قصة طيور الرف قصة قصيرة للكاتب السعودي عمر طاهر زيلع ، تحكي عن تعلق طفل صغير بطيور حطت على استوطنت بحجرة خالية في منزلهم .نبذة عن الكاتب :
ولد الروائي السعودي عمر طاهر زيلع عام 1946م ، وقد بدأ تعليمه في كتاب يديره فقيه ، بعد ذلك درس على يد والده النحو ، وقرأ أيضًا على يديه دواوين الشعر ، وقد تتلمذ أيضًا على يد الشيخ أحمد بن إبراهيم الأهدل وقد كان من أفذاذ اللغة ، ثم تفرغ بعد ذلك للتحصيل الشخصي .القصة :
قررت الاختباء قبل أن ينهض أبي من نومه ، فقد سمعته في المساء حينما كنت أنا أتظاهر بالنوم يدخل مع أمي في نقاش حاد بسببي ، قال لها أكون غبيًا لو توقعت منك حسن تربية الأولاد ، ردت أمي بنبرة الانكسار المعهودة فيها : ما الأمر ؟ ما الذي يجعلك حادًا مهتاجًا هكذا ؟ .حاولت قدر الإمكان أن أجمد ساكنًا ، لكن دقات قلبي تسارعت ، قال أبي : لقد قلت لك ألف مرة هذا الولد الشقي لا يعود إلى تسلق سطح الغرفة فيزعجني بركضه وفرقعاته ، كررت هذا الكلام ألف مرة ولكن لا فائدة .ردت أمي : يا ابن الحلال إن الولد ولدك ومن حقه أن يمرح في بيته ، ورد أبي : يمرح على أعصابي ؟ ، تصاعد صراخ أبي وازداد صوت أمي انكسارًا ، وجن جنون قلبي فكتمت أنفاسي ، وران صمت كئيب كدت أحس به وأراه يهوي بي إلى غير قرار .فجأة تذكرت أن نهار الغد عطلة استثنائية في المدرسة ، فقد تقرر خروج الناس بأطفالهم لصلاة الاستسقاء ، وتذكرت أن أبي يفضل النوم ضحى ، وقد حدث أن خرج الناس لصلاة الاستسقاء منذ شهور ولم يخرج معهم ، هذه الخواطر الأخيرة أدخلت إلى قلبي السرور .ومع إطلالة الشمس استيقظت وأكلت على عجل ، وتسللت إلى الحجر المهجورة ، لا أدري لماذا هي مهجورة ؟، فهي تبدو كغيرها من حجرات بيتنا من الداخل والخارج ، كان زوج من حمام الصحراء قد استقر على أحد رفوفها منذ فترة كان في البداية يرتاع حين أدخل فجأة ، ثم ما لبث أن ألفني وأنس بي حتى صار يطير من عشه ليستقر على كتفي .وكنت أرعاه حق الرعاية ، ومع الأيام توطدت بيننا صداقة عميقة ، وتكاثر عدد أصدقائي بفراخ صارت الآن حمام ذات لونين أزرق ورمادي مع أطواق بيضاء رائعة ، كانت زيارتي هذا الصباح قصيرة ، ثم خرجت للحاق بمواكب الابتهال .يا حنان يا منان من علينا بالإمطار ، وركضت صوب الضراعة الجماعية المولية شطر السهل الجنوبي ، شيئًا فشيئًا تكاثر الناس ومعهم أطفال كثيرون انخرطوا في ذلك الإيقاع المؤثر اسقنا يا سايق المطر .والحق أنني رأيت عيونا كثيرة تدمع وحتى أنا سفحت دموع قلقي وتوجساتي ، كنت أسير هاجسين أحدهما يتمنى أن يكون أبي معهم فيبكي ويذيب الصدأ العالق بروحه ، والأخر يرى في غيابه بعض الأمان ، رأيت جدي لأمي يمشي وسط الجموع في خنوع ، انتزعني من أفكاري صوت أبح : أيها الناس استقيموا ، ثم تلا : وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً .مال طفل صغير يلبس سروالًا قصيرًا على طفل أكبر سنًا منه ، وقال له ما الطريقة ؟ ، زجره صديقه ، ثم قال ملاطفًا سنسأل الفقيه فيما بعد ، وارتفع الابتهال متصاعدًا من جديد ، رغم ركود الجو وانعدام النسمات منذ الصباح فقد أحسست بهبات رقيقة أخذت تتعاظم حتى صارت هبوبًا متواصلًا ، وأخذ ضوء النهار يتلاشى تحت خيمة من الغمام الراعد في جبروت ، أخذ المطر يتساقط في قطرات بحجم الكف .بصعوبة عثرت على جدي ، تشبثت به ولعله هو أيضًا تشبث بي ، كان بيته في وسط القرية فلم نصل إليه إلا عبر بحيرات وسيول من الماء ، وجدت هناك خالاتي وجدتي يكافحن لحماية أثاث البيت من خيوط الماء المنهمرة عبر تشققات السقوف ، ساعدت جدي على الوصول إلى ركن أقل تعرضًا للرذاذ .كنا في الحوش ، فإذا بأمي تدخل باكية ، ثم اتجهت إلى أبيها ، وقالت لقد غرق أثاث بيتنا في المطر ولم يبق غير الغرفة المهجورة وقد لذنا بها ، قلت وقلبي يخفق هلعًا والحمام ؟ ، أخرجه أبوك قصرًا إلى العاصفة .حسبي الله ، والفراخ ؟ لقد رمى بالعش كله في العراء ، سحبت نظرتي ثم أرسلتها إلى الأفق المنظور عبر فتحة الباب المبلل ، كان البرق ينتشر في الأفق القصي خيوطًا لا تلبث أن تغور في البعد ، قال جدي بنبرة مدارية سأحكي لك حكاية .