قصة السحر الأسود

منذ #قصص منوعة


لا أقصد بالسحر الأسود أفعال الشياطين والأعمال السفلية كما يوحـي بذلك العنوان إنما قصدي هو النكد الزوجي بكــل إتجاهاته وأبعاده ذلك النكد الذي يكون فى أحوال كثيرة أشد تأثيرا من السحر الأســـــــــود لأنه يجعل حياتك أو حياتي وحياة أي إنسان صورة حقيقية من الجحيم فكثيرا ما نقابل فى حياتنا العادية إناسا متجهمة وجوههم العبوس سمة واضحة من سماتهم الشخصية

حتى أنه ليتخيل لهم أن هذا العبوس والنكد الدائم أقوى أسلحتهم للتأثير علــى الآخرين ولو أنهم راجعوا أنفسهم قليلا لعلموا وتعلموا أن تبسمك فى وجــه أخيك صدقة كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولله در الشاعر القائل: إن البـر شىء هين وجـه طلق وكلام ليــن !

من هنا تبدأ أحداث قصة نبوية التى جاءتني وعلي وجهها هالات النـــــــــــور والرضي قائلة : انني زوجة لرجل فاضل ولي ابن وحيد فى سن الشباب إنه ولدي عبد الواحد وأعمل أنا وزوجي موظفان وأحيا حياة إجتماعية بسيــــــطة هادئة ولكن مشكلتي هى انني كنت أظن نفسي دائما على حق في كل شــــىء وزوجي حسين على خطأ على طول الخط وبسبب حساسيتي المفرطة فقـــــد كنت أتأثر بأي شىء وأغتم له وأنكد على كل مـــن حولي وأرى زوجي حسين إنسانا متبلد الإحساس والشعور لا يتأثر بما تأثرت بــــــــــه ولا يتنكد به مثلي وكان دائما ينصحني بأن آخذ الأمور بشىء من البساطة وألا أتوقف أمام كل صغيرة لأعفي نفسي من النكد وليتني يا أخي استمعت إلى نصيحته وقتها !!

وهكذا مضت حياتنا أكثر من ربع قرن وزوجي يطيل لى فــي حبال الصبر وأنا لا أدع مناسبة للنكد مهمــا كانت تافهة بغير أن أتأثر بها وأنكد على من حولي وأري كل شىء في حياتي يدعو للنكد والشكوي حتى جاء يوم مشهود وسقط ابنى الوحيد عبد الواحد الذي يبلغ من العمر 20عاما على الأرض فجأة بلا أى سبب واضح ودون أن يفقد الوعي

وتكـــرر سقوط ولدي فقررنا عرضه على

الطبيب لعل أعصابه أو عضلاته تكون ضعيفة بسبب نموه السريع فـــــي مثل سنه هذه وذهبنا للطبيب وعرضنا عليه الأمـــر وفحصه بإهتمام شديد وطلب إجراء أشعة مقطعية على المخ وتم عمـــل الأشعة وسلمها لنا طبيب الاشعة

ونظرت فيها فلم أفهم شيئا ولكن زوجي حسين راح يلح على ابننا عبد الواحد بأنه لاداعي لوجوده معنا عند الرجوع بالاشعة لطبيب المخ والاعصاب ولـــــم أفهم سر هذا التصرف الغريب منه!

ولمت حسين فى نفسي على هذا التصرف وذهبنا الى الطبيب وأنـا فى إعتقادي أن الأشعة مجرد إجراء إعتيادي للإطمئنان لا أكثر ولا أقل !

وسلمنا الاشعة للطبيب فتفحصها بإهتمام شديد ثم قال لنا بعد تردد قصير وفي شىء من التعجب :كل هذا الورم ولم يصب ابنكم بالتخلف العقلي !!! إن عنده

ورما كبيرا

على المخ ولابد من إجراء جراحة عاجلة له فـي الخارج وإلا فسوف يصاب بالعمي والشلل ! يا إلهي !! عمى وشلل تقول نبوية : لقـــــد شعرت كأن زلزالا بدرجة عشرة ريختر قد ضربني وحدي فمادت بي الارض بشدة وهرولت من أمام الطبيب إلى الشارع شاردة مذهولة وعاجزة عـــن أى تفكير !!

ياربي ابني الوحيد الشاب الرياضي مفتول العضلات ! ألهذا السبب أصــــــــــر زوجي حسين بأن يذهب ولدنا عبد الواحد إلى النادي إذن فقد عرف كل شىء من طبيب الأشعة ورغم ذلك تماسك أمامنا !

هكذا يا أخي عرفت النكد الحقيقى في حياتي بعد أن كنت أفتعل النكد والمشاكل إفتعالا !! ودخل الهم حياتنا من أوسع أبوابه فكيف نجري لإبننا هـــــــــــــذه الجراحة الخطيرة فى الخارج ونحن موظفان وإمكانياتنا المادية محدودة !!

والله يا أخي شعرت كأن جبل المقطم قد إنهار فجأة فوق رأسي وتراكمت على صخوره !

لكن زوجي حسين الذى كنت أظنه متبلد الإحساس والشعور لأنــه لا يشاركني في تقدير أسباب النكد الوهمية السابقة طيلة 25 عاما راح بارك الله فيه وفي

أمثاله يجري هنا وهناك بلا كلل ولا ملل ليحصل على الموافقة على علاج ابني على نفقة الدولة بالخارج وأنا للأسف لا أفعل شيئا سوى البكاء والعويل !!

واستمر حسين في مساعيه حتى وافق القومسيون الطبي فى النهاية عـــــــلى سفر ولدي عبد الواحد إلى لندن لإجراء الجراحة الخطيرة وذهبت مع زوجي وابني إلى لندن وتمت الجراحة بنجاح والحمد لله حتى أن الطبيب الإنجليزي

نفسه تعجب وقال إنها معجزة من السماء حقا ألا يصاب ولدنا بالتخلف العقلي

مع وجود هذا الورم الكبير الذى يحتل مساحة كبيرة مـــــــن تجويف الجمجمة ويمنع المخ من النمو !

المهم أنني شعرت بنفسي إنسانة أخرى غير التي كنت أعرفها لقـــــد هبطت الطمئنينة والسكينة على قلبي أثناء إجراء العملية لولدى الحبيب فــــي غرفة العمليات ودخلت في مواجهة مع نفسي حاسبتها حساباً عسيراً لمــاذا كنت زوجة نكدية بتلك الصورة الرهيبة أين ما أشعر به الآن وما أواجهه مـن نكد عظيم من ذلك النكد (الهايف) الذى كنت أغتم له وأنكد به على مــــــــن حولي طوال أكثر من ربع قرن !!

لقد كنت أشكو من النكد اليومي فأراد الله سبحانه وتعالى أن يريني كيف يكون

النكد الحقيقي الذي يكوي القلب ويطحن الكبد !

إنها لطمة هائلة على وجهي لكي أفيق من تبطري على نعمة راحة البــال التى كنت أتمتع بها لكني لم أصنها ولم أشكر ربي عليها وبدأت مرحلة جديدة من المصالحة مع نفسي ومصالحة الدنيا من حولي وأخيرا أخــــــــــــيرا إرتسمت إبتسامة الرضي على وجهي وأشرق جبيني بنور الإيمان والحب لكل خلق الله

وابتعدت التكشيرة والعبوس من تجاعيد وجـــهي نهائيا وحلت محلها إبتسامة الإيمان والمحبة والغفران وأصبحت أرى كل شىء جميلا وأتعجب كيف غاب عن ناظري كل هذا الجمال من قبل

وكيف شكوت قبل ذلك مـــــــن كل شىء وتنكدت لكل شىء !!

تلك كانت قصة نبوية التى هداها الله إلى نور الإيمان وحسن الظن بالناس

وهذه الصحوة بمثابة فيض حميم من الإيمان الصحيح حقا لأن جحود نعمة الخالق جل شأنه والتبطر عليها وجحود فضائل الآخرين وفضلهم ورميهم بسوء الظن دائما ليس من حسن إيمان المرء فى شىء والمؤمن الحق هو من لا يجحد نعمة ربه ولا يسمح لبعض الأكدار العارضة أو الموهومة بأن تعمى بصيرته عما وهبه الله من أسباب السعادة والرضا وهو أيضا من لا يبخس الآخرين أقدارهم ولا يجحد فضلهم فالمحنة التى تعرضت لها نبوية

بمثابة إنتفاضة كبرى أزالت الصدأ عن قلبها وعقلها وأعادت الحب للآخرين والإبتسامة الإيمانية إلى وجهها وصدق الشاعر الكريم فى قوله :

إن نفسا لم يشرق الحب فيها هي نفس لم تدر ما معناهـــــا

فأنا بالحب قد وصلت إلى نفــــسي وبالحب قــــــــد عرفـــــت اللــــــــه

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك