مراراً وعندما يمر المرء بحقول حبوب الحنطة السوداء ، بعد جو عاصف يرى أنها صارت سوداء يابسة كأنها لهب النار قد مشى فوقها ، حينها يقول الفلاح : هذا كان بسبب نار البرق ، ولكن لماذا صارت الحبوب هكذا ! نبذة عن المؤلف : من روائع قصص الأطفال الدنماركية المترجمة ، للكاتب العالمي هانس كريستيان أندرسن ، وهو من أشهر الكتاب الدانماركيين ، وقد لقب بشاعر الدانمارك الوطني ، ولد عام 1805م وتوفي عام 1875م .
سأخبركم بما أخبرني العصفور به ، والذي سمعه من شجرة صفصاف هرمة ، كانت في حقل الحنطة السوداء وماتزال ، إنها شجرة صفصاف كبيرة موقرة ، ولكن التجاعيد تملؤها وهي عجوز ، وقد انشق جذعها في منتصفه تماماً ، ونما في الشق العشب والعليق ، كانت أغصانها تتفرع من الأعلى ، وتتدلى إلى الأرض ، وكأن للشجرة شعراً طويلاً أخضر اللون .
الشوفان : في كل الحقول المجاورة نمت الحبوب كالزوان والشعير والشوفان ، الشوفان كان جميلاً ، بل يبدو عندما ينضج تماماً مثل جمع من طيور الكناري الصفر على الغصن ، كانت الحبوب مباركة ، وكلما ثقلت حباتها ازدادت انحناءاً وتواضعاً .
الحنطة السوداء : كان هناك أيضاً حقل حنطة سوداء ، وهذا الحقل كان قريبا من شجرة الصفصاف ، الحنطة السوداء لم تنحن إطلاقاً ، كما انحنت الحبوب الأخرى ، بل اشرأبت رؤوسها مغرورة منتصبة… أو لست غنية مثل سنبلة ؟! قالت الحنطة السوداء ، بل وفوق ذلك فأنا أجمل بكثير ، أزهاري الجميلة مثل شجرة التفاح ، إنها لمتعة النظر إليها وإليّ ، هل رأيت من هم أجمل منا يا شجرة الصفصاف ! شجرة الصفصاف : هزت شجرة الصفصاف رأسها ، تريد بذلك أن تقول : أجل ، رأيت في الحقيقة من هم أجمل ، ولكن الحنطة نفخت رأسها تعالياً ليس إلا ، وقالت : أيتها الشجرة الحمقاء ، أنت عجوز خرقة تنمو الحشائش في بطنك .
العاصفة : وفجأة انقلب الجو فجأة عاصفاً ، فأطبقت كل زهورالحقول وأوراقها ، وأخنت رؤوسها الرقيقة عندما هبت العاصفة ، بينما بقيت الحنطة السوداء مشرئبة العنق زهواً ، احن رأسك مثلنا : قالت الزهور ، لست بحاجة إلى ذلك ! احن رأسك مثلنا : قالت الحبوب ، سيأتي ملاك الريح طائراً ، لديه أجنحة تمتد من أعلى الغيم تحت الأرض ، سيقطع رأسك قبل أن تتمكني من ترجية طالبة الرحمة ، ولكني لا أريد أن أنحني : قالت الحنطة .
شجرة الصفصاف تنصح الحنطة السوداء : أغلقي أزهارك واحني أوراقك : قالت شجرة الصفصاف ، لا تنظري عالياً تجاه البرق ، عندما تتفجر الغيوم ، حتى البشر لا تقدر على ذلك ، إذ في البرق يمكن للمرء أن يرى سما الله ، ولكن هذا النظر يمكن أن يعمي البشر ، يمكن أن يحدث لنا كل شيء ، نحن ننبت من الأرض ، هل نتجرأ على ذلك ! ونحن أكثر قماءة من البشر بكثير ؟ غرور الحنطة السوداء : أكثر قماءة بكثير !؟ قالت الحنطة السوداء ، سأنظر إلى سماء الله مباشرة ، وقد فعلت ذلك بتعال وغرور ، حينها كأن العالم أجمع شبّ لهباً ، هكذا أبرقت السماء ، وعندما مرت العاصفة ، كانت الزهور والحبوب منتعشة بالمطر وسط الهواء ، الهادي النقي ، أما الحنطة السوداء فقد تفحمت من البرق ، كانت ميتة ، عشبة لا تنفع الحقل .
العصفور وشجرة الصفصاف : وحركت شجرة الصفصاف أغصانها في الريح ، حينها سقطت ماء كبيرة ، من أوراقها الخضر وكأن الشجرة أخذت تبكي ، فسألها العصفور : لم تبكين ؟ كل شيء مبارك هنا ، انظري إلى هذه الشمس المشرقة ، والغيوم الراحلة ، ألا تتنسمين عطر الأزهار والشجيرات ، لماذا تبكين أيتها الشجرة العجوز؟ ذات مساء : وحكت شجرة الصفصاف له قصة غرور الحنطة السوداء وتعاليها ، والعقاب الذي يأتي دوماً نتيجة لذلك ، وأنا الذي أحكي هذه القصة قد سمعتها من العصفور ، لقد حكاها لي ذات مساء ، عندما رجوته أن يحكي لي حكاية خرافية .