تعتبر المحاليل الطبية (IV SOLUTIONS) من المستلزمات الطبية الأساسية التي لا غنى عنها للمرضى ، وخصوصًا مرضى العمليات الجراحية ، فهي عبارة عن ماء مضافًا إليه تركيبات من الأملاح الملحية والسكرية يتم حقنها عن طريق الوريد داخل الجسم .قبل اختراع المحاليل الطبية ، كان عدد كبير جدًا من المرضى يموت بسبب الجفاف وخصوصًا المرضى الذين يصابون بالأمراض التي من أعراضها الإسهال أو التقيؤ ، وخصوصًا مع شيوع أمراض الكوليرا والتيفود في القرن الثامن والتاسع عشر ، وكانت النتيجة حصد آلاف الأفراد.لذلك فكر الطبيب الإنجليزي توماس لاتا خلال فترة انتشار مرض الكوليرا بانجلترا عام 1832م والذي تسبب في حصد عدد كبير من الأرواح في خلال عام واحد من استخدام وابتكار المحاليل الطبية لعلاج المرضى .حياته :
ولد توماس لاتا (Thomas Aitchison Latta) ، في 19 أكتوبر عام 1796م وكان والده هو الطبيب إلكسندر لاتا ، درس لاتا بجامعة أدنبرة وتخرج منها عام 1819م ، كما أيضًا ساهم توماس لاتا في نشر منشورات حول موضوع علم القطب الشمالي ، بعد أن أبحر على أنه جراح ورفيق مع النقيب ويليام سكوريسبي في رحلة صيد الحيتان ، في حين لايزال طالبًا بمدرسة الطب .اختراع المحاليل الطبية :
وقد عمل لاتا مع اثنين من الأطباء هما توماس سيراجي وروبرت ليونز ، وقام الفريق بتجربة المحاليل على خمسة من المرضي والذين قد تم عزلهم بالحجر الطبي مسبقًا وقد نجح استخدام المحاليل في إنقاذ حياة المرضى وبالرغم من ذلك لم تلقى الفكرة انتشاًرا واسعًا .
وكانت فكرة حقن المحاليل عن طريق الوريد فكرة قديمة ولكن لم يتم تطبيقها بنجاح ، وقد لاحظ لاتا أن مرضى الكوليرا يفقدون قدر كبير من الماء المكون لأجسامهم مما يسبب وفاتهم ، فكر لاتا في إضافة بعض الأملاح إلى الماء وحقنه للمريض عن طريق الوريد وقد وكان هذا هو السر في شفاء المرضى .أرسل لاتا إلى المجلس المركزي للصحة ليخبرهم بنتائج أبحاثه وقد كتب في رسالته أنه حاول استعادة الحالة الطبيعية للدم عن طريق حقن المحلول في البداية في الأمعاء الغليظة ، ولكن امتصاصه كان بسيط ، لذلك حاول وضع المحلول بشكل مباشر في الدم عن طريق حقن الأوردة .وقد تم استخدام العلاج على اثنتين من السيدات المسنات المرضى ، وقد أخذ يراقب التغير في حالة المرضى بعد الحقن بفارغ الصبر ، وقد لاحظ بعد حقن أوقية من المحلول أن إحدى السيدات بدأت تتنفس بشكل أقل شدة ، وبدأت عينها الغارقة تتوهج وعاد النبض ليقترب من حالته الطبيعية ، وبعد مرور نصف ساعة وعندما قام بحقن ستة أوقيات ظهرت علامات الارتياح على المريضة وقالت مازحة أنها لم تعود تحتاج إلا لقليل من النوم ، وتعود صحتها كما كانت .قام لاتا بنشر نتائج أبحاثه على في مجلة لانسيت الطبية في 32 يونيو 1832م وبدأت تلك الطريقة في الانتشار ولكن كان الوباء قد انتهى ، كما أن النتائج كانت غير متسقة إلى حدًا ما وذلك لعدم قدرة لاتا على تحديد نسب البوتاسيوم والصوديوم والكلوريد في الدم ، ولذلك كان المحلول في بعض الحالات يسبب تدمير خلايا الدم الحمراء ، مما أدى إلى وفاة معظم المرضى الذين تم استخدام المحاليل لعلاجهم .لم يتم تحديد النسب الصحيحة لتركيب المحاليل إلا في عام 1902م بعد أن تم التوصل لاكتشاف وفهم فصائل الدم بشكل صحيح استطاع الأطباء تحديد النسب الصحيحة لعمل المحاليل الطبية .وفاة لاتا :
توفى لاتا بعد فترة قصيره من اكتشافه للمحاليل في عام 1833م بسبب إصابته مرض السل ، وبسبب مساهمته في اختراع المحاليل تم اعتبار لاتا البطل المجهول في الطب وأصبح اسم لاتا موضوع لكثير من الأطروحات العلمية ، كما تم وضع اسمه على مستشفى ليث عام 2014م تخليدًا لذكراه .