لا عجب أن للأسطورة مكانًة خاصًة في التاريخ اليوناني القديم ، فمعظم الأساطير التي وصلت إلينا ارتبطت بآلهة الإغريق اليونانيين ، وناركسيوس هو أسطورة النرجسية وحب الذات التي قتلت صاحبها .وتعود القصة إلى عصر الآلهة القديمة حينما تزوج كفيسوس إله النهر من حورية المروج الخضراء ليربوبي ، وأنجب منه طفلًا رائعًا ، لم يولد مثله في الحسن والجمال اسموه ناركسيوس ، كبر الصبي وصار شابًا يافعًا أعجب به كل من الرجال والنساء ، وكثر أصدقائه ، فأحس بذاته وأخذه الغرور ، ولم يعطى للعواطف وزنا وصد كل من أحبوه.من بين من أحبوا ناركسيوس ايكو الحورية الحسناء ، وكانت ايكو متحدثة لبقة ، من يستمع إليها لا يرغب في تركها ، لديها من عذوبة الصوت وطلاقة اللسان ما يجعلها مؤثرة على كل سامعيها .وذات مرة وبينما هي جالسة ترقب الرائح والغادي شاهدت من بعيد الآله زيوس يلهو مع حورية حسناء ، وإذا بالسماء تنشق وتنزل من هيرا غاضبة تبحث عن زوجها زيوس ، ولما رأت ايكو سألتها عنه ، فادعت أنها لم تراه وأخذت تقص عليها الأحاديث المسلية حتى راح غضبها وهدأت نفسها.ولما حل المغيب رأت هيرا زوجها زيوس يهرب من خلفها عائدًا إلى مملكة الألومبوس ، فاشتعلت نار الغيرة بداخلها ، وقررت معاقبة ايكو على كتمانها لسر زيوس ، فحرمتها من صوتها وجعلتها فقط تردد أخر مقطع من الكلام .وظلت ايكو تجلس بين المروج الخضراء ترقب الرائح والغادي وتردد ما تسمعه من حديث العابرين حتى جاء اليوم ، ودخل ناركسيوس الغابة مع رفاقه ليصطادوا وكانت ايكو تعشق ناركسيوس كثيرًا ، فظلت تتابعه أينما ذهب.وكان ناركسيوس قد شغلته فريسة يلاحقها عن أصدقائه ، فلما أصابها بسهامه القاتلة وجد نفسه تائهًا لا أحد معه سوى ايكو التي ترقبه في صمت من أعلى الربوة ، أخذ ينادي على رفاقه ، وايكو تردد المقطع الأخير من كلامه حتى ظن أن أحدهم يسمعه ويجيبه .ففكرت ايكو أن تنزل إليه لتؤنس وحشته ، ففتحت ذراعيها وسارت إليه مسرعة ترغب في إحتضانه وتقبيله ، ولكن ناركسيوس رفض وابتعد من أمامها فسقطت على الأرض وسقطت معها كرامتها ، فانصرفت ايكو وهي حزينة وظلت كل يوم تفكر في ناركسيوس وكرامتها المهانة حتى ذبل وجهها ونحف جسدها ، وظلت هكذا حتى ماتت ، ولم يبقى منها سوى صوتها الذي يردد كلمات العابرين والمسافرين.لم يرض هذا الأمر الآلهة أفروديت آلهة الحب والجمال التي كانت تنصر العاشقين المنبوذين وقررت الانتقام من ناركسيوس بأن جعلته يعشق صورته ، فذات مرة وبينما ناركسيوس في رحلة صيد بالغابة ، أرهقه التعب ، فجلس يستريح بجوار غديٍر للماء ، ولما اشتد به الظمأ التفت يشرب منه فرأى وجها رائع الجمال يحملق فيه .فأحس بشيء غريب تجاهه وأخذ يحدثه والوجه يحرك شفاه كأنه يقول شيئًا ، فلوح له بيده ، وكذلك لوح الوجه ، ظن ناركسيوس أن الوجه لحورية الماء الجميلة ، ووقع في حبها على الفور ، ولكن الوجه لم يكن سوى وجهه هو .غادر ناركسيوس الغدير ، وسهر ليلته مفكرًا في ذلك الوجه الذي أسره ، وهام به عشقًا ، وأخذ يترد في الليل والنهار على ذلك الغدير ، ويلوح لصاحب الوجه ، ويحدثه بأجمل عبارات الغزل ولكنه لا يسمع سوى صدى صوته بصوت نسائي عذب .حاول كثيرًا أن يمد يده في الغدير ليلمس حوريته ويقبلها لكن صفحة الماء كانت تهتز وتختفي الصورة فجأة ، فأحس أن حبيبته ترفضه وعاش منبوذًا صابه الهم والحزن حتى ذبل عوده واختفى جماله ، وظل هكذا حتى فارق الحياة وهو يقول : وداعًا يا من أحب وداعًا ، وسمع صوتا يرد عليه : يا من أحب وداعًا ، ولم يكن هذا سوى صوت ايكو الحورية الجميلة التي عشقته .وبعد موت ناركسيوس أشفقت عليه الآلهة أفروديت وأعادته إلى الحياة مرًة ثانيًة ولكن ليس في صورة بشر بل في صورة زهرة جميلة تسمى زهرة النرجس (ناركسيوس) ، وبهذه الأسطورة ارتبطت النرجسية ويقصد بها حب الذات والغرور الزائد بالفتى ناركسيوس ، الذي عشق صورته بينما ارتبط مصطلح ايكو أو صدى صوت بأسطورة الحورية الجميلة ايكو التي عاقبتها هيرا بأخذ صوتها وترديد أخر مقطع من الجمل.