت : ومثل هذا في الوجازة والفصاحة كلام أبي جعفر المنصور حين خطب ، بعد إيقاعه بابي مسلم ، فقال : أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية ، ولا تسروا غش الأئمة فانه لا يسره أحد إلا ظهر في فلتات لسانه ، وصفحات وجهه انه من نازعا عروة هذا القميص أو طأناه خب ، هذا الغمد وان أبا مسلم بايعنا وبايع لنا على أنه من ينكث عهدا ، فقد أباحنا دمه ثم نكث علينا فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا لا تمنعنا ، رعاية الحق له من إقامة الحق عليه .