كان لرجلٍ سبع بناتٍ. ولما أراد أن يحجّ، جمع بناته حوله، فطلبت كلّ منهن أن يحضر لها الهدية التي ترغب فيها. لكنه استغرب عندما طلبت إليه الصّغرى عنقود عنب مصوغاً من الذّهب.
توجّه الرجل إلى بيت الله الحرام ولما انتهى من أداء فريضة الحج، اشترى لبناته السّت ما طلبنه، ونسيَ أن يشتري هدية الصغرى منهن.
وعندما ركب السّفينة الراسية على شاطئ البحر عائداً إلى بلاده، لم تتحرّك السفينة وبقيت في مكانها.
طلب الرّبان إلى الحجاج الراكبين معه أن يتذكّروا أمراً نسوه. فالسّفينة لا تتوقف هكذا إلاّ إذا كان أحد الحجّاج قد نسي شيئاً ما. وهنا تذكّر الأب ما أوصته به بنته الصغرى، فقال: نسيتُ هدية بنتي الصّغرى، وهي عنقود عنبٍ مصوغ من الذّهب.
ظهر عندها مارد أسود طويل قرب السفينة، فخاف الحجّاج والرّبان، لكن المارد طمأنهم. وكان يحمل في يده عنقود عنبٍ، يعكس بريقهُ ذهبٌ خالصٌ، واتّجه نحو الأب قائلاً: هذا ما طلبته بنتك الصّغرى.
استغرب الأب، لكن المارد خاطبه: أيّها الحاج، هل تأخذ هذا العنقود مقابل أن تتزوّجني بنتك الصّغرى؟
ارتعب الحاج ورفض العرض. لكن السّفينة ظلت واقفةً في مكانها لا تتحرّك. فألح بقية الحجاج ليوافق على طلب المارد، وإلا تأخّروا عن العودة إلى الوطن.
اضطرّ الأب إلى الموافقة، وهو غير راضٍ. وسأل المارد عن الطريقة التي سيتمّ بها الزواج، فأجابه المارد: ضع ابنتك فوق سطح البيت عند عودتك بكامل زينتها وسأخطفها.
عاد الأب مُحمّلا بهداياه، وَبِهَمٍ ثقيلٍ على قلبه. وقد فرحت البنت الصغرى بهديتها عندما تسلّمتها. لكنها لمحت الدموع تنهمر من عينيّ أبيها، فاستغربت وسألته عن السرّ.
حكى الأب القصة لإبنته، فطمأنته، وبدت راضيةً بما قسمه الله لها. وتزيّنت زينة العرائس، فبدت في غاية الجمال، وراحت تبتسم وأبوها وأخواتها يذرفون الدّموع.
صعدت البنت الصغرى إلى سطح الدار في تلك الليلة الحالكة، وفجأةً ظهر المارد، وكان له جناحان عظيمان هذه المرّة، فحملها على أحد جناحيه، ووضع أمتعتها وما جلبته معها على جناحه الثاني، وطار إلى حيث لا تدري. وفجأةً، حط المارد في قصرٍ فخمٍ واسع الأنحاء. وكان في القصر سبع غرفٍ، تقع كلّ واحدةٍ منها داخل الأخرى، وتنتهي بغرفةٍ مقفلةٍ.
كان المارد يدلّها على ما في البيت من أسرارٍ. فتح لها كلّ الأبواب، ورأت كل الأشياء، إلاّ ما هو في الغرفة السّابعة. فتساءلت عن سرّ بقاء الغرفة السّابعة مُقفلة.
قال لها المارد إنّ بإمكانها أن تفعل كلّ شيء إلا فتح الغرفة السّابعة، فهي سرّ يجب أن يظل مُغلقاً.
لم تهتم البنت للغرفة السّابعة أوّل الأمر. لكنها في الأيام التالية ظلت تتساءل: لماذا هذه الغرفة مُغلقة؟ ما هو سرها؟ وقد زادت من حيرتها أنّ المارد كان يخاطبها على أنّها سيدته، لا زوجته. كما أنّها لاحظت أن هذا المارد يحضّر لها كلّ مساء ليمونةً. وبمجرّد أن تتناولها تروح في نومٍ عميقٍ، لا تحسّ بعده بشيءٍ، ولا تستيقظ إلاّ فجر اليوم التالي. وزادت حيرتها حين أحسّت أنها ستصبح أماً، وأنّ في بطنها جنيناً لا تدري مَن هو أبوه، فقرّرت أن تَطّلع على السّر مهما كان الثمن.
تأهّبت المرأة لإستقبال ليلةٍ حاسمةٍ. فأحضرت ليمونةً غير تلك اللّيمونة التي يحضرها المارد. وتظاهرت أمامه بأنّها تناولت اللّيمونة التي جلبها لها. ولم يلاحظ المارد شيئاً.
انطلت على المارد حيلة المرأة التي تظاهرت بالنّوم، حتى ذهب إلى فراشه، واستغرق في نومٍ عميقٍ. فلاحظت سلسلة مفاتيحٍ يحملها في عنقه، ونجحت في أخذها.
ذهبت إلى الغرفة المُغلقة، وأخذت تجرّب كل المفاتيح، حتى تمكّنت من فتح الباب المُغلَق. ودهشت كثيراً عندما رأت شاباً جميلاً ينام في سريرٍ في وسط الغرفة.
كان الشاب عاري الصّدر، وفي وسط صدره لاحظت شيئا يشبه القفل، فجرّبت أن تفتحه بمفتاحٍ صغيرٍ، فانفتح. ووجدت نفسها أمام عالمٍ سحريٍ مليء بلعب الأطفال وملابسهم. وأحسّت حينذاك أنّ هذا الشاب الراقد في السرير هو زوجها مِن غير أن يستيقظ. لكنّ الشاب أحس بها، فهَبّ واقفاً، وأبدى دهشته لوجود زوجته معه. فصرخ بها: لماذا فعلتِ هذا؟ ألم ينهك المارد عنه؟
توسّلت إليه الزوجة، وطلبت أن يسامحها، لكنّه ظلّ غاضباً ونادى المارد ووبّخه، وأمره بأن يلقي بها في أرضٍ بعيدةٍ، ليس فيها إنس ولا جان.
نفّذ المارد رغبة سيّده، فوجدت الفتاة نفسها وحيدةً، وأخذت تسير على غير هدًى طوال النهار وهي تبكي. وعندما جاء الليل رأت أنواراً تتلألأ من بعيدٍ، فأسرعت نحوها على الرغم من تعبها الشديد. فصلت إلى قصرٍ عامرٍ، فجلست أمام بابه، وطرقته بضعفٍ شديدٍ. رحّب بها أهل الدار وقدّموا لها الطعام، فأحسّت بشيءٍ من الرّاحة.
وفي سكون اللّيل، بعد أن ذهبوا للنوم، سمعت حواراً يدور بين أخٍ وأخته. كان الأخ يأخذ رأي أخته صاحبة الدار بخصوص زوجته التي فضحت سرّه وعصت أمره. وعرفت الفتاة أن الأخ هو زوجها، وانتظرت ردّ شقيقته بفزعٍ. وممّا أكّد مخاوفها أنّ الأخت طلبت إلى أخيها أن يسلّمها هذه الزوجة العاصية كي تعاقبها.
عندما سمعت الفتاة هذا الكلام، خرجت بسرعةٍ من غير أن يحسّ بها أحد، وظلّت تمشي وتمشي. ولمّا حل مساء اليوم التالي، لاحت لها أنوار أخرى، ووجدت نفسها أمام قصرٍ استقبلها أهله بترحابٍ.
وفي جوف اللّيل سمعت زوجها يحدّث أخته بالكلام السابق ذاته. وعرفت أنّ هذه أخت زوجها الثّانية. فهربت ووصلت إلى قصرٍ ثالثٍ، دخلته وسمعت صوت زوجها في الليل، يحدّث أخته الصّغرى بقصّة زوجته.
أرادت الفتاة أن تهرب، لكنّها سمعت الأخت الصغرى تلوم أخاها وتلقي الذّنب عليه وتعطي الحق، كلّ الحق للزوجة، فهي لم تفعل ذلك إلاّ عندما أحسّت بأن زوجها يخفي عنها أسراره، ويكتم ما في صدره. ولهذا اقتحمت الغرفة، فلو لم تفعل ذلك، لَبَقِيَت في حيرةٍ، لا تعرفُ مَن هو زوجها. أهو المارد أم هو مجهول؟
تسلّلت كلماتُ الأخت الصغرى إلى قلب أخيها الشاب، ورقّ قلبه لزوجته. وكان يعلم بوجودها في بيت أخته، ويعلمُ أنّها تستمع إليه، فدخل عليها حيث كانت جالسةً، وعانقها واعتذر إليها.
وعاش معها في قصر أخته الصّغرى سعيداً مُنتظراً المولود الجديد.