قصة قصيرة من الأدب العالمي الروسي للكاتب ليو تولستوي تحت عنوان “أسئلة الإمبراطور الثلاثة”.
نبذة عن المؤلف : وُلد ليو تولستوي في روسيا خلال عام 1828م ، وقد اشتهر بكتاباته الأدبية المميزة التي كانت بدايتها مع أول رواياته “الحرب والسلام” ، كما تميز في كتابة القصص القصيرة ، توفي خلال عام 1910م.
القصة :
ذات يوم فكر الإمبراطور أنه إذا توصل للإجابة على ثلاثة أسئلة فقط ؛ فإنه لن يفشل في أي أمر على الإطلاق ، وكان سؤاله الأول هو “ما هو أفضل الأوقات من أجل عمل كل شيء؟” ، وكان سؤاله الثاني عبارة عن “من هم الناس أكثر أهمية للعمل معهم؟” ، أما سؤاله الثالث فهو “ما هو أهم شيء تفعله في كل الأوقات؟”.
نشر الإمبراطور في أرجاء مملكته مرسوماً يفيد بأن من يستطيع الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة ؛ فإنه سينال جائزة كبيرة ، فأقبل الكثيرون على قصر الإمبراطور بمجرد سماع نص المرسوم ، وقام جميعهم بتقديم إجابات مختلفة عن بعضها البعض .
قال أحد الأشخاص إلى الإمبراطور بأنه يجب وضع جدول زمني يتصف بالدقة ليقوم بتخصيص كل ساعة ويوم وشهر وعام من أجل مهام معينة ، وعليه أن يلتزم بهذا الجدول بالضبط ، بينما قال آخر أنه من المستحيل العمل على وضع هذه الخطة مقدماً وأن يقوم الإمبراطور بتنحية كل الأنشطة الترفيهية العقيمة ويعمل على الانشغال بكل شيء حتى يعرف ماذا يفعل في ذلك الوقت .
وقام شخص آخر بالتأكيد على أن الإمبراطور لا يستطيع أن يملك البصيرة بنفسه والقدرة على تحديد الوقت الخاص بكل مهمة ، وأن ما يلزمه بالفعل هو تشكيل لجنة من الحكماء ليتم التصرف تبعاً لمشورتهم ، بينما ردّ آخر قائلاً أن هناك من الأمور ما يتطلب قراراً فورياً ولا يحتمل الانتظار ، ولكن إذا رغب الإمبراطور في معرفة ماذا سيحدث مقدماً ؛ فعليه باستشارة السحرة والعرافين .
وجاءت أيضاً الإجابات على السؤال الثاني غير متوافقة ، حيث أشار واحد فقط على الإمبراطور بأن يضع كل ثقته في المدراء ، بينما نصحه آخر بأن يعتمد على القساوسة والرهبان ، وحثه آخر بالاعتماد على الأطباء ، بينما اقترح آخرون بوضع الثقة في المحاربين.
وكانت الإجابات على السؤال الثالث تسري على نفس النمط ، حيث أشار البعض بأن العلوم هي العمل الأهم ، بينما قام آخرون بالإصرار على أنه الدين ، ولكن هناك من زعموا بأن المهارة العسكرية هي الأهم ، لم يُعجب الإمبراطور بكل الإجابات ولم يمنح الجائزة لأي شخص.
قرر الإمبراطور بعد عدة ليالي أن يزور ناسك على جبل حيث اشتهر بأنه رجل مستنير ، وذلك كي يسأله الثلاثة أسئلة على الرغم من علمه بأن الناسك لم يرحل عن حياة الجبال مُطلقاً ، كما عُرف عنه بأنه يستقبل الفقراء فقط ، وكذلك كان يرفض الحصول على أي شيء من أشخاص لديهم سلطة وثورة ، وهو ما جعل الإمبراطور يتنكر في هيئة فلاح بسيط وتسلق الجبل وحده وظل رجاله ينتظرونه بالأسفل.
حينما وصل الإمبراطور إلى مكان الناسك ؛ وجده يقوم بالحفر في الحديقة أمام كوخه ، وحينما رآه الناسك أومأ برأسه ليقدم له التحية ثم واصل حفره ، بدا أن العمل شاق عليه حيث أنه كان عجوزاً ، فاقترب منه الإمبراطور قائلاً :”جئت إلى هنا لأنني أريد مساعدتك في الإجابة عن ثلاثة أسئلة” ، فاستمع الناسك باهتمام إلى الأسئلة .
قام الناسك بالربت على كتف الإمبراطور ثم واصل الحفر ، هنا قال الإمبراطور :”دعني أساعدك في الحفر لأنك متعب” ، فشكره الناسك ثم أعطاه الفأس ثم جلس ليرتاح ، وبعد أن قام الإمبراطور بحفر صفين ؛ توجه إلى الناسك بنفس الأسئلة ، فلم يجبه الناسك ولكنه نهض قائلاً :”لماذا لا تستريح الآن ؟ يمكنني أن أواصل الحفر ، غير أن الإمبراطور استأنف الحفر .
مرت الساعات حتى بدأت الشمس في الغروب ، فقام الإمبراطور بوضع الفأس وهو يقول للناسك :” لقد جئت إلى هنا كي أسألك إن كنت تستطيع الإجابة ، ولكن إن كنت لا تعرف الإجابة فأخبرني كي أعود إلى بيتي ، فرفع الناسك رأسه قائلاً :” هل تسمع أحداً يجري هناك؟ “، حيث شاهدا رجلاً له لحية بيضاء طويلة خارجاً من الغابة تجاههما وهو يجري ضاغطاً على جرح في معدته .
سقط الرجل أمام الإمبراطور مغشياً عليه ، وحينما تم نزع ملابسه علم الإمبراطور والناسك أن مصاب بجرح غائر ، فقام الإمبراطور بتنظيف الجرح واستخدم ثوبه من أجل تضميده غير أن الثوب قد امتلأ بالدماء خلال دقائق ، استمر الإمبراطور في غسيل الثوب وتضميد الجرح حتى توقف النزيف ، واستعاد الجريح وعيه وطلب أن يشرب ماء .
أسرع الإمبراطور وأحضر له ابريقاً من جدول الماء ، وكانت الشمس قد غربت في ذلك الوقت ، وقام الناسك بمساعدة الإمبراطور في حمل الجريح إلى داخل كوخه ثم وضعاه على سرير الناسك ، وكان الإمبراطور يشعر بالتعب بعد معاناة هذا اليوم فاستلقى عند المدخل وراح يغط في النوم .
أشرقت شمس اليوم التالي واستيقظ الإمبراطور متعجباً للحظات ، ونظر إليه الجريح قائلاً :”أرجوك أن تسامحني” ، فقال له الإمبراطور :”ولكن ما هو الذي فعلته كي أسامحك؟” ، فأجاب الرجل :”أنت لا تعرف يا صاحب الجلالة ، لقد كنت عدواً لك وتعهدت الانتقام منك لأنك قتلت أخي وأخذت ممتلكاته خلال الحرب الأخيرة ، وكنت أتتبعك وأعلم أنك وحدك وأنتظر نزولك من الجبل”.
أكمل الرجل حديثه إلى الإمبراطور قائلاً :” حينما تأخرت في النزول ؛ ذهبت لأبحث عنك ولكن رجالك عرفوني وأصابوني وجئت أنت وأنقذتني.
، أنا مدين لك الآن بحياتي ، وأتعهد بأن أكون خادمك إلى الأبد ، أتوسل إليك أن تعفو عني ” ، كان الملك سعيداً بهذه المصالحة فأمر بإعادة كل ممتلكاته وإرسال طبيبه الخاص ليعتني به حتى تمام الشفاء .
بعد أن أمر الإمبراطور رجاله بحمل الجريح إلى قصره ؛ عاد ليطرح نفس الأسئلة على الناسك الذي كان منخرطاً في نثر ر البذور بالحديقة ، فأجابه الناسك :” ولكن الإجابة على أسئلتك قد تمت” ، فقال الإمبراطور في حيرة :”كيف ذلك؟ ” أجاب الناسك قائلاً :”لو لم ترأف بسني وتقوم بمساعدتي في الحفر ، لكان هاجمك الرجل في طريق العودة وحينها كنت ستندم بشدة على عدم بقائك معي ، لذلك فإن أهم وقت هو ذلك الوقت الذي كنت تحفر فيه الحديقة ، وأهم شخص كان أنت نفسك ، بينما كان أهم عمل هو مساعدتك لي ، وأصبح الوقت الأهم فيما بعد هو وقت تضميد جراح الرجل ، فكان هو أهم شخص ، وكان العناية بجراحه هو أهم عمل وذلك وبذلك تصالحت معه بكل سهولة “.
استطرد الناسك قائلاً :” تذكر دائماً أن هناك وقت واحد فقط هو الأهم وهذا الوقت هو الآن ، إنه الوقت الحاضر فهو الوحيد الذي نستطيع أن نتحكم به ، وأهم شخص هو دائماً الشخص الذي تكون معه ، وأهم عمل هو أن تجعل الشخص الذي يوجد بجانبك سعيداً” .