تمتد بعض الاكتشافات لعقود وتتطلب الإسهامات المبدعة لعدد كبير من العلماء ، وهذا هو ما حدث مع التصوير الفوتوغرافي : عمل الفيزيائيون على دراسة الضوء والألوان ، وعمل الكيميائيون على دراسة الأسطح الحساسة ومعالجتها ، وعمل المهندسون على صناعة أجهزة التقاط الصور .وكذلك علماء البصريات قاموا بتعديل ومعالجة العدسات والمرشحات ، ومؤخرًا متخصصون في الإلكترونيات وعلم الحاسوب ، وفي تاريخ التصوير الفوتوغرافي ، كان هناك دور حتى للفنانين ، وهنا سنعرض مرحلة محورية من ذلك التاريخ ، ولم تأت فكرة التصوير الفوتوغرافي من فراغ ، فمنذ أمد بعيد والعلماء مهتمون بدراسة عمل الضوء ، وكان المعروف أن الضوء الذي يدخل غرفة ما من فتحة صغيرة يكون صورة معكوسة على الحائط المقابل .وكان هو المبدأ المعروف بالغرفة السوداء وهو الذي عرفه أرسطو ، وقام بوصفه العالم العربي ابن هيثم وكان ذلك في القرن الحادي عشر ، وأيضًا ليوناردو دافنشي ، في عام 1558م لاحظ الفيزيائي الإيطالي جيمباتيستا ديلا بورتا ، إن وضع عدسة لامة على الفتحة يُحَسِّن من نقاء الصورة ، ومن جانب آخر لاحظ الخيميائي جورجيوس فابريسيوس عام 1565م ، أن كلوريد الفضة والمعروف بقمر القرن يتحول إلى اللون البنفسجي تحت تأثير الشمس .أي إن المبادئ الأساسية للتصوير الفوتوغرافي كانت معروفة قبل القرن الثامن عشر ، ومنذ ذلك الحين بدأ السعي لمحاولة تثبيت الصور على الورق ، وانكب العديد من الكيميائيين على هذه المسألة حتى نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر .وعلى هذا الأساس قام توماس ودجوود ابن الخزاف الشهير جوشيا ودجوود بتعريض ورقة عادية مبللة بنترات الفضة للشمس ؛ فتحولت الأجزاء المعرضة للشمس إلى اللون الأسود بينما ظلت الأجزاء المختفية بيضاء ، ولكن تعين عليه الاحتفاظ بهذه الصور في غرفة مظلمة ؛ لئلا تسود كلها ، وأصبح عليه أن يجد طريقة لتثبيت الصور التي حصل عليها .وفي عام 1816م حصل ﻧﻴﺴﻴﻔﻮر ﻧﻴﺒﺲ على صورة مثبتة على ورقة بكلوريد الفضة لكنها كانت نسخة سلبية ، ومن ثم تخلى عن هذا الطريق ، وبدأ يستخدم قار وهو قطران طبيعي معروف منذ القدم ، ويتم الحصول عليه من على سطح البحر الميت حيث يطفو من القاع على السطح .كان هذا القار يستخدم في تحنيط المومياوات عند المصريين القدماء ، وفي جلفطة السفن أو أعمال الردم عند البابليين ، وفي عصر نيبس كان قد بدأ استخراجه من الصخور إلا أن القار الذي يستخدمه لم يكن مستخرج من منطقة اليهودية .وفي عام 1820م توصل باستخدام القار المخلوط بزيت الخزامي ، والموضوع كطبقة رقيقة جدًا على معدني أو زجاجي إلى تثبيت صورة إيجابية يمكن رؤيتها بالانعكاس في إضاءة خافتة .وكان لابد من تعريض اللوح للشمس لثماني ساعات ، وإذا وُضِعَ في الغرفة السوداء كان القار يصبح صلبًا في المواضع الفاتحة ، بينما يظل طريًا في المواضع الفاتحة ثم كان يزيل القار بواسطة محلول مزيب مكون من معيار من الزيت وماء الخزامي ، وعشر معايير من الجاز وأطلق نيبس على طريقته اسم الحفر الشمسي .ولكن كان العيب الأساسي في ذلك القار أن حساسيته كانت الشديدة ، وبذلك كانت تتطلب المزيد والمزيد من التعرض للشمس ؛ وعليه فقد بدأت عملية البحث عن مواد أخرى ولكنه لم يتمكن من تكريس وقته واهتمامه للأمر بسبب المشاكل المالية التي كان يعاني منها إلا أنه لم يستسلم….في عام 1835م توصل داجير إلى أولى نتائجه باستخدام لوح مفضض معرض للضوء وبخار اليود ، وعرضه للضوء لعدة دقائق فقط بدلًا من ساعات في غرفة مظلمة ثم عرضه بعد ذلك لبخار الزئبق ، وحينها ظرهت الصورة ، وبعد مرور عامين أصبح بمقدوره تثبيت تلك الصورة ، وبهذا استطاع أن يتوصل إلى الداجيروتيب الشهيرة .ظهرت كلمة تصوير فوتوغرافي لأول مرة على لسان السير تشارليز ويتستون في خطابه ، والذي أرسله إلى ويليام هنري فوكس بتاريخ الثاني من فبراير 1839م ، والكلمة تأتي من اليونانية فوتو أي ضوء وجرافين أي كتابة .وبعد تقديم تقرير بواسطة فرانسوا أراجو وهو العضو بأكاديمية العلوم ، والنائب بشركة برينيه الشرقية قامت الحكومة بشراء حق الانتفاع بتلك التقنية ؛ وذلك لتقوم بجعلها عامة حتى يستفيد منها البشر جميعهم ….يا له من مثل جميل !