بدأت قصتنا برسالة غامضة لرجال الشرطة ، تخبرهم بأن هناك آنسه تعيش وسط القاذورات وتأكل القمامة ، في منزل عائلة ثرية للغاية تُدعى عائلة مونييه ! وكانت السيدة مونييه إحدى سيدات المجتمع الباريسي الراق ، وزوجها كان يشغل منصبًا مرموقًا ، ولا يُسمع عنهم شيئًا سوى أنهم عائلة عريقة.ولم يكن في سجل العائلة الراقية سوى نقطة سوداء واحدة ، هي ابنتهم بلانش تلك الفتاة التي اختفت فجأة في ظل ظروف غامضة ، قبل 25 عامًا وقيل آنذاك أنها وقعت في غرام شاب لم يوافق أهلها عليه ، فقامت بالهرب برفقته ، وفي ظل تجنب آل مونييه الحديث عن ابنتهم ، تعددت الشائعات والأقاويل التي لاحقت العائلة ومنزلهم الفخم القابع بأحد أحياء العاصمة .حيث روى العديد من الخدم بأنهم عند دخولهم للقصر ، كانوا يسمعون صرخات وآهات مكتومة ، لا يدري أحدهم مصدرها ، وبما أنها عائلة راقية للغاية فقد اشتبه البعض في وجود أشباح بالمنزل .ومع وصول تلك الرسالة إلى رجال الشرطة ، قرر المحقق والذي كان على علم بقضية ابنتهم المختفية ، أن يرسل رجاله للتحقق من الأمر ، وبالفعل ذهب رجال التحقيقات إلى المنزل وقاموا بتفتيشه ولكنهم لم يجدوا شيئًا غريبًا ، وبالصعود إلى الأعلى وجدوا غرفة مغلقة ، وطلبوا من أهل المنزل فتحها فتحججوا بأنها ليس لها مفتاح ومغلقة فارغة ، هنا لم يجد رجال الشرطة بُدًا من فتح الباب عنوة ، وما أن فعلوا حتى هالهم ما رأوه .بمجرد أن فتحوا الغرفة ، وجدوا امرأة تقبع فوق فراش قذر ، عارية تمامًا ، ويغطيها لحاف مهترئ وقذر وحولها بقايا فضلاتها وطعام عفن ، وهنا تعرّف عليها المحقق بأنها الآنسة بلانش ، ابنة عائلة مونييه التي اختفت منذ سنوات عدة ، تم نقلها للمشفى لتلقي الرعاية اللازمة ، وقامت الممرضات بتحميمها وإطعامها والعناية بها.كشف رجال التحقيقات قصة بلانش ، حيث كانت طفلة جميلة للغاية تعيش مع جدتها ، بحكم سفر والدها الدائم من أجل العمل واصطحاب والدتها معه ، وبالتالي تعلقت الفتاة بجدتها الطيبة ، وتعرفت الفتاة على محامٍ شاب يكبرها بعدة أعوام ، وأحبته حبًا جمًا ، وكان الشاب جديًا في طلبه فذهب لوالدها ليتقدم لخطبتها ، ولكن طلبه قوبل بالرفض التام!فالرجل كان كاثوليكيًا من الطبقة النبيلة التي تدع للملكية ، بينما كان الشاب بروتستانتينيًا فقيرًا من دعاة الجمهورية ، ولعل هذا الاختلاف الجوهري سواء دينيًا ، وطبقيًا ، واجتماعيًا هو ما أجج فرص الرفض لهذا الزواج ، ومع ذلك لم ييأس الشاب وقام بالتقدم لطلبه عدة مرات ، وكان طلبه يواجه بالرفض في كل مرة .وظلت الفتاة على علاقة بحبيبها ، وكانت تراسله بخطابات تكورها على نفسها ثم تلقيها بالخارج ليلتقطها الحبيب ، وفي إحدى المرات سقطت الرسالة داخل سور المنزل ووقعت بيد أمها ، وهنا أدركت أن بلانش تخطط للهرب مع حبيبها ، فقامت بالتعاون مع زوجها بحبس بلانش في غرفة منفصلة في أعلى المنزل ، وحرمانها من الضوء والحياة ، وصارت الفتاة تلك الفترة منعزلة ، وقيل أن الشهود كانوا يسمعون أصوات بكاء وصرخات تطلب الرحمة والحرية .ومات والدها ولكن هذا لم يغير من الأمر شيئًا ، فقدت تمسكت والدتها بحبسها في غرفتها ، وعلى الجانب الآخر مات حبيبها بشكل مفاجئ بعد مرور عدة سنوات ، وبعد نشر الصحف صورة بلانش عقب إبقائها بالمشفى ، ثار الرأى العام على العائلة وطالبوا باسترداد حق بلانش .الأمر الذي دفع رجال الشرطة لنقل السيدة مونييه لمكان أكثر أمنًا ، ولكنها توفت عقب سجنها بـ 15 يومًا إثر تعرضها لأزمة قلبية ، وعقب حبس شقيقها لمدة ثلاثة أشهر ثم أطلق سراحه عندما تبين القاضي ، أنه ليس له يد في حبس شقيقته ، باع أخيها المنزل وذهب للعيش في الريف بعيدًا عن نظرات الناس ، بينما أودعت بلانش مصحة عقلي عقب اكتشاف الأطباء أنها غير متزنة عقليًا ، فظلت بها عشرون عامًا لا تتحرك وتحدق بالفراغ فقط ، إلى أن غادرت الحياة بقسوتها.