قصة لكاتب يوسف إدريس ، ولد في البيروم ، مركز فاقوس ، محافظة الشرقية ، في جمهورية مصر العربية وحصل على بكالوريوس الطب وتخصص بالطب النفسي ، واشتهر بكتابة القصص .بداية القصة :
في مثل هذا الأوان بصوت واهن وباهت ، بدأ كل شيء ، وبالطبع كانت المشكلة دائمًا أن يبدأ كل شيء ، مشكلته ومشكلة زوجته ومشكلة الآخرين ، فكان هناك وكانت الدنيا ليلاً مخيفًا ، وكان كل شيء مخيفًا بالفعل ، وهناك كلام كان لابد أن يقال لأحد ، حتى ولو لشخص واحد فقط ، المهم أنه لابد أن يعرف ذلك الشخص كل شيء .العمارة :
نفس العمارة ، العمارة التي يسكنها حاليًا ، قال لسايس الجراج والبوابين كل شيء ، وبالفعل وعوده أنهم حين يرونه سيخبرونه عن كل شيء بالتفصيل ، فقد كان السكان القاطنين فوقهم ، متفاهمين وكانت جيرتهم طيبه ، أما السكان الموجودين فى الشقه الأسفل منهم ، كان عددهم كبير جدًا داخل الشقة الواحدة ، وكان العدد كبير مثل النمل ، وعيونهم ونظراتها غير مريحة عند النظر اليها ، كانوا كأنهم لم يرو أنفسهم من قبل في مرآه .
فكما قال شكسبير :
العين ترى كل شيء ، ولا ترى نفسها
، لكن بالرغم من ذلك كانت عينيه أول عين تراهم ، ومن حينها وأحس كأن ضباب كثيف أمامه ، مثل ضباب الصيف الكئيب في يوم حار ، لم يعلم لماذا لم يختنقوا من ضبابهم ، بل بالعكس كانوا يستخدمونه كسترة لهم منه .محاولات صلح وتعايش سلمي فاشلة :
حاول كثيرًا استرضاءهم ، أرسل اليهم زوجته فقاموا بسبها ، وكأن المنطقه والبلدة ملك خاص لهم فقط ، وذلك لأنه وزوجته أصبحوا ضعاف ، فكل يوم تنتزع قطعه منهم ، حتى أصبحوا هاشين ، وعندما سمعوا سكان الضباب عن التأميم ، خرجوا من الضباب وقاموا بحصارهم ، ماذا يريدون منا ؟ ، لا نعرف ، رغم وسع البلد وغناها ، ماذا عن محاولة بيعها ؟ كم تساوي ؟ مليون ! ، مليون مليون مليون !أما حاليًا مصر لا تساوي شيء فقد سرقها اللصوص ، من قاموا بسرقتها ونهبها وسلبها ، نعم لصوص ، كما يوجد كثيرًا من الأسرار ولكن لا داعي لذكرها ، فقد حاول معهم كثيرًا ، باستخدام الحيلة مرة وباستخدام الذوق مرة لكن بلا فائدة ، كانوا يريدون كل شيء ، حتى ابنه كانوا يريدون أخذه هو الآخر .اتهام بالمرض:
وعندما خاف عليه ، تركه عند عمته في مصر الجديدة ، ولكنهم قاموا بتخدير الخادمه أيضًا ، إما أن تتركه بالعنف أم تتركه بالمحايله ، وكانت النتيجة أنهم قالوا عليه ما قالوا ، ولما حدث كل ذلك كان متوقع أن زوجته ستقف بجانبه ، أما ما حدث هو العكس تمامًا ، وكان لابد أن تأخذ موقف إما أن تكون معهم أو معه ، لكن للأسف حدث ما لا توقعه منها ، يمكن أن يكون السبب أن أحد من أهله اتهمها بشيء ما ، ويمكن أيضا أن تكون حالته التي هو عليها الآن هي السبب ، لقد رأى أن كل ذلك حدث بسبب خطأه هو وأهله ، فلو حدث وقاموا بالضرب هم أولًا ما كان حدث كل ذلك .الملكية وكشف الحقائق المزيفه :
ولا كان أحد أدخل الملكة (فريدة) في موضوع الخلاف ، فهى الجاره الساكنه أمامهم ، وكما هو الحال عند خروجه أو دخوله أصبح مراقب منهم ، وكما ذكرنا سابقا أن عيونهم صائبة مثل عمود البندقية وخصوصًا الجيران الساكنين أسفل منه ، بالتأكيد كانت عيونهم الصائبة لا يقصد بها الحسد ، فالحسد هين ، إنما يوجد ما هو أكبر من الحسد بكثير ، شيء مثل النار حينما يتم ايقادها فتحرق كل شيء .وعندما ظهرت الحقيقة واكتشف أن الملكة (فريده) لا ذنب لها فيما حدث ، بل كانت خارج الموضوع بالفعل ، وأن جيرانه فى الأسفل هما من لفقوا لها التهم ، فجاء أخوه الأكبر وصمم على أن يهجر ذلك المنزل ، لأنه لم يعد قادرا على الوقوف أمام شرهم ، فلا بد من التسليم بالأمر الواقع وترك المكان .قال لأخيه لا يمكن ذلك ، لا يمكن أن يهزموه هؤلاء الجيران ، فلا يكفي علينا (هو) ، (هو) الذي يعتقد أنه كل شيء ، وأننا مثل رغيف العيش الذي يقسمه قطعه قطعه ، حتى ينهيه لآخره ، (هو) من يسلط علينا الجيران في الأسفل لمراقبتنا بأعينهم الغويطه ، وأصر مؤكدا لأخيه على أنه انسان له كيان وعائله وأرض ، حتى لو استطاعوا انتزاعها منه فهي أرضه رغما عنهم جميعًا .تجنبهم :
كان دائما يحاول المكوث معظم الوقت داخل شقته ، حتى لا يصادفونه بأعينهم الغويطه ، سواء في المصعد أو السلم ، فقط اذا قمت بسؤالهم في الجراج ، سوف يقولون ما كان يحدث ، من محاولاتهم لاقتحام شقته ، سواء عن طريق الحبال من خلال الشبابيك فأغلق الشبابيك بالمسامير والأخشاب أو عن طريق أسفل الباب .فقام بوضع أكياس رمال وكنبة شقته حتى لا يستطيعوا الدخول للشقة ، وبعد فشل محاولاتهم اتهموه بالمرض ، وقالوا لجميع الناس أنه مريض ، وجميع الناس صدقتهم حتى زوجته ، وسمحت لهم بإعطائه مخدر حتى لا يقاوم .المخطط:
كان يعلم أنها خطة موضوعه ، وللأسف فقد اشتركت زوجته بساذجة تامة فيها ، كان يملك كلام كثير وخطير ، يريد أن يخبره الي أى شخص ، يخبره كل شيء يخبره الحقيقة حتى لا تضيع وسط كم الأكاذيب .كان يريد أن يخبر الجميع كيف تمت مقاومتهم ، كيف أنه رغم كل شيء لم يتركوا شقتهم ، وأن الملكة (فريدة) ، ليس لها ذنب في موضوع الخلاف القائم ، وكان يتعجب من استمرار الناس في الحياة بالرغم من كل شيء حدث ، كان يستعجب كيف يأكلون ويشربون وهم سعداء ، كان بالفعل يمتلك كلام كثيرًا ، ولكنه مستمر بصوت مثل الحفيف واهن وباهت ، لا يبالي بشيء ، ديسيمبر 1962م .