تعرضت والدتي لعضة عنكبوت الأرملة السوداء أثناء رحلة القطار ، من بيرمنجهام إلى موبيل عندما كانت فتاة صغيرة ، كانت تحمل أصيصا صغيراً به زهرة مسك الغرب في حجرها ، هدية لعمتها ، فخرجت العنكبوت من بين أوراقها وعضت اصبعها ، فقذفت بالأصيص بعيداً عنها في الممر ، واستسلمت للرعب وتصبب جسمها عرقاً وأصيبت بضيق في التنفس ، واهتم بها الركاب القريبين منها ، وتذكر أن رجلاً كان يرتدي بدلة خفيفة اللون قد قتل العنكبوت على أرضية العربة ، ووضع يده على مقعد أمي ليثبته ضد الاهتزاز المتوقع للعربة .نبذة عن المؤلف :
الكاتب الأمريكي باري لوبيز ، ولد عام 1945م ، تخرج من جامعة أوريفون ، تتميز مؤلفاته بالطابع الخيالي وكتابة قصص الخيال العلمي .الأرملة السوداء :
لقد رأيت الأرملة السوداء في موقف سيارتنا ، وهو موقف يتسع لسيارة واحدة ، ضيق مثل ممر بين غرف المنزل كان قد بني لسيارات أقل حجماً في عقد الثلاثينيات ، وكانت أرضيته من التراب ، وصرخت أمي في المطبخ ، لا تقترب منها ، هل تفهمني ، لا تقترب منها ؟ ليس قبل أن تجد من يقتلها ، ولم أقترب ، ووقفت على بعد بضعة أقدام من العنكبوت ، صبي يحمل في يده مصباحاً كهربائياً يمط رقبته ليري الساعة الرملية الحمراء والتي بدت وكأنها كأس من السم.قتل العنكبوت :
وقد ضربتني أمي بانفعال عصبي عندما وجدتني معجباً بالعنكبوت ، وكأني طائراً ينظر لانعكاس صورته في الماء ، وجاء رجل آخر وقتل الأرملة السوداء بعد ضربها بلوح خشبي ، وأخطأ ثم أخطأ والعنكبوت يجري مبتعداً والرجل يصرخ في أمي أن تتراجع ، وأن تبتعد ، وراقبت ما يحدث عبر نافذة في غرفة المعيشة المغطاة بالستائر ، وقال الرجل أنه قتلها وأراها إياها وانصرف .أنا وصديقي :
وعلى رف في مؤخرة موقف السيارة على صناديق بها دفاتر شيكات بعضها مكتوب عليه بخط أمي ، وفي صندوق آخر كانت هناك شيكات ليس عليها كتابة ، وقلت لباكارد ، أقرب أصدقائي إلى أننا أغنياء ، فأنا أكتب كلما أريد لقد رأيت ذلك مراراً وتكرارً في البقالة وفي متاجر أخرى ، وحظيت بإعجاب باكارد ، وقلت : إنك تستطيع أن تكتب مائة دولار ، وربما ألفاَ وتذهب للمصرف ويعطونك المبلغ .وقال : نعم ، وصوته يحمل صورة في الأفق فوق المحيط ، وقلت : نعم ، إننا نكتب في هذه الفراغات ، وننقل الكلمات من شيكات أخرى ، ألف دولار ولا سنت ، وأعدنا الشيكات إلى الرف وكان علينا أن نضع خطة ، وعلينا أن نربط حقائبنا إلى المقاعد وعارضة توجيه الدراجات التي تم تزيينها وتشحيمها مقدماً .حادث تصادم :
وفي ظهر يوم شهر يوليو ، والريح تهب فوق أشجار اليوكاليبتوس تكنس الأوراق والبذور ، صوت يخفي ثم يظهر الشجرة ، يختفي ثم يكشف ، مما جعلني مليئاً بآمال لا أستطيع تفسيرها ، وكان ثلاثة رجال في سيارة مكشوفة قد صدموا كلبي ، فانتهت حياته فجأة ، وكأنها لوحة قد مزقت ، ووضعت رأسه في حجري وانتحبت .كأنما أملك القوة لأبث فيه الحياة ، فهل يغير الأمر كأساً من الماء ؟ أو طبق من الطعام ، ومن كان هؤلاء الرجال الثلاثة في السيارة الخضراء ، إنهم فصيلة معروفة لدى كل صبي في جنوب كاليفورنيا ، يستقلون سيارة فورد 1949م ، تقف الآن ومحركها يدور في وسط الشارع وسقفها مفتوح وأنوار كابحها مضيئة ، وثلاثتهم ينظرون إلى الخلف من فوق مقاعدهم ؟ خرجوا ومشوا إلى الخلف تاركين بابي السيارة مفتوحين ، ثم مشو تحت شجرة اليوكاليبتس السامقة في سراويل الكاكي الأنيقة وقمصان بيضاء قصيرة الأكمام ، أولاد البحرية .صدمة :
ووضعت أمي يداً فوق كتفي ، لكنني لم أستطع سماعها ، أو سماع أي صوت ، ما عدا صوت الريح في الأشجار ، واقترب منا الرجال ببطء ، وعيونهم على الكلب وقد جذبت المزيد منه إلى حجري ثم ظهري ، رجل آخر ، وكان أحد جيراننا ، ظهر بهدوء ، وأخذوا الكلب مني .نحيب صامت :
بعدها جلست في الظل تحت اليوكاليبتوس ، مكان شعر بغياب لكلب ، وأنظر على البقعة على الطريق حيث كنا ، لم أجده ، ولم يجيبني أي أحد سألته ، لم أعلم أين كان الكلب ، أبداً لم أعلم ، وحسبت أن قميصاً في الماء ، يلف نفسه حول ساقي في الزبد المتدفق ، فاتر كالغسيل في الدلو ، إلى أن فقدت توازني وسقطت أصرخ ، على الشاطئ في بوصات من الماء الخالي من الموج ، وخزات مثل القراص تقترب من كعبي وكاحلي ، ويداي مازالتا تتحركان نحوه بالفضول وأنا أسقط ، والانفجارات مثل لسعة إبر ساخنة على فخذي وفوق ظهري ، وسقطت في الماء البارد أصرخ ، والسحب تدور بعيداً بعيداً ، وانكمشت كجرادة ، بحر في الوحل المبتل .مواساة :
إلى أن جاء أحدهم يصرخ ، وبرباطة جأش أخبروا أمي التي لم يستطيع أحد تهدئتها والتي طفقت تداعب شعري ، وظلت تبكيني ، تضمني وهي تحتضنني إلى أن وصلت سيارة الاسعاف ، وأذكر أنني اضطجعت في الداخل ، ووجدت راحة في نقاء الملاءات الباردة وبكيت .لعب وصراخ مرة أخرى :
كان والدا باكارد غائبين ، قذفنا جذوع أشجار الخوخ في الحديقة بالفواكه الملقاة على الأرض ، ومسحنا الكوخ في وجه بعضنا البعض كما مسحنا شعر كل منا بالطين ، وركلنا وضربنا صدغي كل منا بقبضاتنا ونحن نقاتل بحماس ، نقطه الأزرار ، وأحدنا يستشير الآخر يهجم على من يثير ، وصرخة متقطعة على ذلك الغباء المبالغ فيه والذي يشكل صداقتنا .الوعد :
وضعت جواربي في كيس ضم كذلك مجموعتين من ريش الطيور ملفوفة في ورق المرحاض ، وقطعتين من الحلوى ، وخمسة من الشيكات البيضاء من الصندوق ، وفي محفظتي شيك واحد ، كتب بعد محاولات كثيرة لتقليد خط أمي بقلمها ذي الحبر السائل ، اسمي والمبلغ وربطت الكيس إلى عارضة قيادة الدراجة بخيط ، وسرت بالدراجة إلى الطريق تحت أشجار اليو كاليتبس ، لقد قالت أمي : إني سأحصل على كلب آخر غداً ..