سيحكم عليه ربما بالنفى مدى الحياة ، لماذا كل ذلك ؟ فكل ما أرتكبه فعلياً هو الانتقام لأجل الحياة ؟ ماذا تعني ، أعني أن كل ما فعله كإنسان أنه قتل انتقاماً لأخته التي قتلت عمداً على يد أحد المخمورين الأغبياء ! ما تقصده هنا أنه عالج المسألة بعدالته واستغنى عن عدالة السماء .
نبذة عن المؤلف : قصة من روائع القصص الأوزبيكي ، للمؤلف أوتكير هاشيموف ولد عام 1941م في طشقند ، من أشهر أعماله : تهب الرياح ، الربيع لن يعود ، عرس مبارك ، وترجمت له روايات إلى اللغة الأوزبكية وإلى لغات أخرى مثل رواية : سيمونوف .
وكأنه شيء لم يكن : عدالة السماء ، إنها كلمة أكبر بكثير من وطئ وقعها القدسي ، نظر إليه في حيرة من أمره بينما احتسى رشفة من قهوته شديدة المرارة ، ثم قال بنوع من الحيرة : ماذا تقصد ؟ فقال : أقصد أننا نحن البشر ، لا نفكر عندما نخسر أحدهم ، فما أصعب أن تصحو في اليوم التالي فلا تجد من يملك ذلك الجزء من ذكرياتك وكأنه شيئاً ولم يكن .
ارتكاب الجرائم من أجل الانتقام : ثم صمت الاثنان للحظات ، بينما نظر أحدهم إلى السحابات الرمادية التي تغطي تجاويف السماء المتبقية ، ثم عاد بنظره أدريان ليحملق بتلك القهوة الممتدة أمام كريستيان ، وبطريقة تشبه طرق النبلاء أردف قائلاً : هل تعلم ماهية ذلك الشعور بالانتظار، الذي لا يسهي ولن ينتهي سوى بانتهائك في انتظار شيء ما ! مع علمك المسبق أنه لن يأتي ! نظر إليه أدريان بلا أي رد فعل ثم قال : وهل هذا يسمح للبعض بارتكاب الجرائم من أجل الانتقام ؟ غرفة الانتظار : ابتسم كريستيان ثم قال : قال للتنفيس أو ربما قال للانتقام من الفراغ المخلف بعد رحيل أحدهم ، رشف أدريان قهوته في صمت مريب ، في ظل تساقط الأمطار إلى مرمى النافذة القابعين خلفها ، بينما قال أدريان بنبرة متألمة : ما أصعب أن ننتظر في غرفة الانتظار ؟ أومأ رأسه كريستيان بالموافقة ثم قال بنبرة غير مسموعة : نعم غرفة الانتظار ، غرفة الانتظار .
إيهاب وغرفة الانتظار : لم يكن إيهاب يعلم بموت أبيه بعد وصول فرنسان بثلاثة أيام ، ولكن مر الثلاثة أشهر يعلم الآن وهو في طريقه إلى ذلك المقهى لم يستطع أن يلقى كلمة سلام لأبيه ، قبل الذهاب لم يكن هناك ليقبل رأسه ، وهو في ردائه الأبيض ، ارتطمت بقلبه الأفكار وتلاعبت بعقله الهواجس ، ولكن شئ ما اصطحبه إلى ذلك الطريق ليقابل على صديقه المغربي : أهلا علي ، أهلا إيهاب .
هل الحياة دائما تقذفنا في غرفة الانتظار ، نظر إليه باهتمام بالغ وامتلأت ملامحه بالحيرة الاستفهامية ثم قال باهتمام : ماذا تقصد ؟.
الهدية والموت : لقد توفي أبي يا علي ، تساقطت دمعة منه وامتعضت شفتاه ، وتقابلا حاجباه في زحام ضيق يرسمه الحزن والألم ، ثم أردف قائلاً : أترى تلك الساعة في يدي ، فابتسم علي ابتسامة باهته ، ثم اقترب منه وأومأ رأسه بنوع من الأسى ثم قال : نعم إنها جميلة وذات ذوق عالي .
ابتسم إيهاب ابتسامة مبللة ثم قال : لقد أهداها لي أبي ، قبل مجيئي هنا بسبعة أيام ، كان يردد دائماً الهدايا تذكرنا بمن ذهبوا فهناك دائماً شيئاً مرتبط بما نملك من الأصدقاء والأقرباء .
دون سابق إنذار : ثم ابتسم ابتسامة عريضة ثم أردف قائلاً :عندما نظرت إليها الآن عاد سجل الذكريات مفتوحاً على صفحاتي معه ، وتلك المشاهد التي لن أنساها مهما طال بي العمر ، فقال علي بنوع من المواساة : هون عليك يا إيهاب ، فابتسم إيهاب معطياً ظهره لعلي ، ثم قال : أتعلم أن غرفة الانتظار كل يوم تزيد أعدادها يوماً بعد يوم ! ولن ينتهي القادمون إليها ، ولن تغلق أبوابها يوماً فكلنا نتجمع فيها دون سابق إنذار.
تفرقنا الصفات والمعالم والجنسيات ولكن يجمعنا الانتظار .
سمر وغرفة الانتظار : أومأ برأسه موافقاً بينما ظل الاثنان يحدقان في السماء ، بنوع من التأمل ثم قال إيهاب بنبرة صوت متحشرجة : غرفة الانتظار ، ألن تأتي معنا يا سمر ، لا فأنا في انتظار أختي سحر ،هنا ستأتي بعد قليل وسألحق بكم بعد ذلك ، كما تحبين ولكن لا تتأخرين ، سنذهب نحن لتحضير الحفل من أجلها ابتسمت ابتسامة موافقة ، ثم ذهب الجميع وتبقت في ذلك المقهى تنتظر .
فهي لم ترى أختها التي تعمل بالخارج منذ ثلاث سنوات ، وكم تشتاق إليها فهي توأمها فكيف يكون النسيان ، فكيف تكون الحياة دون النصف الآخر من الروح ، إنه جرس الهاتف ويحمل رقماً من إحدى البلاد التي لا تعلمها .
ظروف العمل : أهلا سمر ، أهلا حبيبتي من أين تتحدثين ، إنني أتحدث من إيطاليا ،جحظت عيناها ، وتحشرجت الكلمات ثم سكتت على الهاتف ، بينما قالت سحر : إنني آسفة ولكن ظروف العمل منعتني من المجيء اليوم ،.
ابتسمت سمر بحزن شديد ثم قالت : لا عليك سأنتظرك هنا متى ستأتي ، قالت سحر بنوع من الحرج : لقد ذكرت لك سابقاً أنني لن آتي اليوم ، ولكن إن شاء الله سأتدبر أمري وأستطيع المجيء خلال شهر .
سكتت سمر مرة أخرى على الهاتف محاولة جمع بقاياها ، ثم قالت : فقط كوني بخير وراسليني دوماً ، قالت سحر : سأفعل وأنت الأخرى عديني بذلك ، قالت بابتسامة باهته : أعدك .
أغلقت سمر الهاتف بينما انصبت على علبة السجائر، وأشعلت سيجاراً وحدثت نفسها قائلة : لمتى سأظل معلقة في غرفة الانتظار ؟ ذلك العذاب يصدعني ويقتلني الملل والضيق والخوف يا لها من غرفة ! الانتظار فيها مستحيل ، ولكننا فيها نتخطى المستحيل ، فلا شيء أمامنا سوى تلبية أوامر الانتظار المهين .
ثم بنوع من السكون المؤلم نظرت للقادمين ، والراحلين ممن بدأت دقات انتظارهم للراحلين ، وممن انتهت دقات انتظارهم للقادمين هامسة في أسى ، بلا غرفة الانتظار هذه ، قليلاً من يخرجون منها وكثيراً من يدخلون .
الحياة من دونه : لقد ذهب وتركني وحيدة في تلك الحياة وأنا أناهز الأربعين الآن من العمر ، لا عليك يا سارة يجب أن تجتازي تلك المرحلة فأنت قوية دائماً ، نظرت إليها بأعين يغطيها لون المياه المالحة ، وحاولت النظر إليها ببسالة ، ثم قالت بنبرة حزينة : من أين لي بالقوة ؟ بعدما فقدت أهم عوامل القوة وأسباب الحياة .
فقد كان هو الإنسان الذي يعطيني دوماً الدفعة البشرية العميقة ، لأستمر وأتحدى العواقب ، من أين لي بالقوة الآن وكيف ستكون الحياة دونه ؟ نظرت إليها نظرة مواسية ثم قالت : لا عليك يا سارة ، كل ما في الأمر أنها مسألة وقت ، وستعلمين جيداً أي الطرق ستسلكين وستجدين دافعاً قوياً وأنتِ ما زلت شابة ،وأمامك متسع من الوقت لتستمري ، ابتسمت ابتسامة ساخرة ثم قالت : نعم أنا شابة في انتظار الموت! لا تقولي ذلك يا سارة ستجدين سر الحياة قريباً .
ثم ابتسمت ومسحت على ملامحها وأردفت قائلة : حتى الموت يا سارة فيه من الدروس ما نتعلمها دوماً ، نظرت إليها سارة نظرة متألمة ثم قالت : هل تعلمين شيئا ، نظرت إليها بأعين متسائلة ! بينما مالت بوجهها ناحية اليمين ثم قالت سارة : إنه الانتظار ، الانتظار يا صديقتي ، فرمشت أعينها في سرعة اختلطت بالحيرة ثم سألتها قائلة : ماذا تعنين بالانتظار هنا ، أعنى أي انتظار تتحدثين .
غرفة مظلمة وقهوة مرة : انتظار من رحلوا ولن يعودوا ، أقوى وأشد أنواع الانتظار هو أن تنتظري شخصاً ما مع علمك المسبق أنه لن يعود ، عندما تختارين إحدى المقاعد في إحدى الغرف المظلمة داخل عقلك مع فنجان القهوة المر ، ترمقين تحت تأثير نور خافت أقرب إلى الظلمة في ألبومات الصور، التي تجمعك بشخص ما قد ذهب دون إنذار تاركاً خلفه بعض الصناديق من أعياد الميلاد ، وغيرها من الذكريات المخلفة عند مرورك بإحدى الشوارع التي شهدت لكما مواقف عديدة .
فصل الشتاء : وعندما يهل عليك فصل الشتاء ، وتحاولين ملامسة الدفء في عينيه ، واحتضان أطرافه للوصول إلى مرحلة الأمان ، من ذلك الرعب الذي يسببه ذلك الفصل في القلوب ، فلا تجدي سوى الصقيع ، وصورة شبح لرجل رحل في تاريخ ما ولن يعود ، نعم لن يدق جرس الهاتف مرة أخرى ، ولن أسمع طرقاته على الباب ، ولن تفاجئني مرة أخرى رسائله التي أنتابها القلق ، من فرط شعوره بالمسئولية تجاهي .
ثم سكنت للحظة ، وبابتسامة بهته أردفت قائلة : عندما ندخل غرفة الانتظار ، لا نملك شيئاً سوى انتهائه أو انتهائنا .
القصة دائماً مستمرة : سنغلق الباب الآن سننظر حولنا لنجد أن القصة دائماً مستمرة ، ولن تنتهي فإنها مرتبطة بصندوق الذكريات ، ورسائلنا المعلقة في تلك الذاكرة الإلكترونية سنجد دوماً من يثير الذكريات في موقف ما ، أو ربما في صباح ما ربما مع تناولك لفنجان قهوة في مكتبك ، أو جالساً في شرفتك سندخل حتما غرفة الانتظار ، نتخبط في شيء ما خلفه الماضي إنه دائماً ، مرتبط بالتذكارات الملقاة في حجرتك ، متعلق بالوقت الذي ستقضيه منتظراً وبنوعية الأشخاص الذين نقابلهم في غرفة الانتظار ، لنغلق الباب الآن .