قصة لا أيها الوزير

منذ #قصص منوعة

في تمام الساعة السابعة مساء يوم 2 مايو 1982م ، تم اغراق ثاني أكبر سفينة حربية ، أرجنتينية بلجرانو ، من قبل غواصة بريطانية تسير بالطاقة النووية ، وقد غرق مع تلك السفينة  368 رجلًا، وكانت تلك أول خسارة بالأرواح تشهدها حرب فوكلاند .وقد أثرت تلك الحادثة الرعب في جميع أنحاء العالم ، بما في ذلك الدول المؤيدة لبريطانيا في الصراع ، أما الأرجنتين فقد ردت بإغراق المدمرة البريطانية شفيلد ، وبذلك تدمرت الآمال بإجراء مفاوضات بين الطرفين المتنازعين ، وتم الاحتكام للسلاح .بريطانيا والتصرف الغريب :
وطرح السؤال : لماذا أغرقت بريطانيا البلجرانو ؟ لقد كانت أعلنت بريطانيا عن منطقة معزولة حول جزر فوكلاند ، غير أن البلجرانو كانت خارج تلك المنطقة ، بل وكانت تتجه بعيداً عنها .قال المسئولون البريطانيون أن البلجرانو كانت قريبة من المنطقة المحرمة ، وأنهم شاهدوها لأول مرة في يوم 2 مايو ، ثم عادوا وقالوا أنهم شاهدوها لأول مرة يوم 1 مايو ، وقد أيدت السيدة تاتشر الرواية الثانية .ولم تقنع جميع تبريرات الحكومة المعارضين ، واستمرت التساؤلات بعد انتهاء الحرب ، ثم أثيرت المسألة في البرلمان ، وتم استدعاء مساعد وزير الدفاع ، الشاب الموهوب كليف بونتنغ للرد على أسئلة النواب .كليف بونتنغ :
كان بونتنغ في الثامنة والثلاثين من عمره ، وكان من أقرب مستشاري وزير الدفاع مايكل هاسلتاين ، وقد أعد تقريراً خلاصته أن الحكومة ليس لديها ما تخفيه ، وأن إغراق البلجرانو تم خشية تدخلها في الحرب ، وتهديدها للقوة البحرية البريطانية ، ولما أخذت أسئلة النواب تضغط على الحكومة ، وتتهمها بأنها ضللت الشعب ونواب الشعب في تبريرها لاغراق السفينة الأرجنتينية.كان على بونتنغ أن يختار بين ولائه للحكومة أو ولائه للبرلمان ، وقد انحاز لنواب الشعب والبرلمان ، وقام بتسريب وثيقتين إلى تام دالييل ، أحد أشد منتقدي إغراق البلجرانو.اعترافات متتالية :
اعترف بونتنغ لرؤسائه بأنه هو الذي سرب المعلومات لدالييل ، وعرض أن يقدم استقالته من منصبه ، غير أن الاستقالة رُفضت ، وتم بدلاً من ذلك تقديمه إلى المحاكمة بتهمة إفشاء أسرار رسمية ، وتحول الأمر إلى نقاش حول شرعية حرية افشاء المعلومات .القضية والمحاكمة  :
افتتحت أولى جلسات المحاكمة في 28 يناير 1985م ، وقد قال بونتنغ منذ البداية أنه غير مذنب بإفشاء أسرار رسمية ، كما أن الدفاع عنه أوضح منذ اليوم الأول ، أن هذه ليست حالة تجسس ، وإنما هي مسألة تدور حول الكذب أو محاولة تضليل البرلمان ، وقال الإدعاء أن بيونتنغ لم يهدد الأمن القومي للبلاد ، لكنه خرق قانون السرية وأفشى أخبار لشخص غير مسئول .استمرت المحاكمة لمدة الأسبوعين ، رفض خلالها القاضي نقل الجلسات على شاشة التلفزيون بالقناة الرابعة ، غير أن وسائل الاعلام ظلت تتابع المحاكمة وأخبارها باهتمام ، وتعرض لقطات موجزة منها ، كما أن القاضي أنذر دالييل ، بإدخاله السجن إن هو ظل يتحدث خارج المحكمة ، عما يدور في داخلها .الشهود والقاضي :
لقد شهد كثيرون الى جانب بونتنغ ، وكان الأخير في غاية الشجاعة عندما قال : أن الوزراء يبعثون بوثائق مضللة للبرلمان ، غير أن القاضي أعلن في اليوم العاشر : أن مصلحة الدولة ، وسياسة الحكومة هما شيء واحد ، وسواء كانت سياسة الحكومة خطأ أو صواب ، كان ينبغي عدم تقديم أية معلومات ، تتعلق بإغراق البلجرانو  .ثم طلب من المحلفين أن ينسوا أخلاق المتهم الحميدة ، ويتوقفوا عن التعاطف معه ، مهما كانت ميولهم السياسيه لأن تسريب الأنباء عن الاغراق البلجرانو ، كان ضد مصلحة الدولة .الادانة أم البراءة :
هكذا بدا أن الإدانة أمر محتوم ، غير أن المحلفيين تشاورا لمدة ثلاث ساعات ، وعادوا يقولوا بأن بونتنغ غير مذنباً ، وقد سعد بونتنغ بذلك القرار ، وقال : بأنها مفاجأة هائلة بالنسبة إليه ، ثم أضاف وسط صيحات الاستحسان والتهليل : لقد فعلت ما فعلت لأنه كان الشيء الصحيح ، وبرغم كل الضغوط وقف معي 12 محلفاً ، وأيدوا ما فعلته .الصحافة :
بعد ذلك كتبت الصحف تطالب بحرية الإدلاء بالمعلومات ، وهاجمت الوزراء الذين ينادون ويخدعون نواب الشعب في البرلمان ، كما أن السيد كينوك ، زعيم المعارضة وقف في البرلمان واتهم السيدة تاتشر بأنها هي التي أوزعت بمحاكمة بونتينغ ، ولما أنكرت رئيسة الوزراء ذلك ، رد كينوك قائلًا : بأنه لا يصدقها .عند ذلك ثار أنصار الحكومة ، وغضبت السيدة تاتشر وطالبت كينوك بالاعتذار ،وكان أنصار الحكومة ، قد احتجوا على قرار المحلفين ، واتهموا بعضهم بالتحيز ، لكن الشعب البريطانى والصحافة البريطانية أيدت قرار المحلفين ووقفت الى جانب بونتينغ ، ويومها وضعت التايمز في صدر صفحتها الأولى ، كاريكاتيراً كتبت تحت بكل بساطة : ليس مذنياً ، هذا هو القرار.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك