قصة جوهـرة الصيّـاد

منذ #قصص منوعة

كانت قرية واس تقع على شاطئ نهرٍ كبيرٍ قرب غابةٍ كثيفةٍ، وكانت تتألّف من مجموعةٍ من الأكواخ الخشبيّة، يسكنها صيّادون يعيشون من صيد السّمك، وهُم سعداء في حياتهم رغم فقرهم.

إعتاد الصّيادون التجمّع حول نارٍ كبيرةٍ يشعلونها في ساحة القرية مساء كلّ يوم خميسٍ، فيُغنّون ويرقصون حتّى ساعةٍ متأخّرةٍ من اللّيل. وفي نهاية الإحتفال، يَعلُنُ كبيرُ الصّيادين إسم الرّجل الذّي اصطاد أكبر سَمكةٍ خلال الأسبوع، ويمنحه جائزةً ماليةً وإجازة أسبوعٍ يقضيها الرّجل كما يشاء.

كان بين الصّيادين أخوان: الكبير اسمه ثرثار والأصغر اسمه سيّار . وكان ثرثار شاباً خاملاً كسولاً يلفّقُ الأكاذيب، ويُوقع الفتنة بين الصّيادين، ولا يتورّع عن إيقاع الأذى بأيّ إنسانٍ. أمّا سيّار فكان نبيلاً شهماً يحبّ عمله ويُحسن إلى كلّ محتاجٍ.

وكلّما خرج الأخوان للصّيد معاً، كان ثرثار يلقي شباكه في أقرب مكانٍ من شطّ النّهر، ثم يستلقي في ظلّ شجرةٍ، وينام حتّى مغرب الشّمس، فيهبّ إلى النّهر ويجرّ شباكه فيأخذ بعض السّمك العالق فيها، ويترك الباقي حتّى يخفّف حمله وهو في طريق العودة إلى قريته.

أمّا سيّار فقد كان يفتّش عن أفضل الأماكن التي يُحتَمَل وجود الأسماك فيها مُهماً، بعيداً عن شاطئ النّهر.. لا يُبالي بالتّعب، وكلّ همّه أن يصطاد السّمكة الكُبرى.

ذات يومٍ، خرج الأخوان إلى الصّيد معاً، وقد عزم سيّار على ألاّ يعود إلى القرية إلاّ وقد اصطاد أكبر سمكةٍ في النّهر. فركب زورقه وابتعد كثيراً عن القرية في النّهر. ورفض ثرثار أن يرافقه، فبقي كعادته في مكانٍ قريبٍ من القرية، وألقى شباكه في النّهر ونام تحت شجرةٍ كبيرةٍ.

مضى النّهار، وغابت الشمس، وعاد الصّيادون إلى القرية ولم يستطع سيّار اصطياد سمكةٍ كبيرةٍ، فعزم على قضاء اللّيل في النّهر ليلقي شباكه طوال اللّيل حتّى يفوز بما يريد. وكان كلّما سحب شباكه، وجدها مليئةً بالأسماك الصّغيرة، أفرغها في النّهر ثانيةً وألقاها من جديدٍ في الماء.

تعب سيّار وأرهقه العمل وغلب عليه النّعاس، فسقط في أرض الزّورق وغرق في نومٍ عميقٍ. وعندما أستيقظ شدّ شباكه فوجدها ثقيلةً بشكلٍ غير عاديٍّ. فجرّها بكلّ قوته داخل الزّورق، فإذا بها سمكةً كبيرةً عجيبة الشّكل، لها عينان من الياقوت الأحمر، وزعانف من الذّهب الخالص، وجلد مرصوف بالأحجار الكريمة.

جَذَفَ سيّار بزورقه ومضى مُسرعاً نحو شاطئ النّهر، ولما فتح الشّبكة وهَمّ بحمل السّمكة العجيبة، سمعها تقول له بصوتٍ هادئٍ حزينٍ، وكأنّها فتاةٌ في العشرين من العمر: أيّها الصّياد الطيّب القلب، ما مُرادك من حملي إلى اليابسة والتّسبب في موتي؟ إذا كنتَ بحاجةٍ إلى المال، فأنا أعدك أن أجعلك من الأغنياء. أمّا إذا كان ذلك إرضاءً لغرورك، فسوف تندم على قتلي طول حياتك، وإذا تركتني أعود إلى أهلي فإني سأعطيك جوهرةً ثمينةً مع مطلع هلال كلّ شهرٍ.

دهش سيّار لمّا سمع السّمكة تتكلّم ولم يستطع أن يجيبَ، لكنّه تردّد قليلاً وحمل السّمكة وألقاها في النّهر.. وعندما هَمّ بالعودة وقع نظره على جوهرةٍ مُلقاةً على أرض زورقه، فتناولها فرحاً، ووضعها في جيبه وعاد مسرعاً إلى قريته. كان حفل الصّيادين عامراً وضجيجهم يملأ أجواء الغابة. ولمّا بلغ سيار ساحة القرية، جلس في مكانٍ بعيدٍ عن النّار المُشتعلة.

ذهب إليه معظم الصّيادين وتحلّقوا حوله يناشدونه الإشتراك معهم في غنائهم ورقصهم، لكنه بقي جالساً من شدّة التّعب، وقد بدت عليه علائم الشّرود.

استغلّ ثرثار الموقف، وأخذ يسخرُ من أخيه ويهزأ من كثرة محاولاته اصطياد أكبر سمكةٍ في النّهر. لكن سياراً بقي هادئاً، ولم يكترث لإستفزازات أخيه. وتمادى ثرثار في سخريته، وأخذ يشرب الخمر -والخمر تذهب بالعقل-فأخذ يدور حول أخيه ويوجّه له كلاماً بذيئاً جارحاً. وفجأةً، وقف وصاح بصوتٍ عالٍ: أيّها القوم انظروا! إنّ صدر سيار يبعث نوراً وهّاجا! . فنظر الجميع إلى صدر سيّار فرأوا نور الجوهرة يشعّ من صدره، وكان قد أخفى الجوهرة حتّى لا يراها الصّيادون. لكن بعد أن شاهدوها، أطلعهم عليها وكتم سرّ السّمكة العجيبة.

ولمّا صحا ثرثار من سكره، لعب في رأسه الحسد والغيرة من أخيه، ورأى الجوهرة موضوعاً يُمكن استغلاله للإيقاع بسيّار والنّيل منه. فانسلّ من القرية دون أن يراه أحد، وذهب إلى وزير الوالي وطلب إلى الحُرّاس مقابلة الوزير لأمرٍ مهمٍ جداً

ولمّا أبلغ الحرّاس الوزير، طلب ثرثاراً وسمح له بالدّخول عليه.

وقف ثرثار بين يديّ الوزير بأدبٍ بالغٍ، وأظهر تقديره له وحرصه على مصلحة الدّولة، وأخبره بصوتٍ منخفضٍ أنّ أخاه حصل على جوهرةٍ نادرةٍ لا تُقدّر بثمنٍ، وهو فقيرٌ لا يستطيع شراء خاتمٍ. فإمّا أن يكون سيّار قد سرقها أو يكون في الأمر سرّ يهمّ الدّولة معرفته.

توجّه الوزير في الحال مع عددٍ من الجنود إلى قرية الصّيادين، وألقى القبض على سيّار وصادر منه الجوهرة، وأمر بسجنه للتّحقيق معه ومعرفة سرّ الجوهرة الثّمينة.

في اليوم التّالي، أطلق الأمير سراح سيّار، إذ فكّر أنّ لا فائدة من سجنه، بينما إذا أطلقه قد يستطيع الحصول على جوهرةٍ أخرى فيكون له بالمرصاد ويصادرها منه.

نادى الأمير ثرثاراً وأعطاه بعض الدّنانير جزاء وشايته بأخيه، وطلب إليه أن يراقبه جيّداً للحصول على سرّ الجوهرة.

مضت أربعة أسابيع، وثرثار يراقبُ أخاه بكثيرٍ من الحذر والدّهاء، حتّى إذا كان أوّل الشّهر، رآه يحمل شباكه إلى زورقه ويدفعه إلى النّهر ويمضي مسرعاً؛ فلحق به وصار يراقبه من بعيدٍ حتى لا يتنبه إليه.

وصل سيار إلى مكان السّمكة العجيبة، فأوقف زورقه وراح ينتظر ظهورها. وما إن ظهر الهلال حتى قفزت السّمكة من الماء، وألقت في زورق سيّار جوهرةً كالجوهرة السّابقة، وغابت ثانيةً في مياه النّهر.

عاد سيّار إلى القرية وهو لا يدري أنّ أخاه الشّرير تلصّص عليه وعرف سرّ السّمكة العجيبة، وأنه في طريقه إلى الوزير لإعلامه بالأمر.

ولم يكد سيّار يبلغ كوخه حتى أدركه الوزير وجنوده، ومرّةً أخرى انتزع الوزير من الصّياد المسكين جوهرته الثّمينة، وأمر بضربه أمام الصّيادين حتّى يخافوا، فلا يتدخّلوا في الأمر.

خاف سيّار على السّمكة من الوزير، فقرّر أن يذهب إليها ويطلب أن تكفّ عن إعطائه الجواهر، وتبتعد عن المكان حتّى لا يصل إليها الوزير.

وعندما حان موعد الشّهر، ركب زورقه بكثيرٍ من الحذر، ووقف في وسط النهر ينتظر السّمكة العجيبة، وعندما ظهرت وَهَمّت بإلقاء الجوهرة، صاح بها في أعلى صوته، قائلاً: أيّتها السّمكة الطّيبة كُفّي عن إعطائي الجواهر، أتوسّل إليك أن تبتعدي عن هذا المكان حفاظاً على سلامتك . ولمّا سألته السّمكة عمّا جرى، قصّ عليها حكايته مع الوزير، فقالت له: لا تخف، هذه المرّة سأعطيك جوهرةً زرقاء مسمومةً، تصيب من يلمسها بمرضٍ جلديٍّ شديد الآلام، لا دواء له غير البندقة التّي سألقي بها إليك أيضاً.. فتُدبّر أمر أعدائك بما يستحقّون . قالت هذا وألقت بجوهرةٍ زرقاء وبندقةٍ، ثم غابت في مياه النّهر.

ومرّةً أخرى، عاد سيّار فوجد الوزير بانتظاره مع جنوده، فسلبه الجوهرة وأمر بضربه كالمرّة السّابقة.

عندما لمست يد الوزير الجوهرة الزّرقاء، أخذ مفعول السُّم يجري في جسده. ولم يكد يبلغ قصره حتى كان جسمه كلّه قد احمرّ وتورّم، وأخذ الألم يشتدُّ ساعةً بعد ساعةٍ.

صارت آلام الوزير لا تُحتَمَل، وعجز طبيبه عن مُداواته، وحضر الملك ليعود وزيره ويقف على أخباره، فوجده على تلك الحال من المرض الذّي لا يُطاق. ولمّا سأله عن سبب مرضه المفاجئ، اضطرّ الوزير أن يروي للملك قصّته كاملةً.

أمر الملك بإحضار الأخوين، وسمع من سيّار قصته العجيبة، فأمر بإعادة الجواهر إليه وبوضع ثرثار في السّجن.

غلبت على سيّار أخلاقه النّبيلة، فطلب إلى الملك أن يسمح له بمداواة الوزير، فسمح له بذلك. وبعد أن أطعمه البُندقة، شُفِيَ من مرضه فوراً.

أُعجِبَ الملك بأخلاق سيّار فأمر بخلع وزيره الجشع وعيّن سياراً مكانه. ومنذ ذلك الحين، أصبح سيّار وزير الملك في تلك المنطقة، واحتفل بتعيينه جميع الصّيادين

اضف تعليقك (سجل دخولك للموقع اولاً)
loading...

قصص مقترحة لك