كانت غزوة الأحزاب والمعروفة أيضًا بسم غزوة الخندق من أهم انتصارات المسلمين في المدينة بقيادة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وكانت في العام الخامس للهجرة، حيث خانه اليهود فاتفقوا مع الكفار على حصار المدينة المنورة واشتد حصارهم، وقد استخدم الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوة استيراتيجية لم تستخدم من قبل في الجزيرة العربية للدفاع عن المدينة وهي حفر خندق حول المدينة، ومن فضائل تلك الغزوة أنها كشفت جميع المنافقين الذين كانوا موجودين بين صفوف المسلمين، وقد أنزل المولى عز ول سورة الأحزاب لتقص أنباء تلك الغزوة العظيمة.بعد غزوة أحد والتي انهزم فيها المسلمين فكر اليهود أنهم يمكنهم أن يقضوا على الإسلام والمسلمين، فذهبوا لقريش ولبعض القبائل التي لم تكن قد دخلت في الإسلام ومنهم لقبيلة غطفان، وحرضوهم على مهاجمة المدينة للقضاء على الإسلام والمسلمين.حفر الخندقوبالفعل اجتمع عشرة آلاف مقاتل من جميع القبائل المشركة واتفقوا على غزو المدينة، فلم علم النبي عليه الصلاة والسلام بمسيرة الكفار، جمع الصحابة من المهاجرين والأنصار، فقال الصحابي سلمان الفارسي للنبي عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا في بلاد فارس إذا حوصروا حفروا خنادق حولهم.أعجب النبي عليه الصلاة والسلام بالفكرة، وفورًا بدأ المسلمين يفكرون في مكان حفر الخندق، فكانت مناطق شرق وغرب المدينة بها مرتفعات يصعب اختراقها، أما الجنوب فكان محمي ببعض الأحراش، أما منطقة الجنوب الشرقي فكانت ديار بني قريظة وبينهم وبين النبي عهد ، فلم يتبق سوى اتجاه الشمال فاتفق المسلمون على حفر الخندق في تلك المنطقة.عمل المسلمون بجد في حفر الخندق، وقد عمل النبي عليه الصلاة والسلام معهم، فكان ينقل التراب عليه الصلاة والسلام وهو يقول ” والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا”، وقد عاني المسلمون خلال فترة الحفر من الجوع والتعب الشديد.ومن أيات المولى عز وجل التي تجلت في حفر الخندق، ظهور صخرة لم تستطيع المعاول أن تدب فيها، فأخبر الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام، فحمل معوله ونزل إلى الصخرة، وقال بسم الله وضرب فيها المعول فانكسر ثلثها، ثم الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام وقال بسم الله وضرب الصخرة، فانكسر ثلثها، ثم قال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس وقال باسم الله وضرب ضربة أخرى فانقطع بقية الحجر، فقال عليه الصلاة والسلام الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن وإني لأبصر من مكاني هذا أبواب صنعاء.خرج النبي عليه الصلاة والسلام مع جيش المسلمين وتحصنوا بجبل سلع، وكان الخندق أمام المسلمين الذين كان عددهم ثلاثة آلاف مقاتل، أما النساء والأطفال فكانوا في حصون المدينة ومعهم ابن أم كلثوم.كان من بين اليهود الذين شاركوا في الغزوة حيي بن أخطب زعيم بني النضير، وكان يهود بني قريظة قد عقدوا صلح مع النبي عليه الصلاة والسلام، لكن حيي بن أخطب ذهب إلى زعيمهم كعب بن أسد، وأقنعه أن يخالف عهده مع النبي عليه الصلاة والسلام ويحارب معهم، وفي البداية قال كعب أنه لم يرى من النبي عليه الصلاة والسلام إلا الخير والصدق والوفاء، لكن حيي بن أخطب أقنعه، فتحالف معه ومع المشركين، وكان بنو قريظة موجودون في الجنوب الشرقي للمدينة المنورة، فإذا فتحوا أبواب المدينة للمشركين سيدخلونها بسهولة.علم النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الأمر، فأرسل بعض الصحابة منهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة للتأكد من خيانة بني قريظة، فلما عرف حزن في البداية، لكنه بعد ذلك قال للصحابة أبشروا بنصر الله.علم المنافقين أن المسلمين أصبحوا محاصرين بالكفار خارج المدينة وبنو قريظة داخل المدينة، فقال أحدهم إن محمدًا وعدنا بكنوز كسرى واليوم لا نأمن على أنفسنا أن نذهب للغائط.بعد شهرمن حصار المدينة فكر النبي عليه الصلاة والسلام أن غطفان قد أتت من أجل الغنائم فقط، ففكر أن يعرض عليهم ثلث ثمار المدينة لمدة عام على أن يتركوا تحالف الكفار ويعودوا إلى ديارهم، فلما عرض الأمر على الصحابة رضوان الله عليهم، قال له سعد بن معاذ إذا كان هذا أمر من المولى عز وجل فعليهم السمع والطاعة، وإذا كان غير ذلك فإن السيف هو الذي يحكم بينهم وبين هؤلاء الكفار، فأعجب النبي عليه الصلاة والسلام بكلام سعد ووافق عليه.إسلام نعيم بن مسعودكان نعيم بن مسعود من المشركين من قبيلة غطفان التي شاركت في حصار المدينة، لكن بعد شهر من الحصار ذهب نعيم بن مسعود رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام وأعلن إسلامه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يخبر أحدًا من قومه، فطلب منه النبي عليه الصلاة والسلام أن يبقي خبر إسلامه سرًا لأن الحرب خدعة وأنه إذا كان يريد أن يشارك مع المسلمين فعليه أن يوقع بين المشركين حتى يتخلى بعضهم عن بعض.فما كان من الصحابي الجليل إلا أن فكر، وقرر أن يذهب مباشرة إلى بني قريظة مستغلًا في ذلك مكانته السابقة المعروفة لديهم وأنه من قادة غطفان، وقال لهم إن المدينة هي دياركم فيها بيوتكم ونسائكم وأطفالكم، وأن قريشًا إذا دارت الحرب عليهم ووجدوا أنفسهم سوف يهزمون من المسلمين سيعودون إلى مكة، ويتركونكم بمفردكم تواجهون محمد عليه الصلاة والسلام.وجد اليهود أن كلامه فيه شيء كبير من المنطق واقتنعوا به، وطلب مشورته، فقال لهم أن عليهم أن يطلبوا من قريش رهائن لضمان عدم فرارهم.ثم عاد لغطفان وقريش وأخبرهم أنه علم أن اليهود يشعرون بالنم على نقض عهدهم مع النبي عليه لصلاة والسلام، وأنهم سيأتون إلى قريش ليطلبوا منهم رهائن ثم بعد ذلك سيسلمون هؤلاء الرهائن للنبي عليه الصلاة والسلام، فاقتنع الكفار بهذا الكلام وعلى الفور بعثوا لليهود يطلبوا منهم النهوض لقتال جيش المسلمين.رفض اليهود وتحججوا أن اليوم كان السبت وهم لا يحاربون في هذا اليوم، ثم طلبوا من الكفار إرسال رهائن، فصدق الكفار كلام نعيم، وطلبوا من اليهود تسليم بعض الرهائن ليضمنوا أنهم لن يعودوا لصلح النبي عليه الصلاة والسلام، فرفض اليهود ووقعت الفرقة والخلاف بين الفريقين.مبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن ودكان عمرو بن ود من فرسان قريش وقد اشتهر عنه القوة والشجاعة، وفي أحد الأيام بعد أن شعر الكفار أن حصارهم للمدينة قد طال أمده دون أن يقع بينهم وبين المسلمين أي قتال اقتحم الخندق مجموعة منهم، ومن هؤلاء عكرمة بن أبي جهل وعمرو بن ود العامري، فلما وقف عمرو بخيله، قال له علي بن أبي طالب إني أدعوك للبارزة، فلم علم عمرو أن من يحدثه هو علي قال له، يا ابن أخي لا أحب أن أقتلك، فرد علي لكني أحب أقتلك، وبالفعل تبارزا حتى قتل عليًا رضي الله عنه عمرو.الريح جندًا من جنود اللهبعد أن استمر حصار المسلمين لمدة شهر كامل واختبر الله تعالى إيمانهم، أرسل ريحًا شديدة اقتلعت جميع خيام الكافرين، فعزم الأحزاب على الرحيل، وانتصر المسلمين دون قتال، لكنهم ثبتوا في أرض المعركة وصدقوا ما عاهدوا عليه فنصرهم المولى عز وجل.