كلما تم اكتشاف عناصر كيميائية جديدة بات تصنيفها ضرورة ملحَّة ، وهكذا لاحظ الكيميائي الألماني يوهان فولفجانج في عام 1816م ، أن هناك بضعة عناصر يمكن أن يتم تجميعها ثلاثيًا ، وذلك بحسب خواصها الكيميائية .ثم في عام 1863م قام ألكسندر إميل – وهو الأستاذ بمدرسة المناجم بباريس – بترتيب العناصر تصاعديًا بحسب وزنها الذري بشكل حلزوني مرسوم على هيئة أسطوانة ، وقام بتقسيمها إلى ستة عشر جزءًا متساويًا .ولاحظ أن العناصر الواقعة على نفس الخط الرأسي تمتلك خواص مشتركة ، لكن لم يكن النجاح حليف اكتشافه الذي اسماه باللولب الأرضي ، وفي عام 1864م لاحظ الإنجليزي جون ألكسندر أن بعد كل سبعة عناصر نجد نفس الخواص الفيزيائية والكيميائية المتقاربة .ولم يكن نتيجة اكتشافه هذا غير أنْ استهزأ به المجتمع الملكي وبما أسماه قانون المسافات ، وكذلك سألوه هل يمكنه الحصول على نفس هذه النتيجة عند ترتيب العناصر ترتيبًا أبجديًا ؟ ، وفي عام 1869م كان قد مضى عامان على التحاق ديميتري إيفانوفيتش مندليف بالعمل كأستاذ للكيمياء بجامعة سان بطرسبرج ، لكنه لم يكن راضيًا عن الطريقة التي يتم بها تدريس الكيمياء في ذلك الوقت .فلم يكن هناك أدنى ترتيب أو أدنى تجانس أو أدنى شيء مشترك بين العناصر ، وبالتالي يتيح تصنيفها بدلًا من عرضها على شكل مجموعات منعزلة من العناصر تمتلك بعض نقاط التشابه ؛ فأراد مندليف تيسير عمله كأستاذ بإيجاده لطريقة منطقية لتصنيف العناصر .كنا نعرف حينها أن العناصر أو الذرات تتحد لتشكل جزيئات أكثر تعقيدًا ، وهكذا فعندما تتحد ذرتا هيدروجين بذرة أكسجين فإنها تُكون جزئ الماء ، وتمتلك كل ذرة عنصر وزنًا خاصًا بها ، هذا لا يعني أنه بقدرتنا أن نزن كل ذرة بمفردها ، لكننا نعرف بفضل العديد من التجارب نسب العناصر التي تتحد معًا ، وعلى سبيل المثال عند حرق جرامين من الهيدروجين وستة عشر جرامًا من الأكسجين نحصل على ثمانية عشر جرامًا من الماء .ومن ثم لم يكن من الممكن معرفة الوزن الحقيقي لكل ذرة ، وإنما الوزن النسبي بالمقاربة بالذرة الأخف وهي الهيدروجين التي اتفق على اعطائها الوزن الذري 1 ، بينما الأكسجين 16، والنحاس 63، وهو ما يسمى بالوزن الذري أو الكتلة الذرية .وفي الأول من مارس عام 1869م ترك مندليف بطرسبرج لزيارة لأحد المصانع ، وأثناء رحلته التي كان منشغلًا فيها بالتفكير في الفصل الذي يجب أن يلي فصل المعادن في الكتاب الذي يؤلفه ، وخطرت له بغتة فكرة ترتيب العناصر تصاعديًا حسب الكتلة الذرية.وبطريقة لعب الأوراق استطاع تصنيف العناصر المعروفة في ذلك الوقت ، والبالغ عددها ثلاثة وستين ، وقد أدرك أن نفس السلوك الكيميائي يتكرر بشكل دوري ، وبعد تجنيب الهيدروجين الذي أصبح يمثل مصنفًا بمفرده بدأت القائمة بالليثيوم الذي يذوب أكسيده في الماء مخلفًا مادة قلوية ، وبعد سبعة عناصر نجد أن الصوديوم يتمتع بنفس الخاصية ، وبعده بسبعة عناصر نجد البوتاسيوم الذي يتمتع بنفس الخاصية أيضًا .عَمِلَ مندليف على تقسيم القائمة بعد كل سبعة عناصر ، وقام بكتابتها في سطور متتالية بحيث أصبح كل عمود في القامة يضم عائلة من العناصر لها سلوك كيميائي متشابه ، وفي ذلك الوقت كان هناك عالم يدعى يوليوس لوثر ماير – وهو أستاذ للكيمياء بالجامعة – قد قام بتقديم كتابًا لتلاميذه ، قام فيه بعرض بالطريقة التي استخدمها لتصنيف العناصر والتي كانت تصنيفها تبعًا لتكافئها .ولكن لسوء حظه لم تكتمل طباعة الكتاب إلا في عام 1870م ، أي بعد عام من نشر كتاب منافسه مندليف ، وقد كان النزاع حول الأولوية مصدرًا لعذاب مندليف لأعوام .