عندما بلغ العميد ناصر عمر الخمسين ، وكان قد أمضى حياته في خدمة الأمن الوطني ، تم تعيينه على رأس مصلحة الشرطة القضائية ، وكان ذلك تتويجاً لمساره المهني الحافل ، وذات مرة وبينما كان في إحدى المهمات ، أصيب بنوبة قلبية حادة ، فنقل إلى المستشفى وهناك حصل على الإسعافات الضرورية ، ولكنه ظل في شبه غيبوبة لمدة ثلاثة أيام وأستعاد وعيه ، كاملاً في اليوم الرابع .نصح الأطباء العميد ناصر ، بضرورة التخفيف من وتيرة عمله وأن يخصص يومين للراحة كل أسبوع ، وممارسة إحدى التمارين الرياضية مثل الصيد أو المشي ، وفضل العميد ناصر قضاء عطلته في ممارسة الصيد ، حيث كانت هواياته المفضلة .خرج العميد ناصر من المستشفى ، وقصد متجراً لشراء أدوات الصيد للبدء في ممارسة هوايته الأولى ، في يوم عطلته وفى يوم عطلته الأول خرج ، بصحبة ابنه الأصغر موسى ، لأحد شواطئ البلدة ، وانهمك في ممارسة الصيد وهو يشعر بسعادة وراحة ، بل ويطلق خياله لذكريات أيام طفولته ، عندما كان يصحبه والده للشاطئ للصيد والمرح .البحث عن موسى:
ظل العميد ناصر سارحاً بخياله في تلك الذكريات ، حتى سمع صوت المؤذن ينبه لصلاة الظهر ، ألتفت العميد ناصر بجواره ولم يجد ابنه الأصغر ، وقف العميد ناصر وجال ببصره في كل ما يحيط به ، لكن لا أثر للصبي ثم وقف على صخرة عالية وتطلع يميناً ويساراً ، حتى رأى ولده يلعب بعيداً مع طفل أخر ، وأسرع العميد نحو ولده وبدأ يوبخه لابتعاده عنه دون أن يبلغه .عاد العميد وولده لاستكمال الصيد ، وحصل على صيد وفير من الأنواع المختلفة من الأسماك ، وجاء من الخلف رجل كثيف اللحية ومقطع الثياب ، وأبلغ العميد أن الطفل الأخر هو ولده ، حتى لا يخاف على موسى من اللعب معه ، وطمئنه أن المكان أمن وبعيد عن حافة البحر .في اليوم التالي أستيقظ موسى ، وبدأ يستعد لرحلة صيد جديدة ، مع والده وكان بالأمس قد اتفق مع صديقة الجديد باللقاء على الشاطئ ، واللعب معاً وأحضر موسى بعض من ملابسه في حقيبة ، وأخبر والده انه سيعطيها لصديقه الفقير واليتيم ، الذي يعيش مع الرجل ذو اللحية ، الذي تكفل بتربيته بعد وفاة والديه.الطفل والرجل ذو اللحية :
خرج العميد وولده نحو الشاطئ مرة أخرى ، وعندما جاء الرجل والولد قام العميد بدعوتهما للجلوس معه ، وتناول وجبه الغذاء معاً وكان الطفل يأكل بطريقة جعلت العميد يستشعر ، جوعه الشديد بينما لم يأكل الرجل سوى القليل .جلس العميد مع الطفل يسأله عن علاقته بالرجل ذو اللحية ، فأخبره الطفل أنه بعد وفاة والديه ، وانقطاعه عن الدراسة منذ عامين أهمله أهل والده ، ولم يهتموا بأمره فصار يخرج يتسول في الشوارع ، وهناك التقى بالرجل ذو اللحية والذي أواه في مغارة ، بجوار الشاطئ .خشي العميد أن يكون وراء ذلك الرجل سراً ، وخشى أن يكون وراء إيواء هذا الطفل المسكين غرض أخر ، واستغلال لطفولته وطلب من الطفل أن يرشده إلى مكان المغارة ، التي يسكن بها مع الرجل ذو اللحية ، وعند وصولهم هناك لاحظ العميد ، علامات الفقر الشديد في المكان .نصح العميد الرجل بأن يدع الطفل يذهب إلى المدرسة ، لكن رد الرجل بأنه ليس في وسعه فعل هذا الامر ، وكان الرجل ذو اللحية مجهول الهوية ، وليس لدية بطاقة تعريف ولا يعرف أسمه ، وعندما سأله العميد عن سبب عدم حمله أي بطاقات لهويته رد بأنه رجل ميت .اندهش العميد من ادعاء الرجل ذو اللحية ، وسأله كيف يدعي أنه ميتاً وهو واقفاً حياً يرزق ، فصمت الرجل ذو اللحية ثم رد وقال للعميد ، أن ما يراه هو الجسد الخارجي إنما الروح فقد عرجت إلى السماء .زاد الكلام من حيرة العميد ، وظن أن هناك لغزاً حول ذلك الرجل ، وطلب منه أنه يصطحب الطفل إلى دار لرعاية الايتام ، ولكن أخبره الرجل بأنه أن أخذ هذا الطفل منه سيكون قد قضي ، على أخر أمل له في الحياة وظل متمسكاً بالطفل .جريمة قتل:
أخبره العميد عن هويته وأنه ضابط للشرطة ، وانه قد يصحبه للسجن اذا امتنع عن ذهاب الطفل لدار الايتام ، فرحب الرجل بذهابه إلى السجن مما زادت دهشة العميد تجاهه ، وعندما سأله العميد عن سبب عدم ممانعته للذهاب إلى السجن ، أخبر العميد أنه قام بجريمة قتل من قبل ، ويتخذ من تلك المغارة مخبئاً له .أندهش العميد ، وسأل الرجل : قمت بجريمة قتل ؟ كيف ؟ ومتى ؟ وأين ؟ ، قال الرجل : لقد قتلت زوجتي وعشيقها ، أسرع العميد بالاتصال بالشرطة ، وطلب إحضار سيارة الشرطة لمكانه ، وكان الرجل ذو اللحية ينصت إلى مكالمة ، العميد ناصر دون أي انفعال .القبض على الرجل ذو اللحية :
أتت سيارة الشرطة وتم القبض على الرجل ذو اللحية ، وركب معه الطفل والذي كان يبكي بشدة لفراق الرجل ذو اللحية ، وعندما وصل الرجل إلى مركز الشرطة ، أعترف بكل ما فعله وكشف عن هويته وعن قصته بزوجته ، وسبب قتله لزوجته الخائنة وأنه قام بحرقة زوجته وعشيقها ، فتم تحويل ملف قضيته إلى النيابة العامة ، وتم إيداع الطفل في دار لرعاية الأيتام .