قصة بنت البيضان

منذ #قصص منوعة


كان في قديم الزّمان ملك له ولد وحيد، وقد أعطى الملك ابنه فرساً، فكان الأمير يركب الفرس ويدور في الولايات. وفي أحد الأيام مرّ الأمير بكوخٍ تسكن فيه امرأةٌ عجوز فقيرة الحال، وكانت تحمل بيدها صحناً فيه دبس وتتكئ على عصا وهي تدخل الكوخ.

اصطدم الشاب بالعصا فانسكب الدبس من الصحن، فدعت عليه المرأة قائلة: أدعو الله أن تقع في حُبّ ابنة البيضان. فسألها الشّاب: يا خالة، مَن هي بنت البيضان؟

طَلَبت إليه نقوداً لتشتري طعاماً، بعد ذلك تخبره عنها. فأعطاها ما أرادت وأخبرته مَن هي بنت البيضان. وأخذ الشّاب يفكّر في بنت البيضان، حتّى هزل جسمه وشحب وجهه.

أحضر الملك أشهر الأطباء لمعالجة ابنه، وبعد أن فحصه الطّبيب قال للملك: ابنك يحبّ يا سيّدي.

فقال الملك: أنا مُستعدّ أن أزوّجه بِمَن يرغب.

أخذت الملكة تلحّ على الملك لمعرفة حقيقة الأمر، فأخبرها بحكاية بنت البيضان. فلما سمعت الأم إسم بنت البيضان، أخبرته أن رغبته صعبة التحقيق. فأكّد الشاب لأمه أن ذلك لا يهمّ، وأنّه مُصرّ على البحث عنها، وكلّ ما يطلبه هو السّماح له بالذهاب لمعرفة مكانها. وبعد إلحاحٍ شديدٍ، أذِنَ له والده.

استعدّ الشاب للسّفر، وأخذ معه المتاع اللازم، وامتطى صهوة فرسه القوي وخرج قبل شروق الشمس وكان يشعر بالسّعادة. وفي المساء، وصل إلى منطقةٍ فيها كثير من النخيل، بالقرب منها قصر، يقف بجانبه رجل قوي يقطع النخلة ويقسمها قسمين ويأكل كلّ قسم دفعة واحدة. وكان هذا الرّجل يقضي يومه في أكل النّخيل.

خاف الأمير من هذا الرجل وقال: إن كان يأكل نصف النخلة دفعة واحدة، فلا شك أنه سيأكلني أيضاً، واختبأ خلف القصر.

عند الغروب، رجع الرّجل القوي، وفي طريقه إلى القصر رأى الشاب، فسأله عن سبب جلوسه هناك، فتوسّل إليه الشاب حتى لا يأكله، ودعا الله أن يحفظه.

أخذ الرجل الشّاب وفرسه وأدخلهما القصر، وقدّم للشاب الطعام والشراب، وأمّنه على نفسه، وقال له: قم واسترح. وأعطاه فراشاً لينام، فنام. وفي الصباح، أخبره الأمير أنه سيذهب بعد يومين ليبحث عن بنت البيضان. فقال له الرّجل: هذه الصّحراء مملوءة بالصّخور التي كانت بشراً، حوّلتهم بنت البيضان إلى هذه الحال ورمت بهم في الصحراء. لا تذهب إليها وتحرُم شبابك. فقال الشّاب: هذا لا يهم.. أريد الزّواج منها.

وقبل شروق الشمس، قدّم الرجل للشّاب متاعاً، وقطع له ثلاث شعرات من رأسه وقال له: إذا شعرت بضيقٍ أشعل شعرة، وسأكون عندك في الحال.

شكره الشاب وودّعه وانطلق في الطريق. وفي المساء، وصل منطقةً وَجَد فيها رجلاً يحفر الأرض ويأكل التّراب، حتى صار بجانبه حفرةً كبيرةً، فتعجّب الأمير واختفى وراء قصرٍ قريبٍ من المنطقة، وظلّ يراقب الرّجل.

رأى الرجل الشاب وأخذه إلى قصره، وأطعمه وتركه ينام ليستريح، ثم سأله عن وجهة سيره، فحكى له الشّاب قصّته.

أخبره الرجل، كما أخبره الرّجل الأول، بأنّ بنت البيضان تُحوّل الرّجال إلى صخورٍ. لكنّ الشاب أصرّ على الذهاب إليها. فأعدّ الرجل للشّاب ما يلزمه للسفر. وقبل شروق الشمس، قبل أن يودّعه، أعطاه ثلاث شعراتٍ من رأسه، وقال له: إذا شعرتَ بضيقٍ، أشعل واحدةً، وسأكون عندك في الحال.

وتابع الأمير سيره.

وفي المساء رأى الأمير رجلاً أمامه قدرٌ كبيرٌ، يطبخ كميةً كبيرةً من الأُرُز ويأكله كُلّه. فتعجّب الشّاب. وعندما رآه الرجل أخذه إلى قصره، واستمع إلى قصّته، ثم قال له: عندما تصل إلى المدينة ستجد قصراً فيه امرأة عجوز. قُل لها إنّ أخاك فُلاناً بَعَثني إليك. واقض ليلتك عندها. وعندما تذهب إلى بنت البيضان، لا تركب فرسك، بل اذهب إليها على قدميك. إنّها تسكن قصراً في وسط الصحراء.

وصل الشاب حيث توجد المرأة العجوز، فرحّبت به وقدّمت له طعاماً. وتحدّث الإثنان طويلاً، ثم قالت له: اذهب مشياً ولا تكلّم أحداً، فإن رأتك بنت البيضان وأُعِجَبت بك، فسترسل إليك وتصعدك إلى غرفتها. أمّا إذا لم تعجبها فإنّها ستحوّلك إلى صخرةٍ. لكن إذا كنتَ لا ترغب في الذهاب فيمكنك أن تبقى معي وتعيش مُعزّزاً مُكرّماً.

لكنّ الأمير أصرّ على الذّهاب.

وفي الصباح، استحمّ ولبس ملابس جديدةً، وذهب في اتّجاه القصر المنشود. وعندما رأته بنت البيضان من الشّباك أعجبت به، وأرسلت خادمتها إليه، وأخذته إلى غرفة سيّدتها.

جلسا يتحدثان، فسألته عن الولاية التي قدم منها، وهل هو ابن الملك؟ وطلبت إليه أن يذهب إلى أبيها الملك الذي سيطلب منه أشياء، إذا حقّقها فستتزوّج منه. أمّا إذا لم يستطع تحقيقها فستحوّله إلى صخرةٍ.

أخذت الخادمة الأمير إلى الملك، فدخل وسلّم عليه وعلى الوزراء. وعندما طلب يد الأميرة طلب إليه الملك ثلاث مطالب، إنّ حقّقها فسيُزوّجه ابنته، فوافق الأمير.

قال الملك: الطّلب الأول هو أن تأتيني برجلٍ يستطيع أن يقلع النّخلة ويأكلها.

قال الشاب: هذا أمر بسيط جداً. وأخرج شعرةً وأشعلها، فجاء الرجل آكل النخيل، وأخذ يأكل نخلةً بعد أخرى.

خاف الملك أن يأكله هذا الرجل، فطلب إلى الأمير أن يأمر الرجل بالكفّ عن أكل النخيل.

ثم طلب الملك إلى الأمير أن يأتيه برجلٍ يستطيع أن يلتهم تراب حفرةٍ كبيرةٍ، فأشعل الأمير شعرةً، وجاء الرجل آكل التّراب، وأكل كميةً من التراب أكثر بكثيرٍ ممّا توقّع الملك.

وأخيراً قال الملك: المطلب الأخير هو أن تأتيني برجلٍ يستطيع أن يأكل كيساً كبيراً من الأُرُز في جلسةٍ واحدةٍ.

فأشعل الأمير شعرةً، فجاء الرجل آكل الأرز، والتهم ثلاثة أكياسٍ لا كيساً واحداً.

فقال الملك: ابنتي لك الآن.

أخذ الأمير بنت البيضان، وعاد بها إلى مملكة أبيه، وتزوّجها وسط الأفراح التي عمّت المملكة سبعة أيامٍ وسبعة ليالٍ.

وعاش الزّوجان عيشةً سعيدةً.

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك