قصة ابتهالات العذارى

منذ #قصص عالمية

هل رأيته ؟ رأيته ، هل رأيته ، رأيته .. تجمع القرويين من الجبال والحقول ، في منتصف الطريق ، وقد كسا القلق ملامحهم ، وكان المشهد رهيبًا ، إلى حد أن كل هؤلاء القرويون مضوا ينظرون في الاتجاه نفسه ، في اللحظة عينها ، وكأنما فعل اتفاق سابق بينهم ، على الرغم من أنهم كانوا يعملون ، متناثرين في الجبال والحقول ، وقد قالوا جميعًا إن الرعدة قد أخذتهم ، على النحو ذاته .نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع الأدب الياباني ، للأديب الياباني ، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام ياسوناري كاواباتا ، ولد بأوساكا – اليابان في 14 يونيو عام 1899م ، كانت بداية كتاباته أثناء دراسته الجامعية في جامعة طوكيو الإمبراطورية ويعد ياسوناري كاواباتا هو الأديب الياباني الذي ترجم له أكبر عدد من الأعمال الياباني إلى اللغة العربية ، توفي كواباتا في 16 ابريل عام 1972م .كانت القرية تقع في واد دائري ، وهناك تل صغيره في قلبه ، وتدفق غدير على امتداده ملتفا حول التل ، الذي استقرت فوقه مقبرة القرية.العفريت الأشهب والقبر :
أطل القرويون من كل الجهات ، وقالوا أنهم شاهدوا شاهد قبر يتهاوى من التل ، كعفريت أشهب ، ولو أن شخصًا أو اثنين هما اللذان كانا قد شاهداه ، لربما ضحكا ، منحيين الأمر جانبا ، كأنما خدعتهما عيونهما ، ولكنه من المستحيل على هذا العدد الكبير من الناس أن تسيطر عليهم الهلوسة ذاتها ، في الوقت عينه ، وقد شاركت مجموعة من القرويين الذين علت أصواتهم ، وارتقيا التل لتبين حلية الأمر .الصمت والقلق :
بحثنا أولًا ، في كل بوصة حول سفح التل وجوانبه ، ولكن لم يكن هناك شاهد قبر في أي مكان ، ثم ارتقينا التل ، وفحصنا المقابر كافة ، ولكن كل الشواهد كانت هناك منتصبة يلفها الصمت ، ومن جديد راح القرويون يتطلع أحدهم للآخر ، في قلق .نذير السوء :
لقد رأيته ، أليس كذلك ؟ بلى ، لقد رأيته ،أليس كذلك ؟ بلى .. هبط القرويون التل وهم يكررون أسئلتهم ، كأنهم يهربون من المقبرة ، وأجمعوا على أن هذا يقينا ، نذير بأن طارئ سوء سيحل بالقرية ، ومن المؤكد أنه لعنة من الرب ، أو من الشيطان ، وقرروا أنه لابد لهم من الابتهال ، لطرد الروح الساعية للانتقام ، وتطهير المقبرة .ابتهالات العذارى :
جمعوا عذارى القرية معًا ، ثم قبل غروب الشمس أحاطوا بالمجموعة ، التي تضم خمس عشرة أو ست عشرة من العذارى ، وارتقوا التل ، ومن الطبيعي أنني كنت وسط القرويين ، عندما اصطفت العذارى وسط المقبرة ، وقف عجوز رمادي الشعر أمامهن ، وتحدث في وقار .ضحكات العذارى الطاهرات :
أيتها الفتيات الطاهرات ، اضحكن إلى أن توشك بطونكن على التمزق ، اضحكن ، اضحكن ، اضحكن ، من هذا الشيء الذي يزعج قريتنا ، واطردنه بعيدًا ! ثم انفجر العجوز ضاحكًا ليقود الجوقة ، انفجرت العذارى الجبليات ، المترعات بالصحة ضاحكات بصورة متزامنة : ها ، ها ، ها ، ها ، ها ، ها ، ها .دموع العذارى :
غلبني الصوت القوي ، وأغرقني هذا الضحك ، الذي هز الوادي ، فأضفت صوتي كذلك : ها ، ها .. أشعل أحد القرويين النار في العشب الجاف ، في المقبرة ،أمسكت العذارى بطونهن ، وضحكن وهن يطوحن بجدائلهن ، ويتقلبن بضراوة على الأرض ، وإلى جوارهن تواثبت ألسنة اللهب ، كأنها ألسنة هولات مريعة ، وعندما جفت دموع العذارى ، التي أنهلت من جراء الضحك ، بدأت عيونهن في التألق على نحو غريب .الرقصة الوحشية والنيران :
ولو أن عواطف الضحك هذه كان من الممكن أن تضاف إلى عواطف الطيبة ، لبدا البشر من القوة بحيث يدمرون الأرض ، مضت العذارى يرقصن في جنون ، مفترات عن أسنانهن البيضاء ، على نحو ما تفعل الضواري ، أي رقصة غريبة ووحشية كانت تلك الرقصة ، توهجت أفئدة القرويين ، كالشمس المضيئة ، وهم يضحكون بكل قوتهم ، فجأة توقفت عن الضحك ، وركعت عند أحد شواهد القبور ، والذي أنارته نيران العشب المشتعل .المشط وألسنة اللهب :
إنني طاهرة ، يا إلهي ! لكن الضحك كان من الارتفاع بحيث أنني لم أستطع سماع صوتي في قرارة نفسي ، ضحك القرويون على نحو متناغم مع العذارى ، إلى أن عمت موجة من الضحك التل بأسره ،ها ها ها ها ها ها ها ها.. أسقطت إحدى العذارى مشطًا ، وعرض للدهس ، فانكسر والتف أوبى إحدى العذارى ، الذي كان قد انفك ، حول عذراء أخرى ، وأسقطها وامتدت ألسنة اللهب إلى طرفه .

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك