قصة الإبـن الثّالث والحاكم

منذ #قصص منوعة


كان في قديم الزّمان رجلٌ عجوزٌ فقير الحال يعول أسرةً من بيع الحطب. وكان لهذا الرّجل ثلاثة أولاد. جمعهم عندما شعر باقتراب أجله وقال لهم:

يا أبنائي، قضيتُ حياتي لأجل تربيتكم، وأنا الآن أودّعكم، وأرجو أن يعتمد كلّ واحدٍ منكم على نفسه ويتعلم صنعةً . ثم توفّي.

في اليوم التالي، اقتسم الأبناء المال القليل الذي خلّفه لهم والدهم، وذهب كلّ منهم في سبيله.

لم يفعل الإبن الكبير شيئاً سوى التّسكّع في الشوارع، فأنفق نقوده ومات جوعاً.

أمّا الإبن الأوسط فكان مُجدّا، وتعلّم زراعة الخٌضَر، واشترى بنقوده بذوراً زرعها وأصبح معروفاً في سوق الخُضَر.

وأمّا الإبن الثالث فأخذ يُفكّر في كيفيّة كسب رزقه. وفي أحد الأيام، رأى صيّادي سمك فأخذ يراقبهم باهتمامٍ حتّى تعلّم صيد الأسماك. ثم اشترى صنّارتين وصار يذهب كلّ يومٍ إلى النّهر، ويصطاد سمكاً كثيراً ويبيعه ويدّخر النقود.

وفي أحد الأيّام، قضى وقتاً طويلاً ولم يصطد شيئاً، فحزن وقلق وقرّر العودة إلى البيت. وبينما هو يهمّ بسحب صنّارته، شعر بشيءٍ ثقيلٍ فسحبها، وإذا بسمكةٍ كبيرةٍ عالّقةً بها.

فرح الصيّاد كثيراً وفتح بطن السّمكة فرأى فيها الكثير من الأسماك الصّغيرة ومن بينها سمكة ذهبية حيّة أُعجِبَ بها، فوضعها في إناءٍ نُحاسيٍ مملوءٍ بالماء. وبعد قليلٍ، بدأت السمكة الذهبية تتحرّك وتهزّ ذيلها. وكان الصيّاد كلّما نظر إليها، ازداد إعجابه بها وحبّه لها، وتعلق بها، فأخذ يطعمها ويعتني بها.

مرّت الأيام، والسمكة تزداد حسناً، والصيّاد يزداد حباً لها. وذات يومٍ، رجع الصّياد إلى بيته مرهقاً ولم يجد سمكته الذّهبية فشعر بحزنٍ شديدٍ.

خرج الصّياد للصّيد في اليوم التالي، وكان حزيناً ومتعباً، فنام في ظلّ شجرةٍ خضراء. لكنه أفاق فجأة، فرأى أمامه شاباً في سنّه ينحني عليه ويحدّثه بلطفٍ: أنت لا تعرفني، ولكني أعرفك جيداً. أنا السّمكة الذهبية. أنا ابن ملك البحر. غير أنّي هربتُ من والدي، وتنكّرت بهيئة سمكةٍ لأتمتّع برؤية العالم الواسع فابتلعتني السّمكة الكبيرة، لكنّك أنقذتني. ووالدي يريد أن يراك ويشكرك.

ردّ الصياد: أنا مسرور للذّهاب معك، ولكن كيف أدخل الماء؟

فأجاب الأمير الشاب: أغلق عينيك وتعلّق بملابسي.

فعل الصياد ما طلبه الأمير، فرأى طريقاً واسعاً يمتدّ أمامه. وبعد فترةٍ، وصلا قصر الملك ذا الأعمدة البلّورية الحمراء، والجُدر البلّورية الصفراء والقرميد البلوري الأخضر، فاستقبله الملك بحفاوةٍ. وبقي الصّياد في ضيافته شهراً، ثم قال للأمير: أنا ممتنّ كلّ الإمتنان لضيافتكم الكريمة، ولكن يجب أن أعود إلى بيتي .

فقال الأمير: لك ما تريد، لكنّ والدي المَلك يودّ أن يقدّم لك هديةً، فأرجو أن تطلب إليه دجاجةً بيضاء.

ذهب الصّياد ليودّع ملك البحر ففتح له الملك خزائنه وطلب إليه أن يأخذ ما يشاء، فقال الصياد: أنا أعيش وحيداً في بيتي، فإذا سمَحتَ هِبني دجاجةً بيضاءَ لتؤنسني في وحدتي.

فكّر الملك لحظةً وأخذ يعبث بلحيته البيضاء، ثم أعطاه ما أراد.

رجع الصّياد إلى بيته ومعه الدجاجة. وأخذ يذهب إلى النّهر كل يومٍ، وكان يعود في المساء مرهقاً، فيجد مائدةً بها ما لذّ وطاب. وقد ظنّ في أول الأمر أن الجيران هم الذين يفعلون ذلك، لكنهّم نفوا ظنّه، فقرّر أن يعرف السّر.

تظاهر الصّياد أنّه ذاهب للصيد كما يفعل كلّ صباحٍ، وخرج من البيت، لكنّه عاد بعد قليلٍ فرأى فتاةً رائعة الجمال تطبخ الطّعام، فأمسك بها. سألها عن سرّ وجودها، فقالت له: أنا بنت ملك البحر. جئتُ لكي أعبّر عن شكرنا لك لإنقاذ أخي، لكنّي تنكّرتُ بهيئة دجاجةٍ بيضاء.

رح الصياد بالفتاة وتزوّجها، وعاش معها حياةً سعيدةً.

وفي أحد الأيام، رأى خادم حاكم البلدة الفتاة الجميلة وأخبر سيّده بما رأى. فأرسل الحاكم في طلب الصّياد. ولمّا مَثُل أمامه، طلب إليه أن يرسل له زوجته خلال ثلاثة أيامٍ وإلاّ قطع رأسه. فامتنع الصّياد وقال للحاكم: أُطلب إليّ أيّ شيءٍ عدا زوجتي.

غضب الحاكم وابتسم بخبثٍ وقال: أحضر لي إذاً خلال ثلاثة أيامٍ مئة وعشرين سمكةً حمراء، جميعها ذات حجمٍ واحدٍ.

عاد الصياد حزيناً إلى البيت، لكنّ زوجته طمأنته وأمسَكت ورقةً حمراء وقطّعتها مئة وعشرين قطعة ووضعتها في جرّةٍ، وصبّت عليها الماء، فتحوّل الورق إلى سمكٍ جميلٍ، باللون نفسه والحجم عينه.

ذهب الصّياد بالجرة وأعطاها للحاكم. فطلب إليه طلباً آخراً، وهو أن يحضر له لفةً من القماش الأزرق طولها طول الطّريق، خلال ثلاثة أيامٍ.

وطمأنته زوجته مرّةً أخرى وتحوّلت بسرعةٍ إلى سمكةٍ بيضاء وذهبت إلى قصر والدها وأحضرت معها ثمرة قرع سحريةً تستطيع أن تُلبّي أيّ طلبٍ. فطلب إليها الصّياد لفّة القماش الأزرق، فلبّت طلبه. وأخذ القماش إلى الحاكم الذي قال في غضبٍ: ما طول هذا القماش؟

فقال الصّياد: طوله طول الطّريق يا سيدي. فأمر الحاكم أن يُقاس. ثم فكّر الحاكم وطلب إلى الصياد قطيعاً من الخراف الحُمر وقطيعاً من الجواميس. لبّى الصياد طلب الحاكم، فاستغرب وقال للصّياد: أنت تملك شيئاً سحرياً يُلبّي طلباتك. أعطني هذا الشّيء وإلاّ سجنتُك.

خرج الصياد غاضباً وهو يُردّد: وحش وحش . فسمعه خادم الحاكم وأخبر سيّده بذلك، فأمر الحاكم بسجن الصياد، وقال له: هل تعرف الوحش الذي وصفتَني به؟ أحضر لي منه مئةً وعشرين في ثلاثة أيامٍ، وإلاّ قتلتك .

أخبر الصّياد زوجته بما طلب الحاكم، فابتسمت، وطلبت إلى القرعة السّحرية مئة وعشرين قفصاً كبيراً، وكميّةً من الحطب والفحم. ووضعت الفحم والحطب في الأقفاص وصبّت عليها زيتاً، فتحوّل ما في الأقفاص إلى وحوشٍ كاسرةٍ.

ذهب الصياد بالوحوش إلى الحاكم، فسأله الحاكم عن الطّعام الذي تأكله.

فأجاب الصياد: أنّها تتناول الزّيت فقط .

أمر الحاكم بإعطائها الزّيت حتى أصيبت بالتّخمة وظلّت الوحوش تصرخ طوال الليل. فذهب إليها الحاكم ليعرف سبب صراخها وهو يحمل فانوساً، فإذا بلهبٍ شديدٍ يصدر من الأقفاص بسبب نار الفانوس، فاشتعلت النيران والتهمت الحاكم الظّالم، وتخلّص الناس من ظلمه.

وعاش الصّياد مع زوجته في سعادةٍ وفرح

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك