في أواخر الخمسينات صنعت شركة أدوية ألمانية عقار الثاليدومايد ، الذي بيع في جميع أنحاء العالم تحت 50 اسماً مختلفاً ، ففي بريطانيا ظهر في الصيدليات باسم ديستافال ، أو تنسيفال ، أو أسمافال ، وكان الأطباء يعطونه للمرضى عادة لتخفيف القلق والتوتر خاصة لدى الحوامل ، وهو في الأصل عقار مهدئ ومنوم .أضرار الدواء :
إن النتائج التي نجمت عن خطأ السماح ببيع ذلك العقار كانت مروعة ، ذلك أنه تبين فيما بعد أن المرأة الحامل إذا تناولت ذلك الدواء بين الأسبوع الرابع والأسبوع السادس من بداية الحمل ، وهي فترة تكون أطراف الجنين ، فإن الجنين يولد مشوه الأطراف أو بدون أطراف ، وبالفعل ولد بعض الأطفال بدون يدين ، وبعضهم بدون رجلين ، وبعضهم جاء بدون يدين ، وبدون رجلين معاً، وهكذا شهدت أوروبا وبشكل خاص في الفترة بين 1959م ، وعام 1962م ولادة 8 آلاف طفل مشوه.أول دعوى قضائية في بريطانيا :
في بريطانيا وحدها ولد 400 طفل مشوه ، وقد تم سحب الدواء من الأسواق في شهر نوفمبر عام 1961م ، وبعد عام واحد رفعت أول عائلة في بريطانيا دعوى قضائية على الشركة الموزعة للعقار في بريطانيا ، شركة ديستلرز المحدودة ، تطالبها بالتعويض ، وبعد ذلك توالى رفع الدعاوى القضائية ضد تلك الشركة ، بحيث بلغت في وقت قصير 61 دعوة ، غير أن تلك الدعاوى لم تصل إلى المحاكم إلا في عام 1967م .الشركة والمدعين والتعويضات:
عرضت الشركة تعويضات على المدعين ، إن هم أسقطوا دعاواهم ضدها ، وقد وافق الآباء بعد أن تم نصحهم بقبول عرض الشركة ومصالحتها ، وذلك لسببين ، أولًا : لأن القانون لا يعتبر الجنين ذي الستة أسابيع شخصاً ، تم الحاق الأذى به ، ثانيًا : لأن تهمة الإهمال ربما لا تثبت على الشركة وبذلك يخسرون القضية ، ولا يحصلون على أي تعويض ، علاوة على الاجراءات القضائية قد تطول سنوات وسنوات .قيمة التعويضات :
بيد أن المشكلة كانت في تقدير قيمة التعويض ، وبعد كثير من الأخذ والرد بين محامي الشركة ومحامي العائلات المتضررة ، قبلت الشركة بدفع مليون جنيه للعائلات المتضررة ، عند ذلك ارتفع عدد المدعين إلى 300 عائلة ، وفي عام 1971م ، عرضت الشركة استعدادها لدفع 3 ملايين وربع المليون جنيه ، لتمويل مؤسسة خيرية لرعاية الضحايا خلال 10 سنوات ، بشرط ألا يطالبها أحد بعد ذلك بأية تعويضات .الاختلاف بين العائلات:
وافق معظم الآباء على تلك الفكرة ، باستثناء ست عائلات رأت في ذلك العرض اجحافاً بحقوق أبنائها المشوهين ، غير أن بقية العائلات ادعت على العائلات الست أمام القضاء ، بحجة أنها تسيء إلى مصلحة أبنائهم ، وقد ربحت خمس عائلات الدعوى أمام القضاء عام 1972م ، مما حدا بالشركة بالعودة الى التفاوض حول حل يتم خارج قاعات المحاكم .القضية والصحافة:
ويومها بدأ رئيس تحرير الصن داي تايمز ، حملة لصالح العائلات المتضررة ، افتتحتها بمقالة كتبها يوم 24 سبتمبر عام 1972م ، تحت عنوان : الثاليدومايد وأطفالنا المشوهون ، وصمة عار في جبين أمتنا ، وهاجم ايفانز القضاء الذي سمح باستمرار المعارك القضائية طوال عشر سنوات ، دون اعتبار لمعاناة العائلات المتضررة وأطفالها المشوهين ، كما هاجم الحكومة التي لم تفتح تحقيقاً في المسألة منذ أول أيام ظهورها .وأخيراً هاجم الشركة قائلًا : إن كل أموال الدنيا ، لا تعوض طفلاً عن فقد أطرافه ، لكن منحة سخية على الأقل ، قد تساعد الضحايا أن يحيوا حياة عادية ، لقد فشلت شركة ديستلرز في إظهار كرمها وسخائها ، لأن الضحايا يستحقون أكثر بكثير ، مما عرضته عليهم .نتيجة الحملة الصحفية :
استمرت الحملة لعدة أسابيع ، وانتقلت العدوى إلى الصحف الأخرى ، وإلى الاذاعة والتلفزيون ، وأثبتت الحملة نجاحها عندما تعرضت الشركة عام 1973م ، استعدادها لدفع التعويضات والتي تقدر بعشرين مليون جنيه ، وهو مبلغ رضي به الآباء ، ووافقت عليه المحكمة العليا ، وراق للصن داي تايمز نفسها .الأطفال الضحايا :
وهكذا أتيح لأطفال الثاليدومايد أن يحيوا حياة طبيعية ، وأصبحت قصص شجاعتهم وانجازاتهم مضرب المثل ، ففي عام 1978م ، وضعت أول فتاة منهم بدون ذراعين ، طفلة، وفي عام 1979م ، فاز أحد الضحايا بحزام البطولة في الكاراتيه ، بعد ذلك أخذت الصحف تتناقل أخبار نجاحاتهم : فهذا أحدهم يحصل على وظيفة ، وذاك ينجح في اختبار القيادة ، ويحصل على اجازة قيادة السيارة ، وهكذا..الصحفي والتكريم:
أما هارلود ايفانز فقد تم منحه ميدالية ذهبية في عام 1979م ، جزاء شجاعته في حملته الناجحة لإنصاف ضحايا العقار الجاني .