بدأت القصة عندما سمع دكتور مارتن سبنسر ، لأول مرة بقصة الرجل الذي يستطيع أن يظهر في مكانين متباعدين في وقت واحد ، وقد فكر في الموضوع كمادة مثالية للدردشة على مائدة الطعام مع ضيوفه ، واستبعد أن تكون الحكاية مستدعية لأي دراسة جادة .فهو كمدير لمعهد فيكتوريا ، للبحوث الروحية باستراليا ، قد سمع العديد من هذه الحكايات ، لكن واحدة من كل مائة منها ، كانت تستدعي بذل الجهد والوقت في البحث ، فعلى مدى السنين ، استطاع الدكتور مارتن سبنسر ، أن ينمي في نفسه غريزة شم الزيف والخداع من على بعد ، مما يجعله يكشف أمر أولئك الذين يطيب لهم محاولة خداع القائمين على أمر البحوث الروحية ، لذلك فإنه ما إن سمع بقصة هذا الرجل ، حتى وجد نفسه ينسبها الى الروايات المزيفة الملفقة ، ولكنه قد أخطأ هذه المرة في حدسه.ظاهرة خارقة للطبيعة:
فقد تصدرت مانشيتات الصحف العالمية ، في ربيع عام 1937م ، تفاصيل القصة العجيبة لذلك الرجل لويس روجرز ، الذي ثبت ظهروه في مكانين ، يفصل بينهما 500 ميل ، وفي نفس الوقت ونجح الرجل في هذا ، رغم المراقبة والملاحظة الدقيقة التي قام بها ، العلماء والباحثون في شئون ما وراء الطبيعة ، وحتى رجال الشرطة .فبينما كان روجرز يجلس في إحدى الحجرات بمدينة ملبورن ، اتصل فريق أخر من الباحثين تليفونيًا من سيدني ، ليقول أنهم عثروا عليه يسير في أحد شوارع مدينة سيدني .!قصة الرجل المعجزة :
قدم لويس روجرز من انجلترا إلى استراليا عام 1931م ، وكان حينذاك في الثلاثين من عمره ، واستقر في مدينة ملبورن يعمل كوسيط روحي ، ونتيجة لوسامته وحلو حديثه ، استطاع أن يكتسب جمهوراً واسعاً من السيدات المسنات ، اللائي كن يسعون إلى لقاء ، ولو خاطف مع الأحباء ، الذين فارقوا هذا العالم ، لقاء ثمن معقول .كان بإمكان روحرز أن يحقق لهن الحلم دون عناء كبير ، ولكن فيما عدا هذا لم يكن أحد يعرف شيئًا عنه ، فقد حرص أن يحيط نفسه بجو من السرية والغموض ، وكانت جملته المفضلة :
أنا تحت رحمة الأرواح ، أتجه إلى حيث يوجهونني
، وكان الجميع ينظر إلى تلك المقولة ، على أنها جانب من مستلزمات الحرفة.اكتشاف المعجزة :
وسارت الأمور على سيرها حتى التقت اثنتان من زبائن روجرز ، في ذات يوم من أيام الصيف عام 1935م ، في شارع من شوارع ملبورن ، فقالت أحداهما : لم أكن أعلم أن السيد روجرز انتقل إلى سيدنى ، لكن أختي قابلته هناك ، بعد ظهر الخميس الماضي ، وكان لها معه حديث طويل ، فقاطعتها الأخرى قائلة : لكن هذا مستحيل ، فقد كان عندي بالبيت ، طوال بعد ظهيرة الخميس الماضي ، وقد استحضر لي روح زوجي الراحل !!الشهره والغموض :
وبدأ انتشار الشائعات ، وامتلأ دفتر مواعيده فلم يعد لديه فراغ ، وقد ساعدت انتشار تلك الشائعات ، على مضاعفة ايمان الناس بهذا الرجل الغامض ، وقد أصبح في نظرهم رمزًا لوجود العوالم الأخرى ، وكلما حاول أحد زبائنه أن يسأله عن ما يتردد من شائعات ، إمكانية ظهوره في مكانين مختلفين في آن واحد ، كان روجرز يمد يده ليعيد ترتيب شعره الأسود الطويل مبتسماً ، ابتسامته الحزينة الغامضة .الموافقة على إجراء البحث:
تعددت وقائع ظهوره المزدوج ، ولاحظ الشهود أنهم إذا كانوا يتكلمون مع روجرز المتدفق حيوية ونشاطاً ، فإن البديل يبدو للشهود الآخرين ، منطوياً مشتت الانتباه ، ومع تزايد وقائع المشاهدة وانتظامها .اتصل بعض مساعدي الدكتور سبنسر ، وسألوا روجرز عما إذا كان يوافق على إجراء بعض الاختبارات العلمية ، فرفض بغضب ، أثار رفض روجرز ، فضول الدكتور سبنسر ، فقام بزيارته في حجرة الاستشارة التي تتدلى منها الستائر في سقفها على حوائطها ، وسأله عن سبب رفضه ، فأجابه روجرز أن زبائنه تثق به وتحترمه ، وأنه لا يسمح ببعض الأبحاث العلمية النظرية ، أن تخرب عمله ، لكن الدكتور سبنسر نجح في إقناعه آخر الأمر ، بقبول سلسلة التجارب المطلوبة.اجراء اختبارات البحث العلمي للظاهرة :
بدأ دكتور سبنسر اختباراته في إبريل عام 1937م ، فوافق روجرز على عدم مغادرة ملبورن لمدة ثلاثة أسابيع ، كما سمح للباحثين بتعقبه في كل جولة ، يقوم بها خارج بيته ، وفي 8 إبريل ، وبعد ثلاثة أيام من بداية التجربة ، أبلغ أحد الباحثين في سيدني ، أن رجل يدعى لويس روجرز ، قد حجز حجرة بأحد الفنادق ، وأنه توجه إلى هذه الحجرة بالفندق ، وقرع بابها ، ففتحه رجل أنيق ، له شعر أسود طويل لامع وقال : نعم ، أنا لويس روجرز ، وقد حضرت تواً من ملبورن .الشّك :
جرى تحويل المكالمة الى دكتور سبنسر ، وتحدث الباحث من سيدني ، قائلًا : أنه هنا معي ، فسمع دكتور سبنسر يقول : لا ، غير ممكن ، إنه يتناول الطعام معي الآن !
غير أن هذا لن يثير الكثير من دهشة الدكتور سبنسر ، فقد كان بإمكان شخصين متشابهين ، أن يقوما بمثل هذه الخدعة ، وفاتح روجرز في هذا ، فقال له روجرز : لقد بدأت أتعب من هذا كله ، وفي الثاني والعشرون من إبريل ، سأثبت لكم وبشكل قاطع ، أنني أتمتع بهذه القدرة الخارقة ، فربما تركتموني في حالي بعد ذلك.اثبات الظاهرة بالدليل:
في يوم السبت 22 من ابريل ، اقتيد روجرز إلى حجرة مكتب الدكتور سبنسر ، وأغلق عليهما الباب ، وفي حضور ثلاثة من الشهود ، طلب روجرز من الدكتور سبنسر ، أن يحدد كلمة سر يختارها ، أي كلمة تخطر في باله ، قال دكتور سبنسر على الفور ليلاك .جلس روجرز ساكناً لمدة ساعة ، ثم دق جرس التليفون ، كان ممثل الدكتور سبنسر من سيدني على الخط ، يقول أنه رأى في شارع مزدحم رجلاً ، يشبه لويس روجرز ، تصاعد الانفعال في الحجرة ، بينما بقي روجرز على هدوءه يتطلع بلا اهتمام كبير من نافذة الحجرة.وفي تمام الخامسة عصراً ، بعد ساعة من المكالمة الأولى ، دق جرس التليفون ثانية ، التقط دكتور سبنسر السماعة بعد أن أدار جهاز التسجيل ، المتصل بالتليفون ، فقال عامل التليفون : هنا سيدني ، لدي مكالمة لكم ، حبس دكتور سبنسر أنفاسه ، وهو يسمع قرقعة توصيل المكالمة ، ثم بعد ذلك الصوت الذي يقول : كلمة السر ..هي ليلاك .وفاة الرجل المعجزة :
مات لويس روجرز عام 1942م ، أثناء خدمته في القوات العسكرية الأسترالية في أوروبا ، ومات معه سره الذي كان إما خدعة محكمة ، تتجاوز في حبكتها كل الخدع ، وإما ظاهرة غريبة لم يصادفها البشر من قبل .