كان هناك مراهقاً في الخامسة عشر من عمره ، يدعى عبد الغفور ، وفي وجهه صفرة تعلو سمرته مما جعلته يبدو سقيماً ، وكانوا يدعونه المجنون ، وكان يعيش في عزلة وقليلاً ما يسمع له صوت ، كان قبل مرضه يعمل كحامل حقائب المسافرين إلى سيارات الأجرة ، ومرات شوهد وهو يساعد باعة متجولين .في المدة الأخيرة شوهد عبد الغفور ، متكئاً على جدران المحطة لا يمد يده ، لكن نظراته التي تختزل آلامه ومعاناته ، كانت تكفي لاستعطاف قلوب النفوس الطيبة ، مما كانت تجود عليه بالمال أو الخبز أو الفاكهة ، وكان عندما يحصل على ما يريد سرعان ما يختفي.عائلة عبد الغفور :
قليلون في البلدة كانوا يعرفون ، أنه يسكن في زنقة صغيرة مع والدته وأخوته في منزل صغير ، بالطابق الأرضي وعلى المنزل باب من الحديد ، وكان باب منزل عبد الغفور لا يفتح إلا عندما يخرج منه هو ، ولا أحد من الجيران يقيم علاقة مع أفراد أسرة عبد الغفور والتي يشاع ، أن كل أفراد أسرته فاقدي العقل ومجانين.لحم الكلب المسحور :
وكان الصغار ومن هم في مثل عمر عبد الغفور ، لا يعرفون قصة تلك الاسرة ولا يبالون أما الأكبر سناً ممن في عمر أم عبد الغفور ، والتي لا يعرف أحد أسمها يقولون أن تلك الأسرة كانت في البدء تعيش حياة عادية ، كان الأب يعمل في مزرعة يديرها مستثمر أجنبي ، وقد أنجب من زوجته أربعة ذكور وثلاثة بنات ، ويقال أن الأب قد فارق زوجته بعد أن اكتشف إنها ، حاولت أن تلقمه لحم كلب في وجبة سحر.وقد أعدتها مع شقيقتها ، وعندما أكتشف الزوج أمر السحر الذى وضع في وجبة لحم الكلب ، أجبرها على تناوله وأنها حتى تثبت براءتها مما يدعيه ، أكلت وناولت أبنائها الأربعة من تلك الوجبة ، فأصيبوا جميعاً بالجنون ولم ينجو من ذلك السحر إلا البنات الثلاث وقد آخذهن معه .معاناة عبد الغفور وأسرته :
لم يعمل أحد من الشبان الثلاثة سوى عبد الغفور ، وكانوا يعتمدون على ما يؤتى به شقيقهم الأصغر ، بل وزادت المسئولية بعد أن أتت خالتهم لتستقر معهم في المنزل ، وكان تعد لهم الطعام .كانت الخالة هي الشخص الوحيد ، التي يبادله بعض أهل البلدة والجيران التحية ، كانت سلوكيات أم عبد الغفور تثير رعب جيرانها ، فقد كانت تطل من الباب وتحدق بنظرات دهشة للجيران ، ثم تغلق باب المنزل بعنف في وجوههم .وفاة عبد الغفور :
في يوم من الأيام استيقظت أم عبد الغفور باكراً ، لتطمئن على ولدها الذى لم يغادر مرقده منذ عدة أيام ، حاولت أن توقظه ولكنه لم يستيقظ ، اطلقت أم عبد الغفور صرخة عالية ، علم الجيران من شقيقتها أن عبد الغفور أصبح ميتاً ، فتطوع رجال من البلدة وجهزوه للدفن ، وحملوه عصراً إلى قبره ولم يعد يتحدث عنه أحد ، بل لم يسأل أحد من الجيران عن سبب وفاته ، ولم يأتي والده لحضوره جنازته .بكت أم عبد الغفور ولدها الأصغر لعدة أيام ، ولم يعد هناك أي مورداً للرزق لتلك الاسرة سوى الخالة ، والتي خرجت تعمل خادمة في المنازل ، وبعد بضعة أشهر اختفى الولد الأوسط وكان يدعى حميدو ، لم يسأل عنه أحد .لكن علم أنه مات هو أيضاَ ، بل وقيل انه أفرط في تناول المخدرات ، ولم يسعى أحد للتحقق مما قيل ، ولم يعرف له قبراً وبكت أمه في صمت ، كان الابن الأكبر مبارك ، يخرج من المنزل ، ويغيب لفترات طويلة وكان يتجول في المدينة حاف القدمين ، بل وكان أحياناً يركب القطار ولم يعلم له أحد وجهة ، ولم يكن أمره يهم أحداً فكان يغيب فترة ، ويظهر فترة أخرى ، بعد ثلاث سنوات مات شقيق عبد الغفور محمود ، والذي قيل أنه كان يعاني من مرض السل .حريق منزل أم عبد الغفور :
ذات مساء عادت أم عبد الغفور إلى المنزل ، بعد سعيها طوال اليوم للتسول ، ورأت المنزل يحترق وحاول الجيران رجلاً ونساء إخماد النيران ، وكانت أم عبد الغفور تنظر في صمت ، وتتابع عملية إطفاء النيران ، وفي هذا اليوم لم تكن شقيقتها موجودة بالمنزل .بادر الجيران بالتصدق ببعض الأغطية ، على أم عبد الغفور وكانت تتقبل منهم صداقتهم بعين دامعة ، وما لبث أن دخل كل واحد إلى منزله وأغلقت الأبواب ، حتى جلست أم عبد الغفور تنظر إلى منزلها المحترق في حسرة وبكاء .بل وتذكرت كل معاناتها من وفاة أولادها ، ومن ترك زوجها لها ومن الادعاءات التي لم يعلم أحد بحقيقتها ، حول قصة لحم الكلب المسحور ، وتتعجب كيف لم يسعى الناس معرفة الحقيقة ، حول هذا الادعاء واكتفت بالصمت لعدة سنوات.حقيقة لحم الكلب المسحور :
كان تلك القصة معروفة فقد لدى شقيقتها ، وهي حينما أشتد خلافها مع زوجها بسبب زواجه الثاني ، أدعى وجبة الكلب المسحور حتى يبعد عن زوجته ، وتلك هي حقيقتها التي لم يسعى الناس لمعرفتها.لم يطول العمر بأم عبد الغفور ، وظلت في المشفى مريضة بالسرطان ، حتى ماتت وقد علمت قبل وفاتها أن شقيقتها أخبرت الجيران ، بحقيقة قصتها والادعاء الكاذب الذي أشاعه زوجها للتخلص منها ، وعلم الجميع أن شائعة الكلب المسحور ، قد هد حياة أمرآة وأولادها الأربعة .