قصصنا من قبل روايات عن عجائب وأحداث غريبة ، وقد تكون مدهشة بالنسبة لنا ولعقولنا البشرية ، ولكن بعض الأشياء قد تحدث دون أن نتمكن من الوصول إلى إجابة مقنعة لها ، وقصة الرأس المتحدث هي خير مثال على ذلك .تجارب متعددة :
في عام 1840م صنع المخترع الألماني جوزيف فابير ، رأسًا عبارة عن رئتين في هيئة منفاخ للهواء ، وتخرج نبرات الصوت عن طريق أحبال وأزرار البيانو ، كانت من الممكن أن يتقدم جوزيف بهذا الاختراع المتميز لهيئة المخترعين ويحصل على براءة اختراع وجوائز عدة باسمه .ولكن جوزيف فضّل أن يجوب العالم بهذا الرأس المتميز ويقوم بعدد من العروض به ، أمام الجماهير حيث كان الرأس يتحدث بكافة اللكنات الأوروبية وبإمكانه نطق أية كلمة معروفة ، لدى البشر بوجه عام ، ولكن بمرور السنوات قام جوزيف بإحراق تلك الرأس وتوفى بعدها بفترة قليلة للغاية ، هل كانت تلك هي التجربة الوحيدة أو الأولى من نوعها ؟ لا فقد كانت هناك محاولات تسبقه.ففي عام 1770م قام مخترع يُدعى فولفانج فون كيمبلين باختراع رأس مشابه ، ولكنه كان بذراعين وله القدرة على لعب الشطرنج ، بالإضافة إلى تجربة سابقة في فترة القرن الثالث عشر ؛ حيث قام رجل دين يُدعى آلبرت ماجنوس بصناعة رأس متحدثة أيضًا ، ولكنها كانت لديها لقدرة على الغناء ، وكان آلبرت قد قضى ثلاثون عامًا متواصلة في صناعة تلك الرأس ، وعقب الانتهاء منها كانت لتلك الرأس القدرة على الغناء والحركة ، ثم ؟ تم تدمير تلك الرأس نظرًا لارتعاب الجمهور منها.الفترة مابين جوزيف وآلبرت
بالنظر في الفترة التي توسطت كل من جوزيف فابير ، وآلبرت ماجنوس ، نجد الطبيب الشاعر آندري هيرمنت ، والذي تسبب في إيقاف تلك التجارب لأكثر من ثلاثمائة عامًا ، حتى عادت التجارب مرة أخرى ، ولكن كيف؟كان آندري من أشد المعجبين بتجربة الرأس المتحدث ، عقب أن ابتدعها آلبرت جوناس رجل الدين المعروف ، ولكن آندري أراد أن يضع ويضيف إلى التجربة وجهة نظره الخاصة والشخصية في الأمر ، فقام بإجراء التجربة باستخدام رأس بشري حقيقي ، وكانت حجته في ذلك الأمر أن الرأس البشري يملك بالعقل أوتارًا خاصة من أجل التحكم في الصوت .وهنا قام آندري بتنفيذ تجربته التي استغرقت حوالي عشرة أعوام ، تنقل خلالها بين دراسة التفاصيل ، والتشريح ، والأدوات اللازمة لإجراء التجربة ، ولكن كان الفارق هو أن آندري أعلن عن تجربته قبل القيام بها ، ونظرًا لانتمائه لعائلة معروفة وعريقة ، احتشد الجمهور من أجل مشاهدة التجربة .بعد وفاة أحد الخدم لدى آندري ، أعلن آندري عن تجربته وقام بتوصيل رأس الخادم المتوفى بالمنفاخ الخاص بضخ الهواء للرأس وبدأت تجربته ، فشلت التجربة ، ولم يخرج الرأس أية أصوات عند تحرك الهواء من المنفاخ نحوها ، وبالطبع أصيب الجميع بخيبة أمل في التجربة ، والتي قرر آندري أن ينفذها مرة أخرى رغم تحذيرات المجتمع الديني له ، فلم ينصاع آندري لهم ، ولكنه أجرى تجربته في مجتمع أكثر انغلاقًا وفشلت التجربة مرة أخرى.اختفى آندري هيرمنت لفترة طويلة تقدر بحوالي خمسة عشر عامًا ، نسي خلالها المجتمع تجربة الرؤؤس المتحدثة وتجارب آندري الفاشلة ، وجرى خلال تلك الأعوام عدة تجارب لعلماء آخرين باستخدام رؤوس الدمى ، وليس الرؤوس البشرية كما فعل آندري ، ونجح بعضها وفشل الآخر.هنا ظهر آندري مرة أخرى ، ودعى المهتمين من العامة ورجال الدين لمشاهدة التجربة داخل منزله ، بالفعل وصل الرأس البشري وكانت رأسًا لسيدة ، وبدأ آندري بضخ الهواء إلى الرأس التي أصدرت أصواتًا ضعيفة في البداية ، ثم خرجت منها حروفًا متقطعة يتحكم بها آندري ، وتحولت إلى كلمات كاملة ثم جمل طويلة إلى أن واصلت الرأس الحديث دون انقطاع ، بالطبع انبهر الحضور للغاية في بداية التجربة ولكنهم سرعان ما أدركوا بأن آندري غير متحكم بالمنفاخ ، وأن الكلام يصدر من الرأس مباشرة وليس من الجهاز .ما حدث بعد ذلك أن الرأس والجهاز تم إحراقهم ، وآندري اختفى تمامًا بعد تلك التجربة المريبة ، والتي تم منعها لأكثر من ثلاثمائة عامًا ، إلى أن ظهر جوزيف فابير عام 1840م وقام بتجربته كما سردنا أعلاه.ولعل تلك التجارب تم إجرائها فعليًا مؤخرًا باستخدام الحاسوب عندما ظهرت الروبوتات ، ولكن تظل تجربة آندري هيرمنت فريدة من نوعها ، فقد كانت إشارة لعدم الخوض في مثل هذه التجارب ، ولكن بداية من تجربة جوزيف فابير يبدو أن التحذير لا يجدي مع البعض .