لم يكن جون لي قد تجاوز الثلاثين من عمره ، عندما كان يسير بجسده النحيف ، في ممرات السجن أكستر ، في صباح 22 من فبراير عام 1885م ، وقد ضاعف من نحافته ذلك القميص الأبيض الرقيق الذي كان يرتديه ، وذلك السروال الأسود الضيق ، كان يسير وهو مرفوع الرأس ، وقد كان من الصعب على أحد أن يصدق حقيقة أن جون ، كان في طريقه خلال هذه الممرات ، إلى حبل المشنقة لكن جون لم يكن شخصاً عادياًظاهرة خارقة للطبيعة :
لقد ذاعت شهرته باعتباره الرجل الذي لم يتمكنوا من إعدامه ، فهو الوحيد الذى وقف من بين المحكوم عليهم بالاعدام ، فوق منصة المشنقة وعقدت خية حبل المشنقة حول عنقه ، وعاش ليحكي قصته ، التي تقشعر لها الأبدان ، لقد كان جون يعرف أنه لن يموت ، شاهد ذلك في منامه في الليلة السابقة لتنفيذ حكم الاعدام ، لقد رأى في منامه أن الثغرة التي يقف عليها ، فوق منصة المشنقة لم تنفتح ، وهذا هو ما حدث حقيقة .الجريمة :
عمل جون في الثلاثة سنوات السابقة لذلك اليوم الغريب ، في خدمة عانس عجوز تدعى الآنسة ايما آن كيز ، بمنزلها الكائن بدوفن بستاني ، بالإضافة الى غير هذا من الأعمال الصغيرة الأخرى التي كان يكلف بها .وكان جون يتقاضى لقاء ذلك من مخدومته الغنية البخيلة ، أربعة شلنات في الأسبوع ، وفي مساء 14 نوفمبر عام 1884م ، وجدت الآنسة ايما مقتولة في منزلها في حجرة الكرار ، وقد ذبحت بسكين البستاني الذي كان يستعمله جون ، وقد تم القبض على جون لي ، الذي كان ينام في حجرة صغيرة مجاورة لحجرة التخزين ، التي وجدت فيها الجثة ، ووجهت اليه تهمة القتل .الحكم:
وفي 4 يناير عقدت المحاكمة في أكستر ، وحكمت عليه المحكمة ، بالإعدام شنقاً ، ذلك لأن المحلفين لم يصلوا إلى استخدام الرأفة معه .حياة الضحية:
وقد ظهر من اجراءات المحاكمة ، أن الآنسة ايما كيز كانت قاسية على من يعملون في خدمتها ومن بينهم جون ، وتفرض عليهم العمل الشاق لساعات طويلة ، ثم تقدم لهم أقل القليل من الطعام ، ما يكفي بالكاد لإقامة أودهم ، ثم بعد ذلك تدفع لهم أبخس الأجور ، وقد خصت الآنسة ايما كيز ، عامل بستانها وخادمها جون بمعاملة أكثر قسوة ، فبالرغم من راتبه الصغير أصلًا ، كانت بين الحين والآخر تجري الخصم تلو الخصم على راتبه ، متعللة بأتفه الأسباب ، وقبل موتها مباشرة ، أخبرته أنها ستجري تخفيضاً ، قدره شلن كل أسبوع على راتبه ، وقد نظرت المحكمة باعتبار ذلك الدافع المباشر للجريمة .هدوء غير طبيعي:
وبالرغم من كل هذا ، فقد بدى جون في خلال محاكمته رابط الجأش ، هادئًا بشكل ملفت ، لم يكن يبدو كشخص يمكن أن يقتل في ثورة غضب مفاجئة ، ولفت هذا نظر القاضي ، وعلق عليه وهو يسأل جون ، اذا ما كان لديه ما يود الافصاح به ، فقال جون لي : السبب في هدوئي يا سيدي القاضي ، أنني لن أشنق … فالله يعلم أنني برئ .مشنقة الاعدام:
وبينما كان نائمًا ، نومًا عميقًا في الليلة التي سبقت الشنق ، كان رجال السجن يختبرون المشنقة ، التي ستكون أداة تنفيذ الحكم ، كانت قاعدة المشنقة ، التي يقف عليها المحكوم عليهم بالإعدام شنقاً ، تتكون من ضفتي باب يمسكها من أسفل ، ترباس يتم التحكم فيه عن طريق ذراع تتصل برافعة .وكان على الشخص الذي سيعدم ، أن يقف وقد وضع كل قدم على ضفه من ضفتي الباب ، وعندما يتحرك ذراع الرافعة ، يحبس الترباس ، فتهوى الضفتان الى الأسفل ، ويسقط المشنوق إلى بئر المشنقة ، معلقًا في حبلها من رقبته ، وجرى تجربة هذا الترباس ، خمس مرات وكان في كل مرة يعمل بشكل طبيعي .المنام :
وفي السابعة صباحاً من يوم 23 فبراير ، استيقظ جون لي ، وقد قص على حارسه تفاصيل الحلم الذي رآه في منامه ، فقال للحارس صموئيل بنيت : رأيت في منامي ، انني أقاد إلى حديقة صغيرة ، تنصب وسطها مشنقة ، ثم أدفع لصعود درجات المشنقة ، ثم وضع غطاء على رأسي ، وأدخل حبل المشنقة إلى عنقي ، وسمعت منفذ حكم الاعدام يدفع الرافعة ، وأحسست بالترباس يتحرك تحت قدمي ، لكن الباب الذي أسفلي لم يفتح ، لذلك أعتقد أنهم لم ينجحوا في اعدامي ، وبعد أقل من نصف ساعة ، تحقق حلم جون لي بتفاصيله .تنفيذ حكم الاعدام:
كانت المشنقة منصوبة بالفعل ، في حديقة صغيرة داخل أسوار السجن ، ولكن في مكان لا يتيح للسجناء ، أن يروا الحديقة أو المشنقة من زنزانتهم ، كما أن جون لم يكن يعرف بوجود حديقة داخل السجن ، وفي الساعة الثامنة ، غادر جون لي زنزانته ، واقتيد إلى حيث المشنقة ، وهناك جرى تقييد قدميه ، ووضع الغطاء على رأسه هابطًا حتى كتفيه ، ثم وضعت خية حبل المشنقة حول عنقه ، ودفعت الرافعة ، وسمع الجميع صوت الترباس وهو يتحرك من مكانه ، لكن جون لم يختفي داخل البئر ، لأن الباب أسفله بقي مغلقاً.دهشة الجميع :
ظل ضابط السجن ، ومنفذ حكم الاعدام وشهود التنفيذ في مكانهم ، وقد خيم عليهم الصمت المطبق وقد فغروا أفواههم ، لكن جون لي لم يتحرك من مكانه أو ينطق بشيء ، لقد كان أهدأ الموجودين في حديقة السجن .وعدما أزيح جون لي من مكانه ، انفتحت فوراً ضفتي الباب ، وأعيد جون إلى زنزانته ، بينما انهمك المختصون والمسئولون في فحص باب المشنقة ، وعند كل مرة ، كانت المشنقة تعمل ، بكفاءة تامة ونعومة كاملة .جيء بـ جون لي مرة أخرى الى المشنقة ، وفي المرة الثانية تكرر ما حدث في المرة الأولى ، فعادوا به الى زنزانته من جديد ، وعندما جرت المحاولة الثالثة ولم ينفتح باب المشنقة ، هنا فقط نطق جون لي من خلف غطاء الرأس ، الذي كان يهتز مع كلماته ، قائلًا : لن تتمكنوا من إعدامي .. فالله يعلم أني بريء .تخفيف الحكم لعدم استطاعة تنفيذه:
انهمرت الدموع من عيني القسيس ، الذي كان يحضر تنفيذ حكم الاعدام ، وقال برجاء : هذه ارادة الله .. لا يجب أن تحاولوا اعدام هذا الفتى مرة أخرى ، أمر ضابط السجن بإعادة جون لي إلى زنزانته ، وانهمك في كتابة تقرير عما حدث ، ، ورفعه إلى السلطات العليا ، وهكذا تم تخفيف الحكم من الاعدام إلى الحكم بالسجن المؤبد .وفاة جون:
أمضى جون لي 20 عامًا في السجن ، وعاش بعد ذلك 15 سنة أخرى بعد الافراج عنه ، حتى مات بشكل طبيعي عام 1920م .