الخيمياء أو الكيمياء القديمة كانت تهدف إلى غايتين : تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب ، واكتشاف إكسير الحياة الذي يقضي على المرض ، ويطيل الحياة إلى ما لا نهاية ، وهذا يعنى أن المشتغل بالخيمياء كان يبحث عن الغنى والخلود ، وقد ظل الانسان يحلم بتحقيق معجزات الخيمياء منذ فجر التاريخ أيام الفراعنة ، وحتى منتصف هذا القرن العشرين الذي نعيش فيه.الفراعنة والخيمياء:
فمنذ أيام الفراعنة قبل 5000 سنة قبل الميلاد حاول الكهنة والكيميائيون ، تحويل خامات المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة مثل الذهب والفضة ، ولقد نجحوا في علم التعدين ، فعرفوا كيف يأخذون الصخور ويطحنونها ثم يضعونها من أنواع معينة من التربة ، أيضًا في أفران ويصهرونها للحصول على معادن نقية براقة ، مثل النحاس والقصدير .أما الذهب فكان ثميناً لندرته ، وكان مقياساً للغنى والثروة ، ويبدو كهبة من الآلهة تمنحها للمحظوظين من الملوك والأثرياء المحظوظين ، فالذهب بعكس سائر المعادن ، لا يفقد بريقه مع الأيام ، ولا يصدأ ، وكان الملوك يطبعون صورتهم على النقود الذهبية ، لتخليد اسمهم والتدليل على قوتهم ونفوذهم .ومنذ عرف الفراعنة كيف يحولون الرمل المخلوط برماد الخشب إلى زجاج براق ، يصنعون منه الحلي والألماس ، وهم يبحثون عن سر تحويل المعادن إلى ذهب نفيس ، كما أن تاريخ الخيمياء عَرف علماء أذكياء نابغين ، كما عرف الدجالين والمشعوذين ، وقد اهتم بعلم الخيمياء ملوك سذج مثل الملكة إليزابيث الأولى ، كما اهتم به طغاة متسلطون مثل أدولف هتلر .الخيمياء والمسلمين العرب :
شهد القرن السابع الميلادي انطلاق العلماء المسلمين من شبه الجزيرة العربية ، ووصولهم إلى مكتبة الاسكندرية العظيمة ، والتي عثروا فيها على ثروة من العلوم والمخطوطات لا تقدر بثمن .وكان من بين تلك المخطوطات كتابات أرسطو التي كتبها قبل نحو ألف عام ، وذكر فيها أن كل المواد والأشياء مكونة من أربع عناصر ، التراب والهواء والنار والماء ، وأن أي تغيير في نسبة مزج هذه العناصر ، يغير في طبيعة المواد ومسمياتها ، وقد ترجم العرب أعمال أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان ، ونقلوها معهم الى أسبانيا ، عندما فتحوها ، حيث انتقلت من هناك الى جميع أنحاء أوروبا.الخيمياء وتضليل العلماء :
قام العالم الانجليزي روبرت أوف تشستر عام 1144م بنقل نظريات أرسطو المضلله حول تحويل المعادن ، وشغل العلماء بعلم زائف لا طائل منه ، وعلاوة على تحويل المعادن الوضعية إلى ذهب ، كان أرسطو قد بشر كذلك بإمكانية الحصول على إكسير الحياة ، أو حجر الفلاسفة كما سماه العرب ، لعلاج الأمراض وإطالة العمر .وقد قضي العلماء مئات السنين يبحثون دون جدوى ، عن أسرار الخيمياء لتحقيق طموحهم بالغنى والخلود ، ومن الذين آمنوا بعلم الخيمياء في القرن الـ 13 العالم الانجليزي النابغة فرانسيس باكون ، غير أنه مات دون أن يشهد أي نجاح ، لما كان يرجوه من علم الخيمياء .الخيمياء وملوك العالم :
ولقد خصصت الملكة اليزابيث الأولى عالماً خاصاً بها وكلفته بالاشتغال في تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب ، وظلت تحلم بالثروة والغنى حتى يوم وفاتها عن 70 عاماً ، كما أن فيرناند الثالث امبراطور النمسا بالقرن السابع عشر الميلادي كان واثقاً من أنه يستطيع الحصول على الذهب ، لتمويل حربه الطويلة ضد الألمان والسويديين والهولنديين ، وبعد أن نجح علمائه في الحصول على كتلة من الذهب البراق ، مستخرجة من صهر الرصاص والكبريت في فرن متوهج ، بيد أن فيرناند اضطر إلى مصالحة خصومه بعد افلاس امبراطوريته ، ذلك أن ما صنعه كيميائيو فيرناند لم يكن ذهباً ، وإنما شيئاً يبدو كالذهب .الخيمياء والطب :
حاول الطبيب السويسري والكيميائي البارع براسيلسوس الذي توفي عام 1541م ، أن يضع حدًا للجهود الضائعة بحثاً عن معجزات الخيمياء ، فنادى بضرورة التخلي عن محاولات تحويل المعادن لذهب ، والتركيز على البحوث الطبية وتحسينها لخدمة الناس ومحاربة الأمراض ، وقام بالتعبير عن رأيه بحرق الكتب التي تتحدث عن الخيمياء ومعجزاتها في ساحة المدينة .الخيمياء والعلم الحديث :
أما العلماء المحدثون فقد عادوا وأحيوا بأبحاثهم علم الخيمياء ، بدلًا من الاجهاز عليه نهائياً ، وذلك عندما استطاع عالم الفيزياء البريطاني أرنست ردرفورد أن يحول عام 1919م مادة الى أخرى .لقد حول النيتروجين إلى أكسجين وهيدروجين ، بعد أن قذف النيتروجين بالإشعاع ، غير أن عمل ردرفورد احتاج الى كميات هائلة من الطاقة ، للحصول على ذرات قليلة فقط من الأكسجين ، بيد أن ردرفورد نجح أخيراً في ارساء مبدأ تحويل مادة الى أخرى ، دون الحاجة إلى السحر أو العمليات السرية الغامضة .الخيمياء والذهب :
وبعد عمل ردرفورد بخمس سنوات ، نجح كيميائي في السادسة والثلاثين من العمر ، في ميونخ اسمه فرانز تاوسند من تحويل الكوارتز وأكسيد الحديد إلى ذهب ، وعندما سمع النازيون بهذا الانجاز استدعوا تاوسند ، وكان هتلر يومها في السجن بتهمة التآمر ضد الحكومة عام 1924م ، وقد طلبوا منه إجراء تجربة أمامهم .وقد تمت التجربة بنجاح في أحد الفنادق ، ونتج عنها كمية من الذهب ، قدرت بنحو ربع أونصة أي7 غرامات تقريباً ، وقد شكل النازيون مع تاوسند يومها شركة مساهمة غذوها بنحو 500 ألف مارك لإنتاج الذهب ، غير أن الشركة أفلست بعد سنتين ، وقد حاول تاوسند أن يعيد الى الشركة الثقة ، فأنتج في ليلة واحدة في 16يونيو عام 1928م ، نحو 26 أونصة أي 730 غراماً.غير أن تلك كانت آخر كمية ينتجها ، فقد تم القبض عليه بتهمة الاحتيال ، وسجن لمدة 4 سنوات ، وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى دمرت كل أوراق تاوسند ، وأغلق ملف الخيمياء نهائيًا .