يحكى أن ثلاثة من الجنود المحبين للوطن، وأسماؤهم: فائز ونادر وغالب انتهوا من الحرب، فأرادوا الرجوع إلى بلادهم. فساروا في طريقهم مسافة طويلة، وأخذوا ينتقلون من قرية إلى أخرى، ومن بلد إلى بلد، وهم متألمون بسبب المعاملة السيئة التي عوملوا بها بعد القتال سنوات طويلة، والانتصار في محاربة العدو وطرده من البلاد. واضطروا إلى السير على الأقدام مسافات طويلة.
وصلوا غابة من الغابات، وقضوا ليلتهم فيها، وتناوبوا الحراسة خوفا من أن تهجم عليهم الحيوانات المفترسة.
نام فائز ونادر ليستريحا، وقام غالب يجمع بعض الخشب، وأوقد ناراً كبيرة ليدفئ نفسه تحت إحدى الأشجار، وجلس بجانب النار يحرس رفيقيه.
وبعد فترة قصيرة أقبل عليه قزم يلبس معطفاً أحمر وسأله وهو بعيد: من هناك تحت الشجرة؟
فأجابه غالب: صديق من الأصدقاء.
فسأله القزم: ومن هذا الصديق؟
فأجابه غالب: هو جندي خدم الوطن وهو الآن متقاعد، وهو الآن لا يجد مسكنا له، فلجأ إلى الغابة لينام فيها هو واثنان من أصدقائه الجنود. تعال واجلس معي لتدفئ نفسك من البرد.
فقال القزم: إني أتألم لك ولصديقيك، وسأعمل ما في استطاعتي لمساعدتك في هذه الحياة القاسية وأعطاه رداءً عجيباً وقال له: احتفظ بهذا الرداء، واحذر أن يضيع منك، لأنه ثمين جدا. وإذا لبسته في أي وقت من الأوقات، وتمنيت أي شيء، تحققت رغبتك في الحال.
فشكر له غالب معروفه، وودعه القزم، ثم ذهب إلى حاله.
وبعد قليل أتى دور فائز في الحراسة، فاستيقظ، ونام غالب مكانه. وبعد ساعة حضر القزم ثانية، فاستقبله فائز استقبالا حسنا، فأهدى إليه القزم كيسا عجيبا، مملوءاً نقوداً ذهبية، لا ينقص ما فيه مهما ينفق الإنسان منه. فكانت هديته ثمينة لا تقدر بمال.
وحينما أتى دور نادر في الحراسة، حضر القزم للمرة الثالثة، فقابله نادر مقابلة حسنة، فأهدى إليه القزم بوقاً موسيقياً عجيباً، إذا نفخ فيه مرة واحدة تجمع الناس حوله وتمتعوا بموسيقاه العذبة. وإذا نفخ ثلاث مرات حضرت فرق كبيرة من الجيش، مزوّدة بالأسلحة، مستعدة لتنفيذ أوامره. فشكر القزم.
في الصباح، حكى كل منهم حكايته مع القزم وعرض هديته الثمينة، وبيّن فوائدها. ففرحوا، وحمدوا الله على نعمه عليهم، واتفقوا أن يعيشوا معا ويشاركوا بعضهم في ثرواتهم العجيبة. واتفقوا على القيام برحلة حول العالم، فأخذوا ينتقلون من مدينة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، ويسافرون في البحر مرة، وفي العربات التي تجرها الجياد مرة أخرى. وعاشوا مثل الأغنياء من السائحين، ينتقلون شتاء إلى البلاد الدافئة، ويتفرجون على الآثار في كل بلد يزورونه.
ثم فكروا أن يستقروا في بيت كبير ويعيشوا حياة هادئة. فلبس غالب الرداء العجيب، وتمنى أن يكون له ولرفيقيه قصر جميل، فيه كل وسائل الراحة.
وفي الحال وجدوا أمام أعينهم قصراً عظيماً تحيط به حدائق غنّاء، وملاعب واسعة منظمة. وعلى بعد من القصر مراع وحظائر كثيرة، واصطبلات للخيل. ووقفت أمام القصر ثلاث عربات جميلة للرياضة والخروج للتمتع بالهواء الطلق.
لكنهم بعد فترة سئموا الحياة، لأنهم لم يزوروا أحدا ولم يزرهم أحد، ففكروا في زيارة الحاكم. فأرسلوا رسولا يخبره برغبتهم في زيارته، فرحب بهم، واستقبلهم استقبالا عظيما، وأكرمهم لأنه حسبهم من أبناء الملوك لمظاهر الأبهة التي تحيط بهم. ودامت زيارتهم عدة أيام.
كان فائز، صاحب الكيس العجيب، يسير مع الأميرة، وهي البنت الوحيدة للحاكم، فرأت في يده الكيس، فسألته عنه، فأجابها بحسن نية عن الكيس العجيب، وأن ما فيه من ذهب لا ينفد.
كانت الأميرة ساحرة ماكرة ذكية، وهي تعرف قيمة الكيس العجيب والرداء العجيب والبوق الغريب. وتمنت أن تحصل على هذه كلها. فعملت كيساً شبيهاً بالكيس السحري، دعت الأميرة فائزا لزيارتها في يوم من الأيام، وأوصت الخادم أن يقدم له فنجانا من الشاي، لدى حضوره، يضع فيه مادة منومة. ففعل، فشرب فائز الشاي، ونام في الحال، فأخذت الأميرة الكيس الثمين منه، ووضعت مكانه الكيس الذي صنعته.
في الصباح ترك الجنود القصر، وعادوا إلى بيتهم، واحتاجوا لشراء بعض الحاجات، فأخذوا ما في الكيس من نقود، لكنه لم يمتلئ ثانية كما كان يملأ، على غير عادته. فعرف الجنود في الحال أن الأميرة احتالت على فائز وانتزعت الكيس منه أثناء نومه. فحزن فائزاً حزناَ عميقاَ.
قال غريب: لا تحزن، لا يزال لدينا الرداء العجيب والبوق الغريب. ووضع الرداء السحري فوق كتفيه، وتمنى أن يكون في غرفة الأميرة في قصرها. ووجد نفسه في الحال في غرفتها، وهي وحدها تعد الجنيهات الذهبية. ولما رأته صارت تصرخ بأعلى صوتها: لصوص! أمسكوا بالسارق. فحضر الخدم يجرون من كل ناحية من القصر ودخلوا حجرتها، وحاولوا أن يقبضوا عليه، فخاف كثيرا، ونسي أن يلبس الرداء السحري، وجرى إلى النافذة وقفز منها، ولسوء الحظ علق الرداء بمسمار، فتركه وهرب قبل أن يقبضوا عليه. وفرحت الأميرة بالرداء فرحا شديداً. فقد فازت بالرداء العجيب من غير تعب.
عاد غالب إلى البيت ماشياً، يندب سوء حظه، وضياع ردائه! فقال له نادر: لا تحزن، لا يزال لدينا البوق!.
ونفخ فيه ثلاث مرات، فحضرت فرق من الجنود لا عدد لها، ومعها أسلحتها وذخائرها، لتنفيذ أوامر سيدهم نادر. وأخبر القائد بما حصل مع صديقيه وأن الأميرة خدعتهما وأخذت الكيس والرداء.
حاصر الجنود القصر في الحال، وأرسل القائد إلى الحاكم رسولا يأمره بتسليم الكيس والرداء اللذين عند بنته. وهدده بهدم القصر إذا لم ينفذ ما أمره به.
رفضت الأميرة تسليم الكيس والرداء لأحد. وحاولت أن تتخلص من المشكلة بحسن الحيلة والمكر. فلبست ملابس فتاة فقيرة، وأخذت سلة بها عقود وحلي لبيعها في معسكر العدو، وخرجت مع جاريتها. وأخذت تلف حول خيام الجيش، وتغني أغاني عذبة، فترك الجنود خيامهم، وجاؤوا مسرعين ليسمعوا غناءها. وجاء نادر صاحب البوق العجيب معهم، وكانت اتفقت مع جاريتها أن تذهب خفية إلى خيمته وتأخذ منها البوق السحري المعلق في الخيمة، وتذهب إلى القصر بسرعة، وتنفخ فيه ثلاث مرات، عندما تعطيها إشارة خاصة.
ذهبت الجارية ونفذت الخطة، فانصرف القائد والجنود وتركوا حصار القصر، ورجعت الأميرة منتصرةً، وصارت تملك الهدايا الثلاث العجيبة. وصار الجنود الثلاثة فقراء مفلسين، وافترقوا وودع بعضهم بعضا وسار غالب إلى الشرق, وسافر فائز ونادر معا إلى الشمال.
وصل غالب الغابة التي كان قد وجد فيها مع صديقيه الحظ السعيد، وكان متعبا فجلس يرتاح تحت شجرة، لكنه نام، وفي الصباح وجد الشجرة التي ينام تحتها مملوءة تفاحا ناضجا، جميل الشكل. وكان جائعا جدا، فقطف تفاحة وثانية وثالثة، وأكلها. وأحس إحساسا غريبا في أنفه، فلمسه بيده، فوجد أنفه قد كبر، وأخذ يكبر ويمتد حتى وصل إلى الأرض، واستمر ينمو، ويمتد على أرض الغابة حتى وصل إلى آخرها، وامتد في الطريق خارج الغابة.
كان رفيقاه فائز ونادر يمشيان في الطريق. فعثرت رجل فائز بشيء على الأرض، ولم يعرفا ما هو، وتتبعا أثره حتى يصلا إلى أوله، ووجداه أخيرا ينتهي عند صاحبهما المسكين غالب، النائم الحزين، تحت شجرة التفاح.
جلس الثلاثة وهم في حيرة من الأمر، ودعوا الله أن يخلصهم من هذا الموقف. وبعد قليل وجدوا صاحبهم القديم القزم ذا المعطف الأحمر مقبلا، وسلم عليهم، وسأل صاحب الأنف الطويل، وهو يضحك:
كيف حدث هذا؟ مع أنه يعرف السبب، ويعرف الدواء. وقال لهم: لا تقلقوا، سأدلكم على دواء يشفيه من مرضه في الحال.
ثم قال لصديقيه: أحضرا له بعض الكمثرى(الإجاصة)، من الشجرة القريبة من شجرة التفاح، فإن في الكمثرى علاجه وشفاءه.
جرى فائز ونادر، وقطفا مقداراً من الكمثرى، وأكل غالب منها، فبدأ طول أنفه ينقص بالتدريج، حتى رجع إلى حالته الطبيعية. فرح غالب وصديقاه كثيرا، وشكروا للقزم خدماته الكثيرة، وأخبروه بما فعلته الأميرة.
دلهم القزم على خطة يستطيعون بواسطتها أن يسترجعوا هداياهم القيمة. فقال غالب: خذ شيئا من هذا التفاح وهذه الكمثرى، وبعها التفاح أولا، فإذا أكلت تفاحة طال أنفها وكبر كما حصل لأنفك، فشكروه على فكرته.
لبس غالب كما يلبس البستانيون وأخذ معه سلة مملوءة بالتفاح العجيب، وذهب إلى قصر الحاكم، وعرض ما عنده من تفاح. وتمنى كل من رأى التفاح أن يذوقه. فقال لهم: إنه خاص بالأميرة. فأرسلت خادمها الذي اشترى التفاح كله، وغسله وقدمه للأميرة، فأخذت تفاحة فوجدتها لذيذة الطعم، فأكلت تفاحتين أخريين.
بعد ذلك بدأت تشعر بألم في أنفها، ووضعت يدها عليه، فوجدته يطول وينمو بسرعة، استغاثت بأبيها، فجاء الطبيب بسرعة، وطال أنفها حتى وصل الأرض. تعجب الطبيب وأعطاها دواء، فشربته ولم تجد له نتيجة.
أعلن الحاكم في جميع البلاد يستدعي الأطباء والجراحين لعلاج الأميرة. ووعد بإعطاء من يشفي الأميرة من مرضها العجيب جائزة ثمينة.
حضر الأطباء والجراحون، وجرّبوا كل ما عندهم من أدوية. لكن الأميرة لم تتحسن، وبقيت على هذه الحال أسبوعين. ثم جاء غالب وقد لبس ملابس طبيب، وحضر إلى القصر لعلاجها، وكان في حقيبته شيء من الكمثرى. وفحص الأميرة، وقال إنه يستطيع شفاءها، لكنها تحتاج إلى كثير من الزيارات.
وسألها عن سبب مرضها، فأخبرته أنها أكلت ثلاث تفاحات، فحدث لها ما حدث.
طلب إليها أن تريه التفاح، فقطع قطعة من إحدى التفاحات وأمرها بأكلها ليرى النتيجة في اليوم التالي. وفي الصباح وجد أنفها قد طال.
زاد قلق الأميرة، فأعطاها غالب قطعة صغيرة من الكمثرى لتأكلها، وزارها في اليوم التالي، ووجد أنها تتحسن وأنفها أخذ يقصر طوله. فقال لها: إن الدواء الذي أعطيتك إياه هو العلاج الوحيد لمرضك، ولا يعرفه أحد غيري، ثم أعطاها قطعة من التفاح.
ولما زارها في اليوم التالي، وجد أن أنفها قد طال، وحالتها ازدادت سوءاً. فقال لها: يبدو لي أنك قد أذنبت وأغضبت الله، ولن يتم العلاج إلا إذا طهرت نفسك من الذنوب، وأرضيت الله.
فأنكرت الأميرة بشدة أنها ارتكبت ذنبا، وقالت إنها لم تغضب الله. فقال لها غالب: أنت مذنبة، وستموتين بهذا المرض الخبيث إن لم تقولي الحق، وتعترفي بذنبك وتتوبي إلى ربك.
ثم أخبر الطبيب الحاكم بأن حالتها ساءت بعد أن تحسنت كثيراً، وأنها لن تشفى إلا إذا اعترفت بما فعلت، وتابت عن ذنبها. فنصحها أبوها أن تعترف بالحقيقة، حتى تشفى ويزول عنها الخطر.
فقالت الأميرة: لقد احتلت على بعض الجنود وأخذت منهم كيساً ثميناً، ورداءاً عجيباً، وبوقاً غريباً؟ هذه هي كل ذنوبي. فطلب أبوها أن تعيدها إلى أصحابها، وأن تسلمها إلى الطبيب ليرسلها إليهم، ويكمل علاجها.
طلبت الأميرة إلى الجارية أن تحضر هذه الأشياء الثلاثة، فأحضرتها، وقدمتها الأميرة إلى الطبيب، راجيةً أن يرجعها إلى أصحابها، ووصفتهم له. لما تسلم الهدايا الثمينة، لبس الرداء العجيب، وأعطاها حبة كمثرى كاملة، فأكلتها، وعاد أنفها إلى حالته الطبيعية، وشفيت من مرضها تماما، ولم ينتظر الطبيب شيئا من المكافأة.
وتمنى أن يكون مع صديقيه، وفي الحال وجد نفسه معهما. وعاش الأصدقاء الثلاثة معا عيشة سعيدة، كلها تعاون ومحبة وإخلاص.