قصة تطوّر السجون تاريخيًا

منذ #قصص منوعة

السجن ، هو وسيلة عقابية نشأت من أجل عقاب من يخرجون عن القوانين التي تضعها الدولة ، أو القبيلة حتى لا يحدث ضررًا بمصالح الأفراد ، وتطوّرت الفكرة لتوقيع العقوبات باستخدامها لقمع معارضي الدولة ، وأثناء الحروب وغيرها ، وتطورت عبر التاريخ الممتد من مجرد مكانًا محاطًا بأسوار عالية يفصل من بداخلها عن العالم الخارجي ، إلى أبواب وجنازير إلكترونية وتعمل بواسطة الليزر وبصمات اليد والوجه وغيرها .كيف وُلد السجن ؟
ويصف ميشيل فوكو في كتابه الشهير المراقبة والمعاقبة ، أن السجن عندما بدأ كعقوبة كان عبارة عن عرضًا طويلاً للمعاقبين يقومون خلاله بأعمال شاقة للغاية ، أمام المشاهدين من عامة الجمهور وأفراد الشعب أو القبيلة ، ولكن تطوّرت العقوبة لتصبح ناعمة على حد قوله ، ولكن ليس لأسبابٍ إنسانية وإنما بسبب رؤية الإصلاحيين ، بأن جسد المعاقب يجب الاستفادة منه في الإنتاج وليس هدره .ومع تطوّر المجتمعات وخاصة الصناعية منها ، نشأت فكرة السجون للعقاب ، حتى تحدث المساواة بين الأفراد ، ويتم تحديد العقوبة وفقًا لنوع الجريمة وكيفيتها ، فيتحدد قضاء مدة أطول أو أقصر كما يفرضها المشرّع ، ويقدّر الجرم بالمدة.ويتم خلال فترة السجن تحسين سلوك المعاقب بإتباعه لنظام يومي صارم ، يشمل النوم والراحة وساعات العمل ، بالإضافة إلى كفاءة السجن في جعل المجرم يشعر بالندم ، حيث يعزز هذا الانعزال عن العالم الخارجي شعور المجرم بجريمته ، مما يجعله يندم على الملذات التي تركها خلفه نتيجة هذا الفعل الذي ارتكبه ، ولكن رأى فوكو أن هذا النظام لم ينجح في خفض معدلات الجريمة على مستوى العالم .شكل العقاب قبل ولادة السجون :
قبل أن ينشأ السجن ، كان التعذيب الجسدي هو العامل الشائع بين الدول عمومًا ، حيث كان يعاقب المجرم بالعديد من الأعمال البدنية الشاقة ، وفي بعض الحضارات القديمة والدول ، حيث انتشرت الخرافات كان يتم تقطيع وتعذيب جسد المجرم بشكلٍ غاية في البشاعة ، كما سبق وأن سردنا من قبل طريقة نسر الدم للإعدام إبان حضارة الفايكنج .تطوّر السجون :
يُعد أقدم سجن بالتاريخ تم تسجيله ، كان بالألفية الأولى قبل الميلاد ، وذلك في مصر وبلاد الرافدين ؛ حيث كانت السجون في تلك الفترة من التاريخ عبارة عن زنازين تقع تحت الأرض ، حيث يقبع داخلها المعاقبين في انتظار الإعدام أو التحول إلى عبيد إلى الأبد ، وبالانتقال إلى اليونان نجد أنها قد غيرت الوضع بحيث تحوّلت الزنازين ، من أماكن مظلمة تحت الأرض إلى غرف ذات أسوار عالية من الخشب ، يقبع داخلها المعاقبون وهم مسلسلين الأقدام والأيدي ، ومسموح لذويهم بزيارتهم من حين لآخر .بينما في الإمبراطورية الرومانية القديمة ، تفنن المسئولون في كيفية سجن المعاقبين ، فوضعوا زنازين تحت الأرض ، مع تكبيل أيدي وأقدام المعاقبين ووضعهم داخل ممرات ضيقة للغاية ، تسبب الاختناق وذلك لفترة زمنية غير محددة أو معلومة  ، ثم يتم استخدامهم فيما بعد كمصارعين .وفي انجلترا ، وتحديدًا بعام 1666م شيد الملك هنري الثاني أول سجن بانجلترا ، ووضع مسوّدة للعقاب عُرفت فيما بعد بنظام المحلفين ، وبحلول عام 1215م قام الملك جون ملك انجلترا آنذاك بتوقيع أهم تشريع حقوقي تاريخي عُرف باسم المجنا كارتا ، ويقول البعض أن الملك قد أُجبر على هذا التوقيع ، والذي نص على عدم حبس أي متهم دون محاكمة.وبحلول القرن الخامس عشر ، حيث شهدت تلك الفترة توسع المدن واضطرابات اقتصادية واجتماعية كبيرة ، وشهدت المجتمعات الأوروبية العديد من السرقات ، وانتشار الدعارة وغيرها من الأمور التي خرجت عن السيطرة ؛ تم إنشاء أماكن أشهرها عرف باسم بريدويل حيث كان يقبع هؤلاء المعاقبون من ممارسي الدعارة والسارقين داخل غرف خاصة ، وليس زنازين من أجل العمل والإنتاج في شكل إعادة تأهيل لهم ، ولكن تلك الفكرة لم تتوسع على مستوى أوروبا كاملة.وبداية من القران السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر ، تزايد عدد المعاقبين مع تقدم عملية الصناعة ، مما دفع الحكومات لتقديم وسائل عقابية أكثر قسوة للحد من الجريمة وتوفير المال أيضًا ، فقامت انجلترا على سبيل المثال ، بإرسال المساجين إلى مستوطنات بعيدة للغاية بشمال أمريكا واستراليا من أجل العمل في ظروف شاقة ، بلا أجر فكان أغلب المسجونين يموتون نظرًا لشدة الإجهاد في العمل مع التعرض لسوء التغذية والأمراض والأوبئة بهذه الأماكن دون الحصول على علاج .وظلت فرنسا تتعامل بهذا النظام حتى مطلع القرن العشرين ، بينما كانت روسيا ترسل مسجونيها إلى شمال سيبيريا المتجمد ، واستمر استخدام تلك المستعمرات بهذا الشكل حتى تسعينيات القرن المنصرم.إنجلترا صانعة السجون الحديثة :
قام الفيلسوف جيرمي بنثام برسم مخططات لسجون ، لا يستطيع المسجون فيها رؤية السجّان وذلك بهدف توفير المال ، الذي يُنفق على وجود السجانين ، فلا يتم الاعتماد على الكثير من الحرس ، ولكن التصميم لم يتم تنفيذه نظرًا لصعوبته.أعقب ذلك ظهور بنجامين راش الأمريكي ؛ والذي كان واحدًا مما نادوا بضرورة إبقاء السجناء بعيدًا عن المجتمع ، فتم إنشاء أول سجن أمريكي وهو سجن walnut street والذي عرف آنذاك باسم الإصلاحية ، ومع تزايد أعداد المسجونين تم التوسع في عملية إنشاء السجون ، مثل سجن فلادلفيا والذي غيّر فكرة السجن كليًا حيث اعتمد في تصميمه على عزل المجريمن عن بعضهم البعض ، منعًا لتكوين العصابات داخل السجن مرة أخرى.وجدير بالذكر ، أنه في عام 1820م طبّقت نيويورك نظامًا بالسجن عُرف باسم نظام الصمت ، حيث يعمل المسجون طوال النهار في أعمال شاقة ، ثم يتم عزله ليلاً إجباريًا فلا يتحدث مع أحد.أما عن الزي الموحد للسجن ، فكان أول من طبّقه هو سجن سينج سينج والذي طبّق الزي الأبيض والأسود ، وكانت محتويات هذا السجن الكرسي الكهربائي ، والغرف الصغيرة للغاية وتم تصميمه بحيث تفتح الأبواب وتغلق في آن واحد.ومع مطلع القرن العشرين ، والحروب التي خاضتها أغلب دول العالم جاءت فكرة المعتقلات العسكرية ، والتي استخدمت لأول مرة في كندا خلال الحرب العالمية الأولى ، ثم انتقلت الفكرة لتنفذها ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية .حيث قامت ألمانيا بإنشاء ما يقرب من ثلاثمائة سجنًا لاعتقال الخصوم السياسيين ، والصحفيين غير الموالين للنظام الحاكم ، بالإضافة إلى كل من الشيوعيين واليهود والمثليين دون محاكمات من الأساس ، وتم تقدير من تم إعدامهم داخل هذه السجون النازية من 11 إلى 17 مليون شخصًا ، والذين قد قتلوا في النهاية بصورة وحشية .وبهذا فقد شهدت السجون رحلة طويلة منذ بدأت فكرة إنشائها ، بداية من الزنازين تحت الأرض إلى الأبراج والقلوع ، وصولاً إلى سجون تسمح باصطحاب الحيوانات الأليفة والتعليم وممارسة الهواية المفضلة في الدول المتقدمة ، وتحولت الأصفاد الحديدية إلى إلكترونية ، فظل السجن كما بدأ عقوبة للخارجين عن القانون ولكن بشكلٍ أحدث مع التطور التكنولوجي في العالم.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك