كيف تنتشر الأمراض المعدية ؟ ، ينحدر فراكاستور من عائلة من الأطباء من فيرونا ، وهو يعد نموذجًا للمفكر الإنساني في عصر النهضة ، كان قد تلقى تعليمه في جامعة بادوفا ، وكان طبيبًا ، وعالمًا للنبات ، وشاعرًا وموسيقيًا ، وفلكيًا ، وعالمًا في الرياضيات والجغرافيا ، وانتشرت سمعته على مستوى أوروبا .نحو عام 1509م أصبح الطبيب الشخصي للبابا ، وفي عام 1545م شارك كطبيب في مجلس الثلاثين ، وتم نقله إلى بولونيا بسبب وباء الطاعون ، وفي العام التالي نشر مؤلفه عن العدوى والأمراض المعدية ، وفيه دحض فكرة أن الأوبئة تأتي من أصل إلهي .وكانت نظريته تنص على أن العدوى تحدث بسبب انتقال جزيئات شديدة الصغر لا يمكن ملاحظتها بالحواس ، ولم يتم قبول هذه النظرية إلا عندما طوَّر الباحث أنطوني فان ليوينهويك المجهر ، الذي يستعمله في الأبحاث ، وفيه شاهد كائنات حية دقيقة ، وكانت نظرية فراكاستور هي الأساس لإنشاء مستوصفات الحجر الصحي .ثم في عام 1864م أثبت الطبيب الفرنسي كازيمير جوزيف بشكل تجريبي ولأول مرة أن مرض الجمرة الخبيثة يحدث بسبب ببكتيريا تنتقل من الحيوان للإنسان ، وهكذا فتح الطريق أمام العديد من الأبحاث في مجال علم الأحياء الدقيقة الطبية .وبعد ذلك في عام 1894م عمل ألكسندر يرسين على دراسة وباء الطاعون ، حيث اكتشف التشابه الكبير بين الأمراض التي تصيب البشر والتي تصيب الفئران ، وأصر ألكسندر على دور الفئران في نشر مثل هذه الأوبئة ، وسرعان ما أعد مصلًا ذا فعالية واستطاع إنقاذ حياة الكثيرين في كانتون وبومباي .ثم اكتشف عالم البيكتريا الفرنسي شارل نيكول عامل انتقال الحمى المعروفة بحمى التيفوس ، أثناء عمله مديرًا لمعهد باستير في تونس ، ثم حصل على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء والطب وروى شارل اكتشافه بشكل موسع في كتابه بيولوجيا الاختراع الذي يحتوي على تاريخ وتحليل العديد من الاكتشافات .وفي النص التالي لشارلي سنلحظ الاستنارة واليقين اللذين يصاحبانه :
الآن استطيع التحدث عن تلك الصدمة ، تلك الاستنارة المفاجئة ، ذلك الاستحواذ الذي تستحوذه الحقيقة على الذات ، وبذلك انكشفت لي طريقة انتقال ذلك الوباء .في صباح أحد الأيام أردت وأنا مأخوذ بالتفكير في لغز كيفية انتقال تلك العدوى دون أن أفكر فيه بصورة واعية أن اعبر باب المستشفى الإسلامي بتونس ، عندما استوقفني جسد إنسان ملقى على الدرجات ، وكان مشهدًا معتادًا أن نرى فقراء البلاد من المصابين بالعدوى في حالة حمى وهذيان ، يسيرون كالمجانين حتى يجدوا ملجأ يتساقطون عليه منهكون كالعادة ، عبرت الجسد المسجى ، وفي تلك اللحظة بالتحديد داهمتني لحظة الاستنارة .دون أدنى شك أنه هذا هو الحل وليس غيره ، وفجأة أظهر لي هذا الجسد الممدد والباب الذي ارتمى أمامه الحاجز الذي يمكن أن يتوقف عنده الوباء ، فكان المرض وهو مرض معدٍ في كل مكان في البلاد حتى العاصمة نفسها يتوقف ؛ ليصبح غير مضر بمجرد عبور الباب التابع للمستشفى .كان لابد أن العامل المسبب للعدوى لا يتجاوز هذا المكان ، إذن ما الذي يحدث في هذه المرحلة ؟ خلعنا ثياب المريض ، وحلقنا له وحممناه ، لابد أن ما يسبب له المرض شيء غريب عليه ، شيء يحمله في ملابسه أو على جلده ، وهو الذي لم يكن سوى القمل ، كان السبب هو القمل .وأخيرًا انكشف لي ما كنت أجهله ، الأمر الذي لم يلاحظه أي ممن بحثوا في المرض منذ بداية التاريخ ، حيث أنه مرض يعود إلى العصور السحيقة للإنسانية ، انكشف لي الحل القاطع المثمر لطريقة انتقال المرض .في أثناء هذه الفترة بعد ذلك الاكتشاف واجهت ما شعر به العديد من المكتشفون من شعور أن إثبات التجربة هو أمر غير مهم ، شعور كامل بانفصال في الروح ، وكذلك ملل عام ، كانت الأدلة قوية لدرجة منعتني من الاهتمام بالتجربة ، لو كان الأمر يقتصر على شيء يتعلق بي أنا فقط لما استكملت الأمر ، لكني لم أمضِ قدمًا إلا بسبب هذه الأرواح التي في انتظار حل لهذا الوباء المنتشر في البلاد .