إن أصل هذا الفن موضوع طويل جدًا يحتاج إلى دراسات مستفيضة ومتخصصة ، وقد تعدد الدارسون لهذا الجانب من العرب القدامى ، والمستشرقين ، والدارسين المعاصرين.أصل الخط العربي والاختلاف فيه :
اختلف الباحثون أشد اختلاف في هذه القضية ، وعلى الرغم من اختلافهم ، إلا أن أغلبهم يؤكد أنه اشتق من الخط النبطي ، وانتقل عن طريق الأنبار إلى الحيرة ، وقد استقر شكله الذي نعرفه في القرنين الرابع والخامس الميلاديين ، ثم انتقل من سورية عن طريق التجارة ، إلى الحجاز.وهنا سنحاول أن نقف على مذاهب العلماء في هذا الجانب ، مع بيان أثر النهضة الإسلامية في انتشار فن الكتابة ، وتطور فن الخط .اختلاف العلماء في موطن الخط العربي الأصلي ، وأصل اشتقاقه ، ومكان ظهوره :
اختلف العلماء اختلافًا شديدًا في موطنه الأصلي ، فمنهم من قال إن موطنه الأصلي هو اليمن ومنهم من قال الحيرة ، ومنهم من قال الأنبار ، كما اختلفوا في أصل اشتقاق الخط أيضًا ، فقال بعضهم إنه مشتق من الخط الحميري ، وهناك من قال إنه مشتق من الخط السرياني وهم المستشرقون .واختلف الباحثون أيضًا في محل نشوء هذا الخط ، فمنهم من قال إن محله كان في طور سيناء ، ومنهم من قال إنه في الشام عند الغساسنة ، أو في الحيرة عند المناذرة ، ومنهم من يرى أنه قريب من الكتابة النبطية المتأخرة ، وبعدها استقر العلماء في ضوء اكتشافهم للنقوش الحجرية القديمة إلى أن الخط العربي القديم اشتق من الخط النبطي المتأخر الذي اشتق من الخط الآرامي.كيف وصلت إلينا نماذج الخط العربي :
لقد وصلت إلينا الخطوط المبكرة من صدر الإسلام ، فمنها ما هو على الحجر ، ومنها ما هو على البردي ، ومنها ما هو الرّق .أسباب انتشار الخط العربي وتطوره السريع :
إن من أسباب انتشار هذا الفن هو النهضة العلمية التي رافقت ظهور الإسلام وانتشاره ، فاشتدت الحاجة إلى الخط ، وزاد الاهتمام به ، فقد كان الخط ضرورة من ضرورات حفظ هذا التراث الهائل من الشعر والأدب ، والعلوم الإسلامية الأخرى.مظاهر اهتمام الإسلام بالكتابة :
مع ظهور الإسلام ظهرت أهمية العمل على طلب العلم وتعلم الكتابة ، ولم يقتصر حث الإسلام على الكتابة للرجال وحدهم ، فقد اهتم الإسلام بتعليم النساء الكتابة أيضًا ، وجعل الإسلام فدية أسرى قريش في موقعة بدرٍ تعليم الكتابة لعشرة من مسلمي المدينة ، لمن لا يستطيع أن يفدي نفسه بالمال ، وهذا يدل على أن الخط كان معروفًا في مكة .وكان هناك كتبة لرسول الله صلِّ الله عليه وسلم استعان بهم ليرسل الرسائل إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام مثل عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم .الخط العربي فن قائم بذاته :
أصبح هذا الفن مع تطور الزمن غاية في حد ذاته ، وفن من الفنون المستقلة البارزة في ظل الحياة الإسلامية ، وكان المشتغلون بهذا الفن في هذا الوقت أرفع الفنانين مكانة في العالم الإسلامي ؛ لانشغالهم بكتابة المصاحف ، ونسخ كتب السيرة والتاريخ ، والأدب ، والشعر.وبلغ حرص الفنانون على هذا الفن مبلغًا عظيمًا فطوّروا الكثير من أنواع هذه الخطوط ، منها المستقيم ، كالخط الكوفي ، والمدورة كخط النسخ ، والثلث ، والريحاني ، والديواني ، والتعليق ، والإجازة ، والرقعة ، وغيرها.أهل الكوفة وأثرهم على تطوير فن الخط العربي :
وكان أهل الكوفة يتميزون في هذا الجانب ، وكان أسلوبهم مختلف عن غيرهم ، حتى أصبح هذا الفن متميزًا بأهل الكوفة عن غيرهم ، واشتهر فنهم ببلوغه شأنًا رفيعًا من الإتقان والجودة ، والجمال والانتظام .كتبة المصحف وأثرهم في الخط العربي وتطويره :
تفنن الخطاطون في كتابة المصحف الشريف ، وقدموا نماذج غاية في الدقة والانسجام والاتساق ، والرشاقة ، وحسن الرونق ، وقد اتخذت كتاباتهم للمصاحف الشريفة طابعًا زخرفيًا في كثير من الأحيان .وكان لهم أثر كبير في تطوره وتجويده وانتشاره خارج الجزيرة العربية ، وقد ترافق هذا الانتشار للخط مع انتشار الدين الإسلامي عن طريق الفتوحات ، إذ حمل الإسلام الخط واللغة إلى البلاد المفتوحة .تطور أدوات الكتابة وأثرها في تطوير الخط العربي :
ومع تطور أدوات الكتابة وانتشار نسخ المصاحف ، تفتحت أمام الكتبة والخطاطين سبل الاستنباط والتجويد ، فأخذ كل كاتب يستخدم مواهبه الفنية في إيجاد إضافات جديدة ، لكنها إضافات لم تخرج عن القواعد الأصلية أو الجذور .