يُحكى أنّ أسكافياً فقيراً اسمه عصفور كان يعيش في مدينة بغداد القديمة. وكانت له زوجة اسمها جرادة ، تُذكّره كل يومٍ بفقره وعجزه عن توفير حياة مريحة لها.
وذات يومٍ، رأت جرادة وهي تتجوّل في السوق، سيدةً ترتدي ملابس فاخرةً وتتجمّل بالحلي من ذهب وماس ولؤلؤ وحولها مجموعة من الخادمات الجميلات. وسألت عن المرأة فقالوا لها: إنّها زوجة رئيس المُنجّمين عند الملك. وسألت مرة ثانية: وماذا يفعل المنجّم؟ فقالوا لها: يتطلّع إلى النجوم في السّماء ثم يتنبّأ بما سيحدثُ في المستقبل ويقرأ أفكار الناس، ويعرف أماكن الأشياء المفقودة.
قالت جرادة لنفسها: ولماذا لا يصبح زوجي عصفور مُنجّماً حتى أصبح غنيةً كهذه السيدة؟! وأسرعت إلى المنزل.
رأى الإسكافي وجه زوجته المتلهّف فسألها: ماذا حدث يا عزيزتي؟ فأجابت بغضبٍ: لماذا اخترت مهنة الإسكافي التافهة؟ هل ستظل طول حياتك تصلح الأحذية؟ لماذا لا تصبح مُنجّما فتربح مالاً كثيراً فينتهي فقرنا وجوعنا؟
صاح عصفور: هل أنت مجنونة يا زوجتي؟ كيف أصبح مُنجّماً وأنا لا أعرف شيئاً عن النّجوم؟!
قالت الزوجة: كفى كلاماً إذا لم تعمل من الغد مُنجماً، فسأعود إلى منزل أسرتي ولن أعيش معك بعد اليوم!
احتار الأسكافي في ما يفعل.. إنّه يحب زوجته ولا يريد أن يفقدها. لكن كيف يصبح مُنجّماً؟؟
أمّا الزوجة التي تحلم بالثراء، فقد جمعت له بعض الكراريس القديمة واستعارت سجادة صغيرة من بيت والدها، وقالت: هذا كل ما تحتاج إليه لتصبح مُنجّما. وألحّت عليه ليجلس بين المُنجّمين في السوق. فذهب ونفّذ ما تريد.
كانت زوجة السلطان تنتظر مولودها الأول، وذهبت لتشتري ملابس للطفل، فرأت عصفوراً يجلس وحده، فأرسلت خادمتها لتستفسر منه عن صناعته. ولمّا علمت أنه مُنّجم جديد أرسلت إليه دينارا مع الخادمة وسألته: هل المولود الذي تنتظره السّلطانة ذكر أم أنثى؟
فرح عصفور بالدّينار الذي يمسك به لأول مرة في حياته! ثم صار يُقلّب في كراساته، ويعضّ شفته وهو ساكت لا يتكلّم. وقال في نفسه:
سأجيبها بأسلم إجابةٍ، قد يخطئ نصفها ولا تخطئ كلّها. إذا قلتُ إنها ستلد ولداً فقد تلد بنتاً، وان قلت بنتاً فقد تلد ولداً. أمّا إذا قلت إنّها ستلد ولداً وبنتاً، فإن نصف إجابتي فقط ستكون مخطئةً سواء وُلدت ولداً فقط أو بنتاً فقط، أو ولدين أو بنتين، وستكون إجابتي صحيحةً إذا ولدت ولداً وبنتاً. لذلك رفع وجهه إلى السماء وهز رأسه وقال: ولد وبنت ليس كمثلهما في الأرض أحد.
أسرعت الجارية وأخبرت السلطانة بإجابة الشيخ عصفور المُنجّم .
وقبل أن يطلع الصباح كانت السلطانة قد ولدت ولداً وبنتاً كما قال عصفور المًنجم ، وامتلأ القصر بالفرح والإبتهاج.
وفي اليوم التالي، أرسلت السلطانة مع بعض خدمها بغلةً وملابس فاخرة، وألف دينار هدية للمنجم عصفور، وطلبت إليهم أن يبحثوا عنه ويسلّموه الهدية ويحضروه إلى القصر لتشكره على أنّه بشّرها بهذا الميلاد المُبارك.
أمّا عصفور المنجم، فما إن تركت الجارية الدينار في يده وانصرفت، حتى جمع الدفاتر والسّجادة وهرب إلى البيت، وقال لزوجته: لقد أخذتُ اليوم ديناراً، لكنّي كذبت على زوجة السلطان. غدا ينكشف كذبي ويشنقونني. خُذي هذا الدينار، وإذا جاء أحد يطلبني فقولي إنني لستُ هنا وأعطيهم دينارهم ليذهبوا عنّا.
وبات عصفور مهموماً حزيناً، يفكّر فيما يمكن أن يحدث له في الغد.
وفي الصباح، أقبل خدم السلطان يسألون عن المُنجم الجديد. فسمعهم عصفور وقد امتلأ قلبه رعباً وقال لإمرأته: هذه نتيجة مشورتك! تقولين لي إعمل مُنجماً، ولا تتدبرين العواقب!! اذهبي قابليهم إذن، وخذي أنتِ الصفع والركل! قولي لهم إني رجل مجنون، لا أدري ما أقول. ثم أسرع واختبأ داخل الدار.
لما فتحت الزوجة الباب قال لها خدم السلطان: زوجة السلطان تطلب المنجم عصفور. فتظاهرت الزوجة بالمذلّة والمسكنة وقال لهم: هو رجل مسكين مجنون، لم يكن يدري ما يقول، خذوا الدينار وسامحوه!
فقال لها رئيس الخدم، وهو لا يفهم معنى قولها: إنّك أنت المجنونة يا امرأة! السلطانة ترسل له معنا ألف دينار وبغلة وملابس غالية. دعيه يخرج ليأخذها ويذهب معنا.
صارت المرأة تصرخ بأعلى صوتها وكأنّما أصابها مس من الجنون: الثّروة وصلت يا عصفور السلطانة أرسلت لك ألف دينار وبغلة!
فقال عصفور من مخبأه: سأكون أنا البغل إن صدّقتُ أنا هذا الكلام.
عندها أمسكت جرادة زوجها من ملابسه وجرّته جراً إلى الباب، وهي تقول لخدم السلطانة: هذا هو المُنجّم عصفور.
فأخذوه إلى الحمّام وألبسوه الملابس الجديدة وأركبوه البغلة، وأعطوه الألف دينار في كيس كبير وضعه أمامه على ظهر بغلته.
سار عصفور وخلفه جمعٌ كبير، يغنّون ويرقصون. وهكذا بين يومٍ وليلةٍ، أصبح الشيخ عصفور أشهر مُنجّمٍ في المدينة.
حدث في اليوم التالي أن كان السلطان يتناول الطعام في حديقة قصره. وعندما قام ليغسل يديه فوق البركة، كان في إصبعه خاتم السلطنة، وبه ماسة قيمتها ألف دينار، فنسي الخاتم على حافة البركة، فجاءت بطة عرجاء وبلعت الخاتم. وكان للسّلطان خادم صغير، شاهد البطّة وهي تبتلع الخاتم، لكنه لم يذكر شيئاً عن ذلك عندما سأل السلطان عن خاتمه. كان الخادم يريد أن ينتظر بضعة أيامٍ حتى تهدأ ضجّة البحث عن الخاتم، ثم يذبح البطّة ويأخذ الخاتم.
أمر السلطان بإحضار المُنجّمين وأخبرهم أنّ خاتم السلطنة فقد وأنه سيعطي ألف دينار لمن يرشد إليه، فهو عزيز عليه جداً، وقد ورثه عن أبيه وجدّه. ولما لم يعرف المُنجّمون مكان الخاتم، طلب السّلطان أن يحضر له الخدم مُنجّم السلطانة.
خاف عصفور عندما رأى خدم السلطان، وجفّ ريقه، وقال لزوجته: إن كانت الصّدفة أنقذتني في المرة السابقة، فهل ستنقذني الصدفة هذه المرة؟ وخشيَ أن يشنقه السلطان إذا ظهر كذبه.
شجّعته زوجته على استخدام الحيلة والذّكاء، فقد تخدمه الصدفة هذه المرة أيضاً. فقال لها: إذا خانتني الحيلة والذكاء سأخبرهم أنك السبب في تظاهري بالحكمة والمعرفة، وسأجعلهم يعطونك النّصيب الأكبر ممّا أستحقه من الصفع والركل.
ثم اتّجه إلى قصر السلطان ودخل قاعة الإنتظار حتى يأذن له السلطان بالدخول.
وكان على نوافذ القاعة ستائر من حرير، منقوش عليها رسوم لبعض الطيور والحيوانات من بطٍ وحمامٍ وغزلان وأرانب وغيرها. وكان عصفور يُفّكر في أمره، وأخذ يحدّق إلى الستائر ويهز رأسه.
في هذه اللحظة، تسلّل الخادم الذي كان قد شاهد البطة ليراقب الشيخ عصفوراً، وقد سمع عن قصّته مع السلطانة وبراعته في معرفة الأشياء. ولما رأى عصفوراً يحدّق إلى الستائر، اضطرب قلبه وقال في نفسه: هذا المنجم البارع يحدّق إلى رسم البطة فوق الستار! لقد عرف أنّها هي التي بلعت الخاتم وسيعرف أنّني شاهدتها وهي تبلعه، وأخفيت ذلك، وسيخبر السلطان فيشنقني!
دفع الخوف الخادم فاقترب من عصفور وهو مضطرب ورجاه ألاّ يقول عنه شيئاً للسلطان.. وقال:لقد خشيت أن أذكر للسلطان أن البطة العرجاء بلعت الخاتم من فوق حافة البركة عندما كان يغسل يديه ونسي الخاتم هناك.
فقال عصفور للخادم: لقد عرفتُ الحقيقة كلها من النجوم، ولو لم تعترف لي الآن لأخبرتُ السلطان بالحقيقة فيقتلك. لكن ما دمت قد اعترفت لي، فلن أخبر السلطان بشيءٍ.. وإياك أن تقول شيئاً عن هذا الموضوع وإلاّ جعلت السلطان يقطع رقبتك.
دخل عصفور على السلطان، فوجد حوله كل الوزراء والمُنجمين. فطلب إليه السلطان أن يعرف أين ذهب خاتمه، وأخبره أن الجميع عجزوا عن معرفة مكانه، فاذا عرفت مكانه لك ألف دينار .
فسأله عصفور: أين كنت أيها السلطان عندما ضاع منك الخاتم؟ قال السلطان: كنتُ في البستان. قال عصفور: قُم بنا إلى البستان. فلمّا دخلوا إلى البستانن قال عصفور: أريد أن يمرّ أمامي كل مَن في البستان من أناسٍ وطير وحيوان. وتغامز بقيّة المنجّمين ساخرين، لكن السلطان أمر بتنفيذ طلب عصفور.
مرّ من أمام السّلطان وأمام عصفور موكب كل الخدم والغلمان الذين يعملون في البستان. ثم الغزلان والأرانب التي تعيش في الحديقة. ثم مرّت أمامهم أنواع الطّير من الوزّ والحمام والطواويس. ثم جاء دور البط في النهاية. وعندما مرّت أمامهم البطة العرجاء، حدّق إليها عصفور بعينيه تحديقاً شديداً، وهزّ رأسه، ورفع ذراعيه إلى أعلى وصاح: أمسكوا هذه البطة. وهنا انطلق بقية المنجمون يضحكون منه ويسخرون!
كان السلطان قد اعتاد أن يتسلّى بمنظر هذه البطة. فكان كلّما رآها، يضحك من طريقة سيرها، فقال لعصفور: هذه البطة أتفاءل بها، ولا أسمح لأحد أن يؤذيها.
قال عصفور: إن كنت تريد الخاتم، فهو في بطنها. فقال السلطان: وإن لم نجد الخاتم في بطنها؟ قال عصفور: إفعل بي ما تشاء.
أمر السلطان بذبح البطة، وهو يشعر بالأسف الشديد عليها ويقول لنفسه: والله إذا لم نجد الخاتم في جوفها، لأقتلنّه في التو والسّاعة.
لكنّهم وجدوا الخاتم في حوصلتها!! وعندما رآه السلطان فرح جداً وقال لعصفور: والله لا يوجد في الدنيا مثلك. إنّك تستحق ألفين من الدنانير لا ألفاً. وأخذ عصفور الألفين وأسرع إلى بيته وهو يكاد يطير من الفرح. أما بقيّة المنجمين فيكادون يموتون من الغيظ والحسد.
أخبر عصفور زوجته بما حدث وقال لها: هيا نذهب إلى بلدٍ بعيدٍ، ونكتفي بما آتانا الله من ذهب ودنانير. إنني أخاف أن أتعرض لتجربةٍ ثالثةٍ، أذهب معها إلى القبر.
رفضت زوجته الخروج من البلد الذي أتاها منه كلّ هذا الخير.
عاش عصفور وزوجته ينفقان بسخاءٍ من الثّروة التي هبطت عليهما، والمُنجّمون يحسدونه ولا يجرأون على إيذائه. لكنهم اجتمعوا يوماً إلى السلطان وقالوا له: أيّها السلطان العظيم. كيف تقدّم عصفوراً علينا؟ إنّه جاهل لا يفهم شيئاً. فأجابهم السلطان: لقد عرف ما عجزتم عن معرفته. قالوا: لقد خدمته الصدفة. قال السلطان: إذن أقيم تجربةً لأحكم بينكم وبينه. سأذهب إلى البستان، أخفي شيئاً، فإن عرفتموه حكمتُ لكم، وإن غلبكم فلن أسمع منكم كلمةً ضدّه بعد اليوم. فقبلوا بحكم السلطان.
دخل السلطان إلى البستان، وإذا بأحد العصافير الصغيرة يطارد جرادة، فأسرعت الجرادة ودخلت تحت ذيل ملابس السلطان، فاندفع العصفور ودخل وراءها. فأسرع السلطان وأمسك الإثنين تحت ملابسه، ثم خبّأهما بين يديه، وقال للمُنجّمين: َمن استطاع أن يعرف ما في يديّ حَكمتُ بتفوقه على خصمه. هيّا استدعوا الشيخ عصفوراً.
أسرع الخدم ليحضروا عصفوراً من منزله. فخاف عصفور وقال لزوجته: الثالثة هي القاضية. هذه المرة سيشنقني السلطان، ويأخذ منك الذهب! فقالت له زوجته: ثق بالله وتوكّل عليه.
وَدّع عصفور زوجته وهو واثق أنه لن يعود إليها سالماً هذه المرّة. وعندما وصل إلى السلطان، وجده يضمّ يديه فوق ملابسه، وواحد من المنجمين يقول: في يدك أيها السلطان زهر ريحان، ويقول آخر: بل ورق شجر أخضر. وقال ثالث: بل ثمار ليمون. وأخذ كلّ واحد يذكر شيئاً والسلطان يقول لكلّ واحدس منهمٍ: غير صحيح.. غير سليم
ولم يبق إلاّ عصفور، جالساً يفكّر في المأزق الذي أوقعته فيه امراته، فقال السلطان: لماذا لا تتكلّم يا شيخ عصفور؟ لقد جاء دورك. قال عصفور وكأنه يحدّث نفسه، وقد ازداد همّه بسبب ما دفعته إليه امرأته: وماذا أقول أيّها الملك؟ لولا جرادة ما وقع عصفور اليوم في يد السّلطان!!
هنا صاح الملك: ليس في العالم مثلك يا شيخ عصفور.. أنتَ سلطان الحكمة والمعرفة! وأخرج السلطان من يده الجرادة والعصفور، ثم قال: أعطوه ثلاثة آلاف دينار.
واستغرب المُنجّمون وقالوا: حقاً لا يوجد في الدنيا مثله قط.
انتشر خبر انتصار عصفور على منافسيه، لكن عصفوراً لم يسعد بهذا، بل ذهب إلى زوجته وقال: إنك ترفضين أن تغادري هذا البلد، وأنا أخشى أن ينكشف خداع الكذب والتّنجيم. لذلك إذا سأل عني أحد، قولي له إني مُتّ فيكفّ الناس عني وينسون أمري، ونعيش بما لدينا من ثروةٍ في أمان ونعيم. ولأول مرةٍ وافقته زوجته، فقد بدأت هي الأخرى تخشى ما يخبّئه المستقبل لهما.
انقطع عصفور عن زيارة السلطان، فأرسل يسأل عنه، فقالوا له: لقد مات عصفور منذ ثلاثة أيامٍ. وأسرع عصفور وزوجته ينتقلان إلى مسكنٍ بعيدٍ.
وحدث أن خرج السلطان متنكراً ذات ليلة ليتعرّف إلى أحوال رعيته، وساقته الصّدفة إلى شاطئ النّهر، فاشتاق أن يأكل سمكاً ممّا يشويه الصيادون بعد صيده مباشرةً، فجلس على الشاطئ ينتظر خروج الصيادين بالصيد. وفجأة سمع السلطان رجلاً يجلس قريباً منه يقول: يجب أن نسافر من هذا البلد يا جرادة. وسمع امرأة تجيب محدّثها: قريباً ينساك الناس يا عصفور، فالكلّ يعتقد الآن أن المُنجّم عصفوراً قد مات.
عرف السّلطان أن هذا الشخص هو الشيخ عصفور، فطلب إلى بعض خدمه أن يتعقبوه ليعرفوا مكان بيته.
في اليوم التالي، ذهب السّلطان متخفياً إلى بيت عصفور وطرق الباب، ففتح عصفور وهو لا يتوقّع أن يكون هناك مَن عرف بيته الجديد، وإذا به يُفاجَأ بمن يقول له: أين زوجة الشيخ عصفور؟
كاد عصفور ينكر ويقول إنّه لا يوجد في البيت أقارب للشيخ عصفور. إلاّ أن السلطان المُتخفّي أضاف: لقد أرسلنا السلطان لنقوم بواجب العزاء في وفاة زوجها، ولنقدّم لها مبلغاً من المال تستعين به على الحياة.
هنا خشي عصفور من شجار زوجته إذا صرف هؤلاء الذين جاءوا يعطونها مالاً، فأدخل الزائرين، وأسرع إلى زوجته يقص عليها الخبر.
تظاهرت الزوجة بالحزن، وخرجت تستقبل الزائرين ودموعها تتساقط من عينيها، لكنّها فوجئت بالزائر يسأل: إذا كان الشيخ عصفور قد مات، فمن الذي فتح الباب؟
وسكتت المرأة، فقد أحست أن السؤال ستتلوه أسئلة أخرى!
وعندما لاحظ السلطان أن الزوجة سكتت، أسرع يلقي سؤاله الثاني: أيتها المرأة.. أجيبي عن سؤالي وقولي الصّدق. أليس الشيخ عصفور هو الذي فتح لنا الباب؟
أدركت المرأة أنّ كل الخطط التي وضعتها مع زوجها قد انهارت، فأسرعت تخرج من الغرفة، وقد اعتزمت أن تهرب مع زوجها من باب المنزل الخلفي.
ارتفعت ضحكات السلطان ووقف ينادي: يا شيخ عصفور أنا السلطان أعطيك الأمان!
عندئذ عرف الشيخ عصفور صوت السلطان، واطمأنّ قلبه عندما سمعه يعطيه الأمان، فأمسك بيد زوجته وعاد إلى حيث يجلس السلطان.
ضحك السلطان مرة ثانية وسأله: لماذا فعلت هذا يا شيخ عصفور؟ لماذا أذعت خبر موتك؟
قال عصفور: يا مولاي، سأقول لك الحقيقة التنجيم كله كذب وادّعاء، وزوجتي هي التي دفعتني إلى أن أصبح منجّماً، وقد خدمتني الصدفة أحياناً والحيلة في أحيانٍ أخرى. لكنّي رفضت أن أستمر في هذا الدجل والعبث.
عندئذ انطلق السلطان يضحك ويقهقه وقال: أنتَ تستحق على صراحتك، مكافأة أكبر من كل ما أخذته مقابل تظاهرك بمعرفة المستقبل والغيب. وأمر له بخمسة آلاف دينارٍ.
ومنذ ذلك اليوم، أصبح عصفور نديماً للسلطان، يحكي له أطرف النوادر والنكات، ويسلّيه بالقصص والحكايات، بعد أن كفّ عن التّنجيم والإدعاءات..