الجدة عجوز ، في وجهها الكثير من التجاعيد وشعرها أبيض تمامًا ، ولكن عينيها تلمعان مثل نجمتين ، يا لجمالهما ، إنهما حنونتان والنظر فيهما بركة ، وعلاوة على كل ذلك ، فهي تحكي لنا أحلى القصص .نبذة عن المؤلف :
قصة من روائع الأدب الدنماركي ، للشاعر والمؤلف هانس كريستيان أندرسن ، ولد هناس في أودنسه في الدنمارك في 2 ابريل عام 1805م ، ويعد من أكبر شعراء الدنمارك ، وقد أطلق عليه شاعر الدنمارك الوطني ومن أشهر أعماله الأدبية : فرخ البط القبيح ، الحورية الصغيرة ، نكون أو لا نكون ، بيبر المحظوظ ، حصل هانس أندرسن على عدة جوائز منها وسام دانيبروغ .الجدة والمعرفة :
تلبس الجدة ثوبًا بزهرات كبيرة جدًا ، إنه فستان قماشه من الحرير السميك الذي يخشخش ، الجدة تعرف الكثير لأنها عاشت طويلًا قبل الأب والأم ، وهذه حقيقة لا شك فيها .الوردة الذابلة ودموع الجدة :
لدى الجدة كتاب أناشيد دينية يقفل بإبزيم من الفضة ، تقرأ فيه بين الحين والآخر ، وفي منتصفه كانت هناك وردة جورية جافة مضغوطة ، ليست بجمال الورود الجورية التي تضعها في المزهرية ، مع هذا فهي تبتسم لتلك الوردة الجافة بكل لطف وحنان ، بل ينساب الدمع مترقرقًا من عينيها ! لكن لماذا تنظر الجدة لتلك الوردة الذابلة في الكتاب القديم ؟ هل تعرف السبب ؟جمال الجدة وشبابها :
في كل مرة تسقط دمعة من عين جدتي على الوردة يعود اللون إليها ، تنتعش وتمتلئ الغرفة بعطرها ، والجدران تختفي مثل غيمة ، حولها كل اخضرار الغابة الجميلة حيث يخترق شعاع الشمس الأوراق ، أما الجدة فتعود صبية ، فتاة بخصلات شعر ذهبية ووجنتين مدورتين حمراوتين ، جميلة رقيقة ليس هناك زهرة بمثل شبابها اليانع ، أما عيناها فهما الحنونتان المباركتان وما يزالان كذلك .الشاب والوردة والابتسامة :
يجلس بجانبها رجل يافع ضخم الجثة جميل الوجه ، يناولها الوردة الجورية فتبتسم له ، وهي ابتسامة لا تشبه ابتسامة الجدات لكن بلى هي مازالت تبتسم هكذا ، وابتعد الشاب ومرّ العديد من الذكريات والشاب الجميل الطلعة ما يزال بعيدًا ، والوردة الجورية تستريح بين طيات كتاب الأناشيد .موت الجدة :
أما الجدة فهي تجلس مرة ثانية هنا ، إمرأة عجوز تنظر إلى الوردة الذابلة المستقرة بين طيات الكتاب ، وقد ماتت الجدة الآن ، كانت ذات يوم تجلس متكئة في كرسيها تسرد قصص جميلة وطويلة جدا ، حتى وصلت آخر القصة وقالت : وعاشوا عيشة سعيدة ، وانتهت القصة ، وأنا قد تعبت تماما الآن ، اتركوني لأنام قليلاً .بيقت الجدة ساكنه في مكانها ، أنفاسها هادئة ، وقد نامت ، لكن الصمت عم المكان أكثر وأكثر ووجه الجدة يعلوه سلام واطمئنان ، وكأن شعاع الشمس مرّعليه ، ومن ثم قالوا إن الجدة قد ماتت .الجدة الحلوة الطيبة :
وضعت الجدة في تابوت أسود ملفوف بقماش أبيض ، كانت جميلة جدا ، رغم أن عينيها مغمضتان ، ولكن كل التجاعيد اختفت ، وارتسمت ابتسامة على شفتيها ، كن شعرها أبيض فضيًا ، يوحي بالوقار ، ورغم أنها كانت ميتة فالنظر إليها لم يكن مخيفًا بتاتاً ، أنها الجدة الحلوة الطيبة التي أعرفها ، وقد وضع كتاب الأناشيد تحت رأسها ، كما أمرت هيّ ، والوردة بين طياته ، وقد تم دفن الجدة .مقبرة الجدة :
عند قبرها زرعوا شجيرة ورد جوري ، كانت ملأى بالورود ، يغني العندليب فوقها ، وفي الكنيسة يعزف الأورغن وترتل الأناشيد الدينية المكتوبة في الكتاب تحت رأسها ، ويسطع القمر قليلاً على القبر ، ولكن الميت لم يكن هناك في المقبرة ، وبإمكان أي طفل أن يذهب في منتصف الليل إلى المقبرة لقطف وردة دون خوف !العيون لا تموت أبدًا :
الميت يعرف أكثر مما يعرف الأحياء ، الميت يعرف الخوف الذي نشعر به إزاء حدث غريب كأن يأتي الأموات إلينا ، الميتون أفضل منا جميعا ولن يأتوا ، هناك تراب حول التابوت وتراب فيه ، وسيصير كتاب الأناشيد بأوراقه ترابًا ، والوردة وكل الذكريات ستسقط في التراب ، ولكن فوق القبر ستزهر وردة جديدة ، وسيعزف الأورغن ، سنتذكر الجدة العجوز وعيناها الحنونتين اللامعتين إلى الأبد ، العيون لا تموت أبدًا ، عيوننا ستراها ذات يوم ، شابة جميلة ، مثلما كانت عندما قبلت الوردة الحمراء اليانعة لأول مرة ، والتي صارت ترابا في قبرها الآن .